"السياسة كلام وليس كل الكلام سياسة" جملة قالها، منذ سنوات عديدة، العالم Paul Corcoran ؛ لكن السياقات الحالية ما زالت تجسّدها بامتياز لا يضاهيه مثيل، تراشقات، اتهامات، وتبادلات كلامية تتعدّى هامش العمل السياسي أو المحاسبة التي تقتضيها الممارسة السياسية، بين زعماء أحزاب وفرقاء، المفترض أنهم "نخب" المشهد السياسي المغربي. فمن اتهامات رشيد الطالبي العلمي، الوزير التجمّعي، لحزب العدالة والتنمية بالتمويل من الخارج، إلى ردّ الأمين العام السابق للحزب عليه، عبر سحب شتيمة "الوضيع" السّابقة وتعويضها ب"الحقير" وهي أفظع، ومن اتهام "الأصالة والمعاصرة" حزب العدالة والتنمية ب"الممارس للتقية السياسية"، إلى ردّ الآخر عليه بكونه "خصم الإسلاميين الذي لا يستحق التواجد في المشهد السياسي المغربي"، زد عليها الشدّ والردّ المستمرين بين منتسبي الإيديولوجية نفسها، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، والملاسنات الحادّة المستمرّة بين "نخبنا السياسية". وفي هذا الصّدد، قال محمد زين الدّين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدّستوري بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، إنّ هذا التراشق "مضر بالحياة السياسية وغير مفيد للنقاش السياسي بالمغرب"، موردا أن "الحياة السياسية الحقّة تبنى على قواعد سياسية وأخلاقية متفق عليها من قبل الجميع، لا على التراشقات الفارغة". وأضاف زين الدين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "التراشق السياسي والإعلامي لا يتسبّب إلا في المزيد من النفور والابتعاد للمواطنين من كل ماله علاقة بالمجال السياسي"، مسجّلا أن هذا الأمر "لن يجيب أبدا على ما ينتظره المواطن المغربي من الفاعل السياسي، والذي يفترض أن يكون في السياسيات العمومية وتقييمها، والمحاسبات بشأن تنفيذها ونتائجها، والتنافس في القضايا الكبرى التي تهم المواطن كالتعليم والصحة والسكن". وأردف أستاذ العلوم السياسية والقانون الدّستوري أن ما يحصل بين الفرقاء السياسيين حاليا "قد تجاوز الحدود إلى السبّ والقذف والتشهير، وكلها أمور مجرّمة بقوة القانون"، منبّها إلى "ضرورة خلق ميثاق سياسي جديد على غرار ميثاق 1967، يخلّق الممارسة السياسية ويبنيها على أساس المنافسة الشريفة واحترام المؤسسات"؛ ذلك أن ممارسات سياسيّينا "لا تحترم لا المواطن ولا المؤسسات السياسية"، حسب المتحدث نفسه. وفي معرض حديثه عن نوع الفاعل السيّاسي في المغرب، قال زين الدّين أنّ السياسيين نوعان: رجالات الدّولة وهم من ينتجُون عبر سيرورة تاريخية طويلة جدّا، وآخرون "مهيّجون" لا يجمعون بين التكوين الأكاديمي والعمل السياسي، فقط يقومون بالتّهييج، فتجدهم غائبون في النقاشات النفعية التي يبتغيها المواطن، وحاضرون في المزايدات الفارغة التي تنفّر المواطن، مردفا أنّ "الاختلاف مطلوب لكن حول السياسات العمومية وليست الحياة الخاصة التي لا تعطي إلا النتائج السلبية على جميع الأصعدة". وحمّل زين الدّين مسؤولية الوضع المؤزم للأحزاب السياسية على اعتبار أنها لا تؤطر ولا تنتج رجالات دولة بل مهيّجين، ليس لهم لا رصيد معرفي ولا تكويني في العمل الذي ينبغي عليهم القيام به والنقاش فيه كمسؤولين سياسيين، وبالتالي ف"فاقد الشيء لا يعطيه". *صحافية متدربة