ألقى مصطفى فارس، رئيس محكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محاضرةّ أمام أزيد من ألف قاض بمعهد تكوين القضاة بجمهورية أندونيسيا، في إطار برنامج زيارته لهذا البلد الأسيوي. وعبّر فارس، في مستهل كلمته، عن سعادته بالوجود بالمؤسسة، موجها كل عبارات الشكر والتقدير إلى مديرها وإلى كافة العاملين بها على حفاوة الاستقبال، معتبرا اللقاء مناسبة للتعبير عن أهمية التكوين بالنسبة إلى القضاة باعتبارهم الآلية الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام القانون، من أجل مواجهة التحديات والتطورات السريعة التي تعرفها مجتمعاتنا، حيث إن مواكبة التشريعات والنصوص القانونية لهذه التحولات بات ضروريا لتمكين القضاة من أداء مهامهم النبيلة على أحسن وجه. وأكد الرئيس المنتدب أن المملكة المغربية، وعلى غرار كل التجارب العالمية العريقة، تشهد منذ سنوات أوراشا إصلاحية كبرى بقيادة متبصرة حكيمة للملك محمد السادس، مستندة في كثير من خياراتها على دستور 2011، الذي يكرس سلطة قضائية قوية مستقلة تحمي الحقوق وتضمن الحريات في إطار من التوازن والتعاون مع باقي السلط، مضيفا أن يوم 6 أبريل 2017 شاهد على محطة تاريخية تأسيسية بالمغرب، حيث نصّب الملك أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتركيبته الجديدة والمتنوعة والمنفتحة وذات الاختصاصات المتعددة. وبعد أن قدم الرئيس المنتدب شروحات مستفيضة عن التنظيم القضائي للملكة وإحصائيات عن عدد القضاة وعدد الأحكام الصادرة عن المحاكم خلال السنة الفارطة في مختلف أنواع القضايا، استعرض مصطفى فارس نبذة عن محكمة النقض المغربية واختصاصاتها، وشدّد على أن مهام السلطة القضائية، من خلال محاكم المملكة وقضاتها، تتجاوز بكثير إصدار الأحكام والفصل في المنازعات إلى أدوار مجتمعية وطنية وأخرى دولية دبلوماسية كبرى ومتعددة ذات أبعاد وتجليات مختلفة يصعب حصرها في العرض. وأكّد المسؤول القضائي المغربي أن التحدي اليوم أمام كل السلط القضائية عبر العالم هو إيجاد الآليات الناجعة لمساعدة هذا الجيل الجديد من القضاة على الانتقال السلس والتحول الهادئ الرزين من الشخصية العادية بكل خلفياتها ومرجعياتها إلى شخصية القاضي بكل رمزيتها وحمولاتها وحقوقها وواجباتها. وأوضح المتحدث ذاته أن أمور المذكورة لا يمكن لأي قاض بلوغها إلا من خلال التسلح بأمرين اثنين، أولهما تكوين علمي وعملي رصين يؤهله لحل النزاعات بكل حكمة وتبصر، وثانيهما الأخلاقيات القضائية الذي تعطي للعمل القضائي روحه وقوته وتخول للأسرة القضائية الثقة والاحترام الواجب لها، وهو ما يتم الحرص عليه في المقام الأول بالمغرب كأولوية وخيار أساسي من أجل قضاء مستقل قوي كفء ونزيه. وقال فارس إن الإكراهات والالتزامات هي واحدة عبر العالم، وتزداد اليوم صعوبة وتعقيدا مع آثار العولمة المتسارعة والتطور الكبير لآليات التواصل وظهور أنماط جديدة للقيم والأفكار والمعاملات وأنواع معقدة للجرائم، وهو ما يستوجب كأسرة قضائية موحدة ضرورة إيجاد آليات للتعاون والتنسيق بيننا ليتاح لهذه الأجيال القضائية الجديدة بالمغرب واندونيسيا فرصة للإطلاع والتكوين وصقل خبرتهم بشكل متبادل في شتى المجالات والميادين وبناء علاقات إنسانية صادقة متينة مرتكزة على قيم كبرى. وختم مصطفى فارس كلمته بشكر مدير مؤسسة تكوين القضاة والأطقم العاملين بها، مجيبا في آخر محاضرته عن مجموعة من التساؤلات المقدمة من لدن القضاة المتدربين حول التجربة المغربية في مجال العدالة.