ما إنْ تبدأ تهليلاتُ العيدِ في مدينة وزان حتى تتراءى أمَامك أفواجٌ من المُصلّين بجلابيبَ بيضاءَ نقيّة وقبّعات محليّة الصّنعِ تقِي رأسَ الوافدينَ على مُصلّى "دار الضّمانة" من حرّ الشَّمسِ، يدلفون إلى شوارعِ المدينة بالعشراتِ.. يسيرُون بمهْلٍ شديدٍ، فالطّريقُ إلى الصّلاة تتطلّبُ التّأني، حيثُ يُصبحُ المسيرُ صوْبَ المكان المُخصّصِ لأداءِ واجبِ الصّلاة، صبيحة عيد الأضحى، فرصةً "ثمينة" لتبادُلِ التّهاني بين الأصدقاء والعائلات. نقطة الانطلاق، ضريح مولاي عبد الله الشّريف، حيث يجتمعُ عشرات من أهلِ المدينة القديمة، في ساعات الصّباح الأولى، ينتظرون قدومَ باقي المُصلّين للتّوجهِ رأساً إلى "مصلى" المدينة، التي هي عبارة عن ساحة كبيرة يقصدها الوزانيون لأداء صلاة العيد. وعندما يكتملُ العدد المطلوبُ من المصلّين، يبدأ مشوارُ المسير "الطّويل" بترْديد عبارات التّكبير والتّحميد والتّهليل، يخترق صداها أزقة ودروب "وزان" الضّيقة. قبْل الوُصولِ إلى نقطة نهاية المسير التي حدّدها الماشون الخاشعون في "مصلى دار الضمانة" لأداء صلاة "عيد الكْبير"، تنطلقُ التّبريكات بقُدومِ عيدٍ جديدٍ، فهنا رفاقٌ لم يلتقِ بعضهم ببعض لسنوات بسببِ العملِ أو الدّراسة، وآخرون من ساكنة المدينة يعزّزون أواصر الصّلة والترابط بتبادل عبارات التّهنئة التي تميّز أهالي قبائل منطقة "جبالة". عند الثّامنة صباحاً، ووسطَ عشرات المصلّين الذين جلسوا القرفصاء في جوّ حميمي، تنطلقُ مراسيم الصّلاة بترديد عبارات التّكبير، بعد دقائق، يعلُو صوت الخطيب، الذي شدّد في خطبة العِيد، على أنّ "أعظم شعيرة نتعبّد الله بها في هذا اليوم العظيم هي التقرب بأضحية العيد من طيب كسبنا وخالص أموالنا لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبة". ودعا الخطيب الوزانيين إلى تعزيزِ قيمِ التّعاون على البرّ والتقوى، معتبراً أنّ "سنّة العيد سنّة باقية إلى يوم الدّين، وما أحْوجنا إلى قيم نستفيدها من قصة ابراهيم وإسماعيل، قيم البر بالآباء والتعاون والصّبر". وزاد الخطيب: "نحن في ضيافة أعظم أيام العام، لبينا نداء الله فأممنا المصليات، وعمّرناها بالذكر والتسبيح والتهليل والتكبير حتى ارتجت الأرجاء بأصوات الذاكرين ثم توجهنا إلى الله بأداء ركعتين تتويجاً لنفحات هذا اليوم العظيم، وبعد أداء الصلاة يتوجّه المسلمون للتقرب بالأضاحي لله فطيبوا بها نفسا". ودعا الخطيب المصلين إلى إدخال الفرحة على قلوب أهلهم، قائلاً: "ادخلوا الفرحة على أهلكم وذويكم ولا تنسوا إخوانكم من أهل الفاقة والعوز بأن تصلوهم بثلث تضحياتكم كما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم".