دفعت حادثة انتقاد متطوعات أجنبيات بمدينة تارودانت قبل أسابيع إلى صعود موضوع العمل التطوعي إلى الواجهة، في وقت لا يزال المغرب لا يتوفر على سياسات أو تدابير أو تشريعات خاصة بهذا العمل الذي توصي الأممالمتحدة بدعمه. ويُجمع عدد من الفاعلين في هذا المجال بالمغرب أن العمل التطوعي تراجعت وتيرته بشكل كبير في السنوات الماضية، بحيث أصبح التطوع قليلاً ولا يقبل عليه الشباب حالياً بعدما كان في السابق ركيزة أساسية في العمل الجمعوي. وقد شكل العمل التطوعي، على مدى العقود الماضية، آلية ملازمة للعمل الجمعوي؛ فقد استفاد كثيراً مما أتاحه قانون الحريات العامة، لكن لم يتم استيعاب التطورات التي عرفها العمل التطوعي، كما أن تطور العمل الجمعوي وقواعده جعلت التطوع يتراجع شيئاً فشيئاً مقابل "العمل الجمعوي" المؤدى عنه. ومنذ الستينيات، انخرطت عدد من الجمعيات في المغرب في تنظيم أوراش للتطوع عبر مختلف جهات المغرب، إضافة إلى استضافة متطوعين دوليين للعمل في المناطق القروية على الخصوص في مجالات عدة؛ منها الترميم، والحفاظ على البيئة، والتنمية المحلية، وأي ورش له هدف المصلحة العامة. وعلى الرغم من أن اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع الذي نُظم سنة 2013 من لدن الوزارة المكلفة بالعلاقات مع المجتمع أدرجت ضمن أجندتها التطوع وخصته بندوتين دولتين في إطار استقراء التجارب لبحث الاعتراف بالمتطوع وحمايته ودعم عمله، فإن هذه المساعي لم تتكلل باعتماد أي سياسة أو قانون في هذا الصدد إلى حد الساعة. أنواع التطوع أجمعت النقاشات التي عرفها الحوار الوطني حول المجتمع المدني على ضرورة التفريق بين نوعين من التطوع: التطوع التلقائي وهو الذي يجد مجاله الرحب في الانخراط الجمعوي بدوافع المشاركة في التغيير والتنمية والدعم والتضامن، وبالتالي ينظم قانونياً بمقتضى قانون الجمعيات ويتطلب بدوره مقتضيات قانونية جديدة تهدف إلى حماية المتطوع والاعتراف به وتثمينه والحفاظ على حقوقه في التعويض على التنقل والمهام والخبرة؛ وهو ما قامت به اللجنة في الجزء الخاص بمخرجات الحياة الجمعوية. أما النوع الثاني فهو التطوع التعاقدي، وهو يعني انخراط شخص ما لإنجاز مهمة تدخل في إطار المصلحة العامة وتحدد في الزمن والمكان والأشغال الواجب أداؤها، مقابل تعويضات تضمن التكفل المادي للمتطوع والتأمين والضمان الاجتماعي والتأطير والتتبع البيداغوجي سواء داخل أو خارج الوطن. وقد وصل النقاش بخصوص هذا الأمر في الندوات التي نُظمت في إطار الحوار إلى مستويين لمسار الاعتراف بالتطوع التعاقدي وتقنينه وتنميته وتطويره، أولاً عبر الاعتراف به عن طريق سن قانون التطوع التعاقدي، إضافة إلى خلق أداة مؤسساتية للإشراف على التطوع التعاقدي وتنميته واستدامته. كما جاء ضمن خلاصات النقاش أيضاً التأكيد على تعريف التطوع التعاقدي بكونه تعاقداً والتزاماً تضامنياً لفترة محددة من أجل إنجاز مشروع ذي منفعة عامة داخل جمعية، أو مؤسسة عمومية، بمقابل أن يستفيد المتطوع من مصاريف السكن والأكل والتأمين والنقل، خلال فترة إنجاز مهمته التطوعية، كما يستفيد من دعم بيداغوجي من طرف مرافق يتابعه طيلة مهمته. مقترحات الحوار أوردت أيضاً أهمية تمويل الدولة للجمعيات ذات الاختصاص من ميزانيتها العامة، من خلال تخصيص نسبة سنوية لفائدة هذه الجمعيات أو لفائدة وكالة خاصة تنشئها بمقتضى هذا القانون، مع ضرورة التنصيص على تمويل الجمعيات التي لها مؤهلات تجعلها تحظى برخصة خاصة من طرف الوكالة التي سيتم إنشاؤها لتنظيم التطوع التعاقدي. وينص المقترح، الذي تبناه الحوار الذي نظم في عهد لحبيب الشوباني الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان، على ضرورة أن تسري أحكام قانون الشغل المتعلقة بالأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية على المتطوعين الخاضعين لأحكام هذا القانون وتمتعيهم بالحق في التعويض عن الأضرار التي تلحق بهم جراء إنجاز مهامهم التطوعية سواء داخل أو خارج ارض الوطن. إلى جانب تمتع كل متطوع بالحق في التسجيل بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يتعيّن على الجمعيات والمنظمات المعنية بالنشاط التطوعي القيام بتسجيلهم لدى الصندوق المشار إليه أعلاه، وأن تتكفل بدفع الاشتراكات الخاصة بهم طبقا لما تقتضيه أحكام ومساطر قانون الشغل في مجال التعويض عن الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية. وعلى الرغم من مرور ست سنوات على هذا الحوار الوطني، فإن أغلب مقتضياته لم ترَ النور بعد، ولا يزال التطوع ينظم من طرف الجمعيات في إطار القانون المنظم للجمعيات الذي يحتاج هو الآخر إلى تحيين يواكب تطور العمل الجمعوي في المغرب. التطوع لحل البطالة تؤكد عدد من المنظمات المدنية على أهمية مأسسة التطوع التعاقدي في المغرب وتعتبره مدخلاً لحل عدد من المشكلات التي يعاني منها المجتمع المغربي، وخاصة بطالة الشباب، خصوصاً في ظل تسجيل نسبة نشاط آخذة في الانخفاض بشكل مستمر لدى هذه الفئة، حيث تفيد بعض الأرقام بأن 8 في المائة منهم فقط ينشطون داخل الجمعيات. وسبق للمجموعة المغربية للتطوع أن نبهت إلى هذا الأمر، ودعت إلى مأسسة التطوع في ظل تسجيل "حركية لدى للشباب في المُدن والقرى تتسم بالضعف والتقاعس"، وذهبت إلى القول أن الشباب لم يعد "يشعر بواجب التضامن والمشاركة المواطنة في التحسيس والارتقاء بالأوضاع البيئية والصحية والتربوية والثقافية". وتدعم الجمعية مطالبها بكون بأن غالبية المتطوعين الذين استفادوا من مهمات تطوعية نظمتها ما بين 2007 و2015 حصلوا على شُغل أو تابعوا دراستهم بسلك الماستر أو الدكتوراه، كما تؤكد أن التطوع التعاقدي يعزز قابلية التشغيل لدى الشباب ويمكنهم من تطوير المهارات الإنسانية والقدرات الاجتماعية التي لا يمكن اكتسابها من داخل المؤسسات التعليمية ومؤسسات التكوين المهنيز أرقام ضعيفة في ظل غياب أي أرقام رسمية حكومية حول العمل التطوعي في المغرب، نجد بعض التقارير الدولية أن وضعية هذا العمل لا تزال ضعيفة جداً في البلاد؛ من بينها تقرير "حالة التطوع لسنة 2018"، الذي يعده برنامج الأممالمتحدة للمتطوعين. التقرير سالف الذكر يكشف أن إجمالي العمل التطوعي يمارسه حوالي 760 ألف مغربي، منهم 335 ألف رجل و424 ألفا من النساء، من بين 24 مليونا من الساكنة تفوق أعمارها 15 سنة، وهي نسبة ضعيفة جداً مقارنة مع ما هو مسجل في بلدان أخرى. ويمثل العمل التطوعي الرسمي في المغرب نسبة ضعيفة لا يتجاوز المشتغلون فيها حوالي 54 ألف شخصاً، ويعني ذلك العمل الذي تنظمه المنظمات والجمعيات؛ فيما النسبة المتبقية، وهي 704 آلاف شخص فهي تمثل العمل التطوعي غير الرسمي أي الذي يتم تنفيذه بين الأشخاص بدون تدخل رسمي. والعمل التطوعي غير الرسمي هو الأكثر شيوعاً في العالم، فهو يقوم على مبادئ التنظيم الذاتي وتجانس المجتمع؛ وهو ما يوفر أقصى درجة من المرونة وفرص الابتكار، وهو يساهم في تعزيز الثقة والتضامن الاجتماعي وتنفيذ العمل الجماعي الذي تعتمد عليه المجتمعات المحلية في أوقات الشدة. في هولندا مثلاً، يوجد 13 مليونا من السكان فوق عمر 15 سنة ينخرط في العمل التطوعي حوالي 815 ألفا. أما في بولندا فمن أصل 30 مليون نسمة يشتغل 1.4 مليون شخص في العمل التطوعي، أما الجارة الإسبانية فيصل عدد المتطوعين فيها إلى 1.3 مليون شخص من أصل 38 مليون نسمة فوق 15 سنة. وتفيد معطيات التقرير الأممي بأن أعلى نسبة من المواطنين المتطوعين توجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بحيث يصل عددهم إلى 14 مليون شخص من أصل 250 مليونا ما فوق 15 سنة، تليها المكسيك ب4.5 ملايين متطوع. وقد صنف التقرير المغرب ضمن الدول التي لم تضع سياسات أو تشريعات أو تدابير خاصة بالعمل التطوعي، فقد رصد أن هناك أكثر من 68 بلداً قام بذلك. وفي إفريقيا، نجد من بين الدول التي بادرت إلى الأمر الكاميرون وكوت ديفوار ومالي وكينيا ومدغشقر وزامبيا. أما على مستوى الدول العربية فنجد مصر ولبنان وتونس فقط. قوة تطوعية يشير التقرير الأممي إلى أن الدول العربية تمتلك قوة تطوعية تكافئ نحو 9 ملايين عامل بدوام كامل، يشكلون 8.2 في المائة من إجمالي حجم المتطوعين في العالم، الذين يقدّر عددهم بنحو 109 ملايين عامل مكافئ بدوام كامل. وتؤكد الأممالمتحدة أن المتطوعين يشكلون مورداً إستراتيجياً في دعم قدرة المجتمعات المحلية على الصمود، وفي تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة 2030، ناهيك عن إتاحته فرص كبيرة في مجالات تمكين المرأة والشباب. كما يؤكد التقرير أن التطوع جزء من النسيج التكويني للمجتمعات المحلية ومصدراً مهماً للسلم والتنمية، إضافة إلى كونه سلوكاً اجتماعياً عالمياً يعتمد على رغبة الأشخاص في الانخراط في عملية التغيير بدل من المشاركة السلبية في عمليات التنمية.