يعتبر التسول من المظاهر المؤسفة التي تؤثث فضاءنا العام، ومن المناظر المؤلمة التي تنتشر في جل فضاءاتنا، والتي لا تزيدها الأيام إلا استفحالا، ويشتد أوارها ويستعر، وبخاصة في فصل الصيف وأيام العطل، إذ لا تكاد تعثر على مكان عام إلا وتثيرك هذه الجحافل من المتسولين والمتسولات، من مختلف الأعمار والأشكال، يستعرضون على المارة ألوانا من الطقوس والقصص والمتلازمات والمحفوظات، بغاية استدرار عطفهم، ونفحهم ببعض الدريهمات، وتختلف عروضهم، ويتنوع خطابهم باختلاف قدراتهم، ونظرتهم إلى المخاطب، وتتكفل الأيام بإكسابهم المزيد من الدربة، وأساليب التأثير. إن السؤال البسيط والمزمن الذي يلاحقنا منذ عقود هو: من أين يأتي كل هؤلاء المتسولون والمتسولات؟ ثم تتناسل الأسئلة: من هؤلاء الناس الذين يقضون سحابة أعمارهم في تسول المارة، وطلب عطفهم، بل ومباغتتهم في خلواتهم الخاصة، وجلساتهم العائلية أحيانا كثيرة؟ كيف يعقل أن يمضي هؤلاء المواطنون المتسولون كل أعمارهم في هذه العادة البغيضة؟ من هؤلاء الناس؟، من المسؤول عنهم؟، أهم حقا فقراء، أخرجهم الجوع، ودعتهم الحاجة إلى بيع كرامتهم بهذا الشكل المؤلم، وغير الشريف؟ أين الجهة المعنية بفقراء البلد، إذن؟، أهم مجرد نصابين، يتفننون في الإيقاع بالمواطنين، وأكل أموالهم بغير حق؟، أين الجهة المعنية بضمان أمن الناس وممتلكاتهم، إذن؟، أهم مرضى نفسانيون، وأناس غير عاديين؟، أين الجهة المعنية بصحة المواطنين، ومعالجة أسقامهم، إذن؟. هذه أسئلة عادية يجب طرحها، والإجابة عنها، فقد تحول التسول عندنا إلى ظاهرة مزمنة، يشار إليها، ثم يسكت عنها، وتتم مداراتها بمنطق، كم حاجة قضيناها بتركها، وكأن هناك إرادة ما لتحويل جماعات من المواطنين إلى متسولين أو مشاريع متسولين، لا أحد يدري، فهذا ما يلاحظ؛ فظاهرة التسول يترك حلها للمواطنين البسطاء، يعالجونها، ويواجهونها، ويدارونها بقدراتهم الخاصة، وفهوماتهم الخاصة، (الصدقة، كلشي في سبيل الله، الله يعطينا ما نعطيو، مزيان نديرو الخير، الله يحسن العون، الحياة صعيبة ...).. وكثيرا ما ينخرط العديد من الوعاظ وخطباء المساجد في تكريس هذه المعاني، البعيدة عن مقاصد الإسلام في تكريم الإنسان، وفي المحصلة النهائية، الفقراء يتصدقون على الفقراء، والمحتاجون (يتصدقون) على المحتاجين، وعلى المحتالين، وعلى اللصوص من بعض المتسولين، الذين يستغلون أخلاق بعض المواطنين وخوفهم، وطلبهم للسلامة، فيفرضون عليهم تقديم المال، تحت التهديد اللفظي، ثم المادي في حالة عدم الإذعان أحيانا، والحكايات في هذا الباب أكثر من أن تروى، لا سيما بالنسبة إلى العنصر النسوي. إن التسول من آفاتنا المفزعة، التي تلازمنا باستمرار وتفرض علينا طقوسها وآلامها، دون أن نعرف تحديدا، لماذا؟، ويتحمل المواطنون مواجهة حقيقتها، أما المسؤولون عنها، والمعنيون المباشرون بها، فيحدثوننا عن القيام بدراسة لرصد الظاهرة، وتكوين لجنة للمناقشة والمتابعة، وأعمال خيرية تضمن بقاءهم في أماكنهم التي يخشون مغادرتها، والسلام.