قال خالد الصمدي، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية المُكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إن منظومة التربية والتكوين تُعاني من خمسة أعطاب أساسية، تجعلها أمام تحديات مستقبلية كبرى جداً. وأشار الصمدي، في ندوة نظمتها شبيبة العدالة والتنمية، الجمعة بمدينة القنيطرة، إلى أن العطب الأول يكمن على مستوى التدبير، حيث لازالت المركزية طاغية على تدبير المنظومة، ولا تتمتع الأكاديميات الجهوية والجامعات إلى حد الساعة بما يخوله لها القانون من استقلالية مالية وبيداغوجية. واعتبر المسؤول الحكومي، أمام أعضاء شبيبة حزبه، أنه "لا يمكن بحال من الأحوال لمنظومة من هذا الحجم تضم عشرة ملايين مستفيد؛ 7 ملايين تلميذ و600 ألف في التكوين المهني وما يقارب مليون طالب، أن تُدبر مركزياً". وذكر الصمدي بأن القانون 01.00 المتعلق بالتعليم العالي، و07.00 المنظم للأكاديميات، يتحدثان عن أن هذه المؤسسات عمومية ومستقلة وتتمتع الاستقلال المالي والبيداغوجي، لكن هذا لم يتحقق إلى حد الساعة. أما العطب الثاني حسب الصمدي فهو تكوين الأطر، إذ أشار إلى أن "مدبري المنظومة، من المدير والناظر والحارس العام، لا يُكونون في مسالك خاصة رغم كونهم فاعلين أساسيين"، وقال إن "المدير هو أستاذ أو معلم له أقدمية ويرغب في الراحة قليلاً ويطلب مهمة الإدارة". العطب الثالث الذي تعاني منه منظومة التربية والتكوين يبرز في البرامج والمناهج، إذ قال الصمدي إن "الوثيقة الوحيدة الناظمة للبرامج والمناهج لم تصدر إلا سنة 2002 في عهد الوزير الأسبق عبد الله ساعف، وهي الكتاب الأبيض، ولازال معمول بها إلى اليوم". وأورد الصمدي أن التعليم يُعاني من عطب رابع يتجلى في الجانب التشريعي والقانوني، وزاد موضحا: "منظومتنا كانت تُدبر بقوانين عادية ومراسيم ومذكرات، ولم يكن لها إطار قانون مُلزم، وحين صدر الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000 كان من التوصيات التي أصدرتها لجنة خاصة برئاسة الراحل مزيان بلفقيه تحويل الميثاق إلى قانون إطار، لكن ذلك لم يتحقق إلا في عهد الحكومة السابقة". وتعاني المنظومة التعليمية في المغرب من عطب خامس مرتبط بالهندسة البيداغوجية، حسب الوزير الذي قال إن "هندسة التعليم إلى المستويات الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي أصبحت محط سؤال"، مردفا: "تخيلوا أن التعليم الأولي الذي يعتبر أس المنظومة لم يكن موجوداً. هذه هندسة بيداغوجية تقليدية يجب أن يُعاد فيها النظر بصفة جذرية". أمام هذه الأعطاب، يقول الصمدي إن منظومة التعليم في المغرب تواجه تحديات مستقبلية أبرزها التعميم في علاقته بالجودة، مضيفا أن "البلاد تسير في اتجاه ضمان مقعد دراسي لكل طفل، لكن لا يجب أن يكون ذلك بأي طريقة، بل يجب أن يطرح سؤال الجودة". كما تواجه المنظومة تحدي تكافؤ الفرص، لأنها حالياً تسير بسرعات مختلفة؛ فهناك اختلاف بين التعليم العمومي والتعليم الخاص والبعثات التعليمية الأجنبية، وهي أنماط يؤكد الصمدي أنها "لا توفر للمغاربة نموذجاً بيداغوجياً واحداً يضمن تكافؤ الفرص". ويربط الصمدي تعدد هذه النماذج ب"غياب رؤية إستراتيجية للنموذج البيداغوجي الذي يُريد المغرب أن يطبق في المدرسة، والذي يتوجب على كل الأطياف أن تنضبط له وتشتغل في إطاره". أما التحدي الآخر فيتعلق بالبنيات. ويشرح الصمدي قائلاً: "لا أقصد عدد المدارس والجامعات، بل البنية التقليدية للمدرسة التي تضم القسم والأستاذ والسبورة.. هذه أصبحت في أزمة، وما نعرفه اليوم من مظاهر الغش في الامتحانات والعنف في المدارس والغياب عن الفصول سببه التحولات التي طرأت على الشباب، بحيث أصبحوا جيل تكنولوجيا وبأنماط تعليمية جديدة، لكن المدرسة بقيت تقليدية". ويشير المسؤول الحكومي إلى أن تحدي الموارد البشرية في قطاع التعليم سيفرض نفسه بإلحاح سنة 2028، مؤكداً أن 140 ألف إطار سيتقاعدون في ذلك الأفق، ما يعني أن الأمر تلزمه إستراتيجية للتعويض؛ بالإضافة إلى مواجهة تحدي العقليات المتمثل في وجود مدرسين حالياً تكونوا في مراكز المعلمين في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ويدرسون تلاميذ وطلبة في القرن الواحد والعشرين.