المحافظة على الثروة المائية بإقليم زاكورة ناقوس خطر دقه بقوة فاعلون حقوقيون (أطاك)، وحماة البيئة (جمعية أصدقاء البيئة بإقليم زاكورة)، ومسؤولون حكوميون (الوزيرة السابقة شرفات أفيلال).. كما كانت موضوع احتجاجات سكان المنطقة، التي انتهت باستعمال القوة ضدهم، واعتقال العشرات منهم وتقديمهم أمام العدالة. ومما زاد الطين بلة هو ما أضحى يعرفه الإقليم من إقبال مهول للفلاحين المهتمين بزراعة البطيخ الأحمر، التي تستنزف كميات كبيرة من الماء، في الوقت الذي يطالب المواطنون بحقهم في الاستفادة من جرعة ماء، خاصة في فصل الصيف. "أزمة" الثروة المائية بالإقليم المذكور لم تكن شأنا سياسيا وحقوقيا فقط، بل دخل على خط حمايتها خبراء الاقتصاد من جامعة القاضي عياض، لأن مشكلة هذه المادة الحيوية قائمة ومتواصلة منذ سنوات؛ الأمر الذي جعل الساكنة بتلك المناطق تعيش في جحيم، لا سيما في فصل الصيف. "الدلاح" استنزاف للمياه إبراهيم منصوري والحسين بوزيل، باحثان في العلوم الاقتصادية بجامعة القاضي عياض، أوضحا في مقالة علمية، توصلت بها هسبريس، أن "إنتاج البطيخ الأحمر في المناطق المغربية شبه الجافة لا يمكن أن يعتبر قرارا عقلانيا". وتسلح الباحثان بالنظريات العلمية في مجال علم الاقتصاد للدفع بتهافت قرار فتح المجال أمام ما نعتاه ب"جشع" لوبيات البطيخ الأحمر بإقليم زاكورة. فبالاستناد إلى الاقتصاد الجُزْئي، ترتبط دالة إنتاج البطيخ الأحمر بعوامل ثلاثة، هي: الأرض (التربة) والعمل والرأسمال، أي الأدوات التقنية للإنتاج، يوضح الباحثان منصوري وبوزيل، قبل أن يستدركا قائلين: "لكن دالّة إنتاج الدّلاح في المغرب لها خصوصيات أخرى، لا يجب التغاضي عنها، لأنها ترتبط بالاستغلال المفرط للمياه بدعم حكومي؛ إلى جانب المواد الكيماوية التي تستعمل لتكبير حجم المنتوج، وجعله ينمو وينضج في وقت قياسي من أجل ولوج الأسواق قبل حلول فصل الصيف؛ على حساب صحة المواطن وعافيته". وبذلك فمردودية "الدلاح" تصبح تزايدية بعد ما كانت تناقصية فيما مضى من الزمان، بمعنى أنه إذا ضاعف الفلّاح عوامل الإنتاج الثابتة بمعامل k، فإن الإنتاج، عكس ما يحدث حالياً، يضرب في معامل أصغر من k. إن تزايدية مردودية هذه الفاكهة في الوقت الحالي مردُّهَا التجهيز الأمثل للضيعات بدعم من التمويل الحكومي، فأصبحت تستفيد من السقي بشكل أفضل، إلى جانب المردودية المرتبطة بالخاصيات الإيجابية للتربة المحلية. وأضاف الباحثان "وبما أن تزايدية مردودية البطيخ الأحمر تؤدي إلى انخفاض أسعار الفاكهة، وبالتالي تحسن تنافسيتها في الأسواق؛ فإن لوبيات "الدّلّاح"، تجني أرباحا مهمة، من خلال الزيادة في الكميات المُروّجة، عوض الاعتماد على الأسعار المرتفعة. إن مردودية هذه الفاكهة التي تنضح ماءً مَعِيناً لن تطول على المديين المتوسط والطويل، طالما أن الاستغلال المفرط للمياه الشحيحة أصلاً، سيفرز في الآتي من الزمان واقعا جديداً، لن ينمو فيه زرع ولا شجر، وسيحرم الأجيال القادمة مما تروي به عطشها، على حد قول منصوري وبوزيل. الماء حق للأجيال القادمة إن إنتاج السنة الفلاحية 2018-2019 من البطيخ الأحمر عرف تطورا كيفياً ونوعياً هاما، ولكن على حساب استغلال بشع للمياه الجوفية، سيجعل الأجيال القادمة تعاني، لا محالة، عطشا مهولا. وخلص الباحثان إلى أن "الأجيال القادمة بهذه المنطقة القاحلة هي التي ستتحمل عبء شح الموارد المائية، الذي تسبب فيه أسلافها، ببيعهم موارد مائية غير متجددة لإنتاج فاكهة توجه نحو الأسواق بالمغرب والقارة العجوز"، وهو ما يعني أن "المملكة بتسويقها للبطيخ الأحمر، فإنها بذلك تبيع مواردها المائية النادرة لمن يتوفرون على كميات أوفر منها". ولجأ منصوري وبوزيل إلى لغة الإحصاء للتوضيح، مشيرين إلى أن "التقديرات المتداولة تشير إلى أن المساحات المغروسة من البطيخ الأحمر بإقليم زاكورة بمنطقة' 'الفايجة''، خلال الموسم الفلاحي 2018-2019، تصل إلى ما يربو 18 ألف هكتار (60 مليون نبتة بطيخ أحمر)، وبعمق حفر تبلغ 400 متر للوصول إلى المياه الجوفية". ودعا الباحثان صانعي القرار بالمغرب إلى وقف إنتاج "الدّلّاح"، خاصة في المناطق ذات الموارد المائية الشحيحة، كما نبها إلى أن أشجار الكاليبتوس (Caliptus) يفوق نهمها للمياه شراهة البطيخ الأحمر، حسب تعبيرهما.