تقول حكمة كونفوشيوس، أحد أشهر فلاسفة الصّين في القرن الأوّل قبل الميلاد، "أوقد شمعة بدلاً من أن تلعن الظّلام"، في دعوة إلى السّعي نحو تفعيل الأعمال الإيجابيّة الّتي قد تبدّد الظّلام عن دروب الاجتهاد والإبداع والتّميز، بدل الاقتصار على انتقاد الأوضاع بسلبيّة لا ترقى إلى محاولة تغييرها، أو أقلّها المساهمة في التّخفيف من آثارها على الإنسان. حكمة كونفوشيوس ربّما كانت ملهمة لسارة الممّوحي، وهي شابّة في ربيعها الحادي والثّلاثين، من مواليد مدينة شفشاون الواقعة بسلسلة جبال الرّيف في أقصى شمال المغرب، حيث إنّها، بدعم من أسرتها القاطنة حاليا بتطوان، ستشقّ طريقها الأكاديميّ بالمثابرة في التّحصيل العلميّ، ثمّ ستلتحق بالعمل في عدد من المنظّمات الدّوليّة المنخرطة في العمل الإنسانيّ. التّحصيل العلمي سلّم النّجاح يقال: "إذا كان مصعد النّجاح معطّلاً، فاستخدم السّلم درجة درجة"، وهي مقولة طبّقتها سارة الممّوحي بحذافيرها، في مسيرتها العلميّة، قبل أن تتوّجها بمسار عمليّ ناجح، جعلها أيقونة مغربيّة في سماء العمل الإنسانيّ الدّوليّ، الّذي تشرف عليه اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر، الّتي تعتبر أوّل منظّمة إنسانيّة تاريخيّا، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى عام 1863. سارة الّتي قرّرت الانفتاح على جريدة هسبريس، للحديث عن تجاربها الإنسانيّة في العمل مع اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر، وهي بالمناسبة منظّمة غير متحيّزة، ومحايدة، ومستقلّة، تسعى إلى حماية حياة وكرامة ضحايا النّزاع المسلّح، وحالات العنف الأخرى، وتقديم المساعدة لهم، قالت: "بعد حصولي على شهادة الباكالوريا بشفشاون التحقت بجامعة الأخوين لدراسة العلاقات الدّوليّة، وبعد السّنة الأولى من الدّراسات قرّرت الالتحاق بجامعةTruman State University بولاية ميسوري بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، لمتابعة دراستي في العلوم السّياسيّة والدّراسات الشّرق أوسطيّة". وتابعت قائلة: "بعد الحصول على الإجازة سنة 2011 التحقت بجامعة sciencePo بباريس لنيل شهادة الماجستير، الّتي حصلت عليها سنة 2012، وبعد سنتين تخرّجت بتخصّص في العلاقات الدّوليّة، في مجال حقوق الإنسان والعمل الإنسانيّ". وعن تجاربها العمليّة، أشارت بنت شفشاون إلى أنّ تجاربها الأكاديميّة والميدانيّة، التي اكتسبتها من خلال عملها مع عدد من المنظّمات الدّوليّة، كالأمم المتّحدة، ومنظّمة الهجرة الدّوليّة، ولجنة الإنقاذ الدّوليّة، فتح لها المجال للالتحاق باللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر، "الّتي التحقت بها فور إنهائي شهادة الماجستير، نظرا لاهتمامي بالعمل الإنسانيّ، وسمعة المنظّمة الّتي تعتبر أوّل منظّمة إنسانيّة تاريخيّا، وانبثاق معاهدات جنيف عن هذه المنظّمة" تضيف سارة. مسار مهنيّ في خدمة الإنسانيّة تقول إحدى الحكم: "النّاجحون يبحثون دائماً عن الفرص لمساعدة الآخرين، بينما الفاشلون يسألون دائماً ماذا سوف نستفيد نحن من ذلك". ولعلّ ما تمثّله هذه المقولة من معان هو سرّ بزوغ نجم سارة الممّوحي بدوائر العمل الإنسانيّ العالميّة. وبخصوص بداية مسارها المهنيّ مع اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر، قالت سارة إنّ إيمانها العميق بمبادئ الحركة الدّوليّة للصّليب الأحمر، والهلال الأحمر، وشغفها بمبادئ هذه اللّجنة الدّوليّة، إضافة إلى قناعاتها الشّخصيّة، دفعها إلى الانخراط في أعمالها الإنسانيّة، "وهو درب سلكته بطريقة طبيعيّة وسلسة، بعد سنوات من دراسة العلاقات الدّوليّة والعلوم السّياسيّة، ومتابعة الأخبار باستمرار، لاسيما الصّراعات الّتي اجتاحت منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا". وعن عملها مع اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر، قالت سارة: " في بداية عملي مع المنظّمة كنت مندوبة لها في العراق، وتحديدا في أربيل شمال البلاد، لمدّة سنة"، مشيرة إلى أنّه بعد إكمال مهمّتها بالعراق، واصلت عملها في اللّجنة الدّوليّة بسوريا، الّتي اتّجهت إليها في سنة 2016، وحلّت بدمشق تحديدا "حيث امتدّت مهمّتي الأولى سنة، وكانت ضمن قسم الحماية" تقول المتحدّثة ذاتها، الّتي زادت: "أوكلت إلي بعدها مهمّة ثانية في سوريا ذاتها، وهذه المرّة كمسؤولة عن فريق الصّليب الأحمر في الجنوب السّوريّ، وتحديدا بمحافظات درعا، السّويداء والقنيطرة". وأضافت العضو باللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر أنه بمجرّد إنهاء مهمّتها بالجنوب السّوريّ بعد سنة واحدة، عادت إلى العمل بقسم الحماية للاشتغال على ملفّ إعادة الرّوابط العائليّة، "وطبعا، كانت تتخلّل عملي بعض الإجازات، حيث أقضي حاليا إجازة لبضعة أسابيع، بعد قضاء ما يقارب عشرة أشهر في مهامي الثّلاث بسوريا"، تقول الممّوحي، قبل أن تضيف "سأواصل العمل مع اللّجنة، وإلى غاية الآن لا أدري أين ستكون مهمّتي القادمة". الإنسانيّة تعبّد درب المخاطر عمليّات إغاثة ضحايا الصّراع المسلّح عادة ما تلفّها مخاطر جمّة، غير أنّ الحضور القويّ للقيم والمبادئ الإنسانيّة يعبّد الطّريق للمنخرطين في هذه الأعمال، أمام كلّ أنواع المخاطر، وهو ما أكّدته سارة في حديثها لهسبريس، مشيرة إلى أن "هذه المخاطر موجودة بشكل عامّ، وهي ليست حصريّة على سوريا". وأضافت أنّ "العمل الإنسانيّ لا يأتي دون تكلفة أو تضحيّات". ودائما في سياق مخاطر العمل الإنسانيّ، أوضحت النّاشطة في اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر أنّ "أهمّيّته والحاجة إليه، في رأيي، تفوقان مخاطره"، مشدّدة على أنّ العاملين في المجال الإنسانيّ ليسوا أهدافا، ولا يشاركون في السّياسة أو الأعمال العدائيّة، "وتستمرّ الدّعوة إلى حمايتهم في جميع الأماكن الّتي يعملون فيها، سواء كان ذلك مع اللّجنة الدّوليّة، أو مع منظّمات أخرى"، تضيف النّاشطة ذاتها. وحول الجّو العامّ للعمل، أكّدت العضو باللّجنة الدّوليّة أنّ مثل هذه المهام "تتّسم دائما بالالتزام العميق من لدن الزّملاء الموجودين، على الرّغم من الصّعوبات الّتي تصير من أكبر الحوافز لمواصلة العمل". وقسّمت سارة الصّعوبات الّتي واجهتها أو تواجهها في عملها إلى شقّين، "شخصيّة، خاصّة في حالتي، وأخرى عامّة، أعتقد أنّها تؤثّر على العديد من العاملين في المجال الإنسانيّ". وحددت الجانب الشّخصيّ من الصعوبات في بعدها عن العائلة والأصدقاء، مستحضرة صعوبة الأمر، خاصة على مستوى ضبط التوازن بين العمل والحياة في البلد المضيف، وبين الحياة بعيدا عن العمل والبقاء على اتّصال مع الأهل والأصدقاء. مهامّ تكسر المعيقات والتّحدّيات واعتبرت سارة أنّ الوصول إلى الأسر، الّتي تأثّرت بسنوات من القتال بسوريا، كانت أبرز الصّعوبات الّتي واجهتها في البلاد، خاصّة في ظل الحاجة إلى تغطية احتياجات الآلاف من تلك الأسر، وتنوّع تلك الاحتياجات الّناجمة عن النّزاع، مشيرة إلى أنّ "13 مليون شخص من بين حوالي 18 مليونا، لازالوا في حاجة إلى المساعدة الإنسانيّة، خاصّة في ظلّ تدمير جعل 50 بالمائة من المرافق الصّحيّة في سوريا لا تعمل أو تعمل جزئيّا"، تقول النّاشطة في المنظّمة الدّوليّة. وحول حصيلة عمل اللّجنة الدّوليّة الّتي تعمل فيها بسوريا، ذكرت سارة أنّ أكثر من 6.2 ملايين شخص استفادوا من الدّعم المقدّم بخصوص خدمات المياه والمشاريع المتعلّقة بالصّرف الصّحيّ وإمدادات الطّاقة الّتي ينفّذها الهلال الأحمر العربيّ السّوريّ واللّجنة الدّوليّة، بتنسيق مع وزارة الموارد المائيّة والسّلطات المحلّيّة والشّركاء. وأضافت أنّ أكثر من مليون شخص في اثنتي عشرة محافظة استفادوا من الغذاء، فيما تمكّن حوالي 3 ملايين شخص من الوصول إلى خدمات الرّعاية الصّحيّة المحسّنة. من جانب آخر، تقول النّاشطة الأمميّة: "تمّ توزيع أكثر من أحد عشر ألف سلّة من الحبوب، لمساعدة أكثر من 57000 شخص في إطار مشاريع سبل العيش، والمشاريع الزّراعيّة الّتي تقوم بها اللّجنة الدّوليّة بمعيّة الهلال الأحمر العربيّ السوريّ"، مضيفة أنّ "640 شخصا كذلك، بمن فيهم العائدون والنّازحون والمعاقون، تلقّوا الدّعم لبدء مشروع تجاريّ صغير في دمشق، حمص، ريف دمشق، حلب، حماة، اللّاذقيّة، طرطوس وحلب، ووصل هذا الرّقم إلى 3،895 ألف شخص في 2018"، إضافة إلى تدريب "69 متطوّعا من الهلال الأحمر العربيّ السوريّ على إدارة الجثث"، إلى جانب مهام أخرى. وختمت سارة حديثها قائلة: "إنّنا فخورون بالعمل الّذي نقوم به، ليس فقط في سوريا، بل في كلّ مكان نعمل فيه، ونحن نسعى دائما إلى بذل المزيد من الجهد، سواء كان ذلك في شكل مياه نظيفة، أو في إيصال تحيّة شفويّة أو رسالة الصّليب الأحمر بين الأفراد الّذين انفصلوا عن عائلاتهم"، مضيفة أنّ "الأهمّ من ذلك سعي اللّجنة الدّوليّة جاهدة إلى تذكير الجميع بأنّ الحرب لديها قواعد، باعتبار أنّ وظيفة الأخيرة حماية أرواح وكرامة ضحايا النّزاع المسلّح والعنف، وتقديم المساعدة إليهم".