من كان يتصور أو حتى يحلم بأن تنقلب أحوال الأنظمة العربية رأسا على عقب.. أربعة حكام عرب سقطوا من على عروشهم في سنة واحدة، وواحد يلعب في الوقت الضائع، والباقي كلهم انحنوا لعاصفة الربيع العربي الذي أحيى الشارع الميت، وبعث الأمل في دخول البلاد العربية إلى نادي الديمقراطيات الحديثة ولو تدريجيا. الفساد والاستبداد والفقر وامتهان كرامة المواطن هي ما أشعل الثورة في تونس بنعلي، ومصر مبارك، وليبيا القذافي، ويمن صالح، وسوريا الأسد، ونفس هذه الأمراض هي ما جعل من الجمهوريات والملكيات العربية تشبه جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية، لأن الموز أكثر فاكهة تفسد بسرعة، وكذلك حال الأنظمة التي أفلتت من الموجة الديمقراطية الثالثة التي اجتاحت دول أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السفياتي، وهي الآن تواجه مصيرا أسوأ مما واجهته كل الأنظمة التي تحولت من الدكتاتورية إلى الديمقراطية في العالم. 2011 كان عام حزن في بيت الحاكم العربي الذي اعتقد أن السلطة والمال والقرار والتأييد الغربي أوراق لن تسقط من جيبه، وأن قبضته الحديدية على شعبه ليست محل نقاش، وأن الواجهة الديمقراطية التي يخبئ تحتها سلطويته لن تسقط، وهي تكفي لإلهاء شعبه الخائف والجائع والمنقسم على نفسه، والذي لا يفكر سوى في وظيفة أو سكن أو سرير في المستشفى، أما الثورة على الظلم أو اقتسام السلطة والثروة مع الحاكم، فهذا ما لا يدور في ذهنه. نسي الحاكم العربي أن الشعوب براكين لا يعرف أحد متى تستيقظ، وإذا استيقظت إلى أي مدى سيصل لهيبها. كل المؤشرات كانت تقول إن الاستقرار الذي كان يظهر على سطح الخارطة العربية استقرار مغشوش، وأن القاع الاجتماعي كان يغلي، وأن التحولات التي داهمت المجتمعات العربية سيأتي زمن وتخرج إلى العلن. الشباب العربي المتعلم يعرف اليوم من أحوال العالم ما لا يعرفه حكامه، وحاجياته تعجز تركيبة السلطة الحالية عن الاستجابة لها، والفساد، الذي بدأ برشوة النخب حتى تؤيد الحاكم، أصبح مؤسسة عملاقة، وصار رقم معاملاته أكبر من أي صناعة ثقيلة أو تجارة مربحة.. صار الفساد عبئا على الحاكم بعدما كان حليفا له، والغرب، الذي كان يراهن على هذه الأنظمة لحماية مصالحه، فهم يوم 11 شتنبر 2001، لما انهار برجا التجارة العالمية، أن الحكام العرب لم يعودوا مؤهلين لحماية تلك المصالح، بل صاروا عبئا عليه لأن شعوبهم صارت تكره الغرب أكثر عندما رأت أنه يحمي أنظمة الموز العربية، لهذا أول فرصة سنحت لأمريكا لكي تتخلى عن حلفائها العرب استغلتها، وأعلنت أنها مع حق الشعوب العربية في تقرير مصيرها، وجاء باراك أوباما إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام يقول: «أنا سعيد والعالم بخير، بنعلي ومبارك والقذافي ليسوا هنا... العالم أفضل من دونهم». مع هذا لم يقتنع كل الحكام العرب بأن المصالحة مع الشعوب ومع الديمقراطية هي الحل، وهي طوق النجاة الوحيد الممكن الآن، ومازالوا يجربون الانحناء للعاصفة حتى تمر ثم يعودوا إلى سيرهم الأولى.