فما الذي تبقى من عيد الأضحى أكثر من الهوس بالأكباش؟ إذا استثنينا حمى عملية البيع والشراء التي تسبق يوم العيد بشهور، وإذا استثنينا هستيريا الأكباش إذ يمسي الناس ويصبحون على ذكرها؛ فلا حديث لهم سوى عن أسواقها، وعن وفرتها أو قلتها وعن أثمنتها. فعقارب ساعاتهم تصبح مضبوطة على أحوال أسواق الخرفان. لهفة عارمة لا يهدأ أوارها قليلا إلا بعد اقتناء الخروف، هذا إذا هدأت. فكم واحد حتى بعد شرائه، تجده يسأل هذا وذاك عن الثمن ويقارنه بما اشتراه، ليتأكد من شطارته. حرب بمعنى الكلمة، يفقد الناس صوابهم بمختلف شرائحهم. قد يبيع البعض ما لديه من ضروريات ليشتري أضحية العيد؛ فعلاقتنا بهذه الشعيرة أغرب من الخيال، علما أن حكمها الشرعي لا يتجاوز كونها من السنن المؤكدة. فماذا علينا إن لم نقم بها؟ والأغرب هو كم هم الذين لا يأبهون لفريضة الصلاة التي هي عماد الدين، ولكن تجدهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجل هذه السنة؟ فالمفروض فيها كأية سنة، لا ينبغي أن تتجاوز حجمها لا ماديا ولا معنويا. أما ما يصاحبها من إقبال كبير على التسوق والتبضع فحدث ولا حرج، بشراهة يتسابق الناس لاقتناء كل شيء، وكأننا مقبلون على مجاعة لا قدر الله، وليس على احتفال بعيد من أعياد المسلمين المفروض فيه الاهتمام بما هو معنوي وروحي أكثر بما هو مادي مرتبط بملء البطون وغيره. الجميع على أعصابه. حركة نقل لا نظير لها، يصاحبها تعطيل تام لكل القوانين المعمول بها في قطاع النقل ابتداء من الزيادة في ثمن التذاكر بدعوى "العواشر"، إلى استعمال الحافلات المهترئة لسد الخصاص، إلى عدم احترام مواعيدها، والكارثة السرعة المفرطة. فكل شيء يصبح مباحا خلال هذه المناسبة. ولعل عدد ما يسقط من ضحايا وما يقع من حوادث قبيل يوم العيد لا يحتاج إلى تعليق. فأية علاقة لهذه الفواجع في الأرواح بأجواء الفرحة التي ينبغي أن تسود قبيل العيد وأثناءه وبعده؟ فهل الاحتفال بعيد الأضحى هو ما نراه في شوارعنا ودروبنا وأزقتنا يوم العيد، إذ تصبح مطارح لكل أنواع الأزبال والقاذورات المتراكمة بروائحها العطنة تزكم الأنوف؟ أم هل العيد هو ما بتنا نعيشه مع انتشار مهن من لا مهنة له؛ كشي الرؤوس وسط الطرقات وليس على قارعتها، وتحت الأسلاك الكهربائية وألسنة اللهب المتصاعدة والأدخنة، ناهيك عما يخلفونه وراءهم من رماد وأحجار وأخشاب، ينضاف إلى ما يتركه باعة الفحم والتبن في تحد سافر لكل القوانين بلا ناه أو منته. وكأن الاحتفال بالأضحى من الضروريات التي تبيح كل المحظورات؟ أي انطباع نتركه لدى الأجانب ممن يعيشون بين ظهرانينا عن شعائرنا التعبدية، بهكذا ممارسات موغلة في التخلف؟ ما من شعيرة تعبدية سنة كانت أو فرضا إلا وهي مرتبطة بمقاصدها. فهل الغاية والمقصد من عيد الأضحى هي التباهي بحجم الأضحية وبكتلته اللحمية، وبملء البطون عن آخرها والتجشؤ بأبشع الأصوات؟ أم المقصود ما هو أسمى وأرقى مرتبط بالقيم السامية من تزاور وتراحم ومن إصلاح ذات البين وتقرب إلى الله تعالى؟ فما علاقة هذه القربى إلى الله بما تتداوله الألسن بشان ما يقوم به "الكسابة" لتسمين الأكباش بأقراص "دردك"، وبفضلات الدجاج، وبكميات من ملح الطعام لإرغامهم على شرب كمية كبيرة من المياه تؤدي إلى انتفاخها والخميرة وصولا إلى ما هو أبشع بنفخهم ب"البومبات" والسعي بكل الوسائل إلى إظهار أنها قادمة من ضيعات زراعية مصنفة بغسلهم بالماء والصابون وتنظيف حتى أسنانها بالفرشاة؟ فما الذي تبقى من الاحتفال بها والاحتفاء بقدومها باستحضار كل هذه الموبقات قمة في التخلف والإجرام؟ فما رأي علمائنا الأجلاء لو نتراجع خطوة إلى الوراء، في انتظار أن نكون في مستوى المقاصد الكبرى من وراء سن مثل هذه الشعائر التعبدية، بدل ما أصبحت عليه من سلوكات مشينة يمجها الذوق، لا علاقة لها بديننا الحنيف من قريب أو من بعيد؟