قطع المغرب أشواطًا مهمة في مجال حقوق الإنسان، إذ فتح الباب في وجه أشرس المعارضين القدامى لقياديي تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، في محاولة للتصالح مع ماضيه المثقل بدماء ضحايا سنوات الجمر. "" وفي عام 2005، واصلت الهيئة، التي أطلقها الملك محمد السادس عام 2004، بحثها في الانتهاكات الخطرة لحقوق الإنسان والمرتكبة بين عامي 1956 و1999 مثيرة نقاشات واسعة بشأن القمع الذي مورس في الماضي. وبين كانون الأول (ديسمبر) 2004 وأيار/مايو 2005، استمعت الهيئة إلى شهادات حوالى 20 ألف من الضحايا وورثتهم، كما نظمت سبع جلسات استماع علنية للضحايا (جرى بعضها أمام عدسات التلفزيون)، إلى جانب كشف مقابر عدد من ضحايا سنوات الرصاص. وعرفت المملكة ميلاد مجموعة من الجمعيات الحكومية وغير الحكومية المهتمة بالشأن الحقوقي، قبل أن يخرج إلى الوجود المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي ترأسه في البداية إدريس بنزكري، قبل أن يهزمه مرض السرطان، ليخلفه الناشط اليساري أحمد حرزني. وتعد قضية المعارض اليساري المهدي بنبركة الذي اختفى في تشرين الأول (أكتوبر) 1965 أمام مطعم ليب في شارع سان جرمان بباريس، في عملية تنسب إلى أجهزة العاهل المغربي السابق الحسن الثاني بالتعاون مع شرطيين ومجرمين فرنسيين، من أكثر الملفات الشائكة الموضوعة فوق مكتب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، خاصة أنه أخذ أبعادًا أكثر تعقيدًا، بعد أن أصدر توقيف في حق مسؤولين أمنيين مغاربة يشتبه في تورطهم في عملية اختطافه. ويتعلق الأمر بقائد الدرك الملكي حسني بن سليمان، وعبد القادر القادري المسؤول السابق عن المديرية العامة للدراسات والتوثيق (جهاز الاستخبارات العسكرية)، وميلود التونسي المعروف باسم لعربي الشتوكي، أحد عناصر المجموعة المغربية التي خطفت المعارض المغربي، وبوبكر حسوني العامل في "كاب-1"، احدى وحدات أجهزة الاستخبارات المغربية الأكثر سرية، وعبد الحق العشعاشي العنصر أيضًا في "كاب-1". وبهذا الخصوص، قال أحمد حرزني، رئيس المجلس، "لا بد من الاعتراف أن هذا الملف معقد أكثر من غيره، ولو فقط من باب أنه تتداخل فيه مسؤوليات متعددة وليست فقط مغربية"، مشيرًا إلى أنه أوقف شخصيًا نشاط الخلية المكلفة بالبحث في قضية المهدي بنبركة داخل المجلس "بعد أن بدأت العدالة الفرنسية بالتحرك في الموضوع". وأوضح حرزني، في حوار مع "إيلاف"، أنه "لا يمكن القول إن المغرب تصالح مع ماضيه، لكن يمكنني القول إنه يتصالح مع ماضيه"، داعيًا إلى أن "يلتف الجميع حول هذا الموضوع لأنه كلما اتسعت دائرة المشاركة، حتى لو كانت هناك ملاحظات أو اعتراضات، كلما قصرت المسافة". ما الذي حققه المغرب في مجال حقوق الإنسان، وما هي الملفات التي ما زالت عالقة؟ بغض النظر عن الأشياء الأخرى المعروفة، كتعديل مدونة الأسرة وإخراج عدد من الجهات في المغرب من الهامشية التي كانت فيها، العمل الذي قام به المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة كثير، ويمكن أن يلخص في تعويض ضحايا القمع والتهميش، سواء أفراد أو جماعات. وبالنسبة إلى الأفراد، فإن أكثر من 12 ألف ضحية أو ذوي حقوق عوضوا وتسلموا شيكاتهم، وذلك بعد سنتين فقط من انتهاء أعمال هيئة الإنصاف والمصلحة، بينما هناك دول أخرى وعدت الضحايا بالتوصل بالتعويضات، لكنها حتى الآن، وبعد أكثر من عشر سنوات، لم تسلمهم أي شيء. كما أشير أيضًا إلى أن حوالى 40 ألف شخص استفادوا من التغطية الصحية. وفي ما يخص بعض حالات الإدماج الاجتماعي أو تسوية الأوضاع الإدارية، فنحن ما زلنا نناقش حالاتهم مع المسؤولين الحكوميين، إذ في الأسبوع الماضي التقينا بالوزير الأول عباس الفاسي ووعدنا أن المصالح الحكومية ستفعل ما في وسعها لمعالجة هذه الأوضاع. وفيما يتعلق بجبر الضرر الخاص بالجماعات التي تعرضت للقمع والتهميش أكثر من غيرها، فهناك برنامج هام يشمل 11 إقليم. وشرعنا في إنجاز هذا المشروع، بحيث أنشأنا مجموعة من التنسيقيات المحلية التي ستشرف على تنفيذ هذه المشاريع التي ستحمل أيضًا طابعًا تنمويًا. وهذه التنسيقيات خرجت ثمانية منها إلى الوجود حتى الآن، وفي الشهر المقبل سننشئ 3 أخرى، وبذلك سنكون هيأنا الإطار التنظيمي لتنفيذ برامج جبر الضرر الجماعي. ويبقى محور ثالث يهم الكشف عن الحقيقة، وفي هذا المجال سجلنا تقدمًا كبيرًا، بحيث أن ملفات عدد من الضحايا سويت، كما تعرفنا على مكان الدفن ومصيرها، وبقيت حالات قليلة ما زال الشك يراودنا حولها، سنخضعها إلى تحاليل الحمض النووي. وهذه العملية شرعنا فيها كذلك، وعندما ننتهي منها سنعلن عن نتائجها. وإضافة إلى كل هذا، كانت لدينا مساهمات في مجال تدعيم حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية، إذ إن المجلس كان هو الذي نظم الملاحظة في استحقاقات الانتخابية في 7 سبتمبر/أيلول الماضي. كيف تعاملت هيئة الإنصاف والمصالحة مع ملف المعارض المغربي المهدي بنبركة؟ ملف المهدي بنبركة يدخل ضمن ملفات الكشف عن الحقيقة، ولكن كما صرحت عدة مرات ومنذ البداية، وحتى لا نكون في هذا الموضوع ديماغوجيين، ولا تكون المزيدات، ويكون الهدف هو كشف الحقيقة، لا بد من الاعتراف أن هذا الملف معقد أكثر من غيره، ولو فقط من باب أنه تتداخل فيه مسؤوليات متعددة وليست فقط مغربية. فهناك مسؤوليات فرنسية لأن بنبركة خطف فوق تراب هذا البلد وعلى يد ناس حاملين الجنسية الفرنسية، كذلك يقال أن أميركا لها أياد في الموضوع، كما هناك من يتحدث حول احتمال وجود أياد إسرائيلية. ونحن كمجلس استشاري لحقوق الإنسان قلنا منذ البداية أنه ليس لدينا الوسائل ولا السلطات للبحث في جميع الأماكن التي ربما تكون فيها مسؤوليات. ولم يسبق لنا أن كذبنا على أي شخص، بل الأكثر من هذا طلبنا من عائلة بنبركة أن تنتدب شخصًا يشتغل مع الخلية التي تعمل على الملف، وكذلك زارتني تمثيليات من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتناقشنا حول الموضوع. هل حققت خلية البحث في ملف المعارض المغربي أي تقدم؟ هذه الخلية في الحقيقة أنا شخصيًا طلبت منها أن توقف نشاطها بعد أن بدأت العدالة الفرنسية بالتحرك في الموضوع، لأنه العدالة الانتقالية التي نمثلها لا يمكنها أن تشتغل، إلا إذا تركتها العدالة النظامية، سواء المغربية أم الأجنبية أم الدولية، تعمل، أما إذا أرادت أن تتكلف بالموضوع فنحن كأداة للعدالة الانتقالية مفروض علينا الانسحاب من الميدان. لهذا، نحن أوقفنا نشاط الخلية حتى يظهر إذا ما كانت العدالة الفرنسية تريد أن تتناول الملف بجدية أم لا. هل يمكن القول إن المغرب تصالح مع ماضيه أم لا؟ لا يمكن أن أقول إن المغرب تصالح مع ماضيه، لكن يمكنني القول إنه يتصالح مع ماضيه. من خلال مشاركة المجلس كملاحظ في الانتخابات البرلمانية، ماهي النتائج التي خرجتم بها، وهل شكل هذا الموعد قفزة جديدة في مسار الديمقراطية بالمملكة؟ كما لا يخفى عليك، ملاحظة الانتخابات كانت منصبة على درجة سلامة مختلف مراحل العملية الانتخابية. وما لاحظناه في الاستحقاقات السابقة، وما سجله الملاحظون الأجانب، وهو أن جميع المحطات التي مرت منها العملية الانتخابية، كانت على العموم سليمة. ماهي الأهداف المستقبلية التي سطرت للمجلس، وما هي الصعوبات التي تواجهونها؟ الأهداف المستقبلية تتجلى أولاً في ما تبقى من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، إذ يجب تنفيذها في أقرب وقت ممكن. ثم ننتقل إلى ما هو في الحقيقة دورنا الأساسي، ألا وهو حماية والنهوض بحقوق الإنسان، خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ماهي الصعوبات التي تعترضكم؟ الصعوبات التي تعترضنا تتمثل فقط في بعض المشاكل الموضوعية، إذ إن بعض توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة هناك تأخر في إنجازها، كما هي الحال بالنسبة إلى إدماج ملفات بعض الضحايا وتسوية أمورهم الإدارية، ما عدا ذلك فكل شيء عادي. كلمة أخيرة تقدم حقوق الإنسان في المغرب قطع أشواطًا كبيرة، كل ما نتمناه هو أن يلتف الجميع حول هذا الموضوع لأنه كلما اتسعت دائرة المشاركة، حتى ولو كانت هناك ملاحظات أو اعتراضات، كلما قصرت المسافة