هل كان بالإمكان تجنيب العاملات الزراعيات المغربيات المشتغلات في حقول الفراولة بإسبانيا ويْلات الاستغلال المتعدد الذي يطالهنّ على أيدي مشغّليهن الإسبان، ومنه الاستغلال الجنسي؟ وهل قصّرت الحكومة المغربية في حماية "عاملات الفراولة" المغربيات على التراب الإسباني وصون حقوقهن؟ منذ برزت قضية الاستغلال الجنسي للعاملات المغربيات في حقول الفراولة بإسبانيا، السنة الماضية، حاولت الحكومة المغربية، ممثلة في شخص وزير التشغيل والإدماج الاجتماعي، التقليل من أهمية مزاعم تعرّضهن لاعتداءات جنسية، في الوقت الذي باشر فيه القضاء الإسباني تحقيقا في الموضوع. وبين تحرّك القضاء الإسباني ومحاولة "تنصّل" وزير الشغل المغربي من الموضوع، ثمّة حلقة مفقودة تتعلق بمدى وجود ضمانة قانونية لحماية العاملات المغربيات الموسميات اللواتي يهاجرن إلى الجارة الشمالية للمملكة للعمل، بعقود مؤقّتة، في جني الفراولة أو الزيتون أو العنب. هناك اتفاقية لحماية العمّال الموسميين المغاربة الذين يهاجرون إلى إسبانيا للعمل في الضيعات الفلاحية، موقعة بين الحكومتين المغربية والإسبانية، تنص على توفير الحماية القانونية والاجتماعية لهؤلاء العمال. يروي جمال الدين مشبال، أوّل ملحق اجتماعي مغربي عُيّن في إسبانيا عام 1976، أنّ إسبانيا هي التي بادرت إلى وضع مسوّدة الاتفاقية المذكورة، ولمْ تُول لها الحكومة المغربية أيّ اهتمام، إلى أن بادر هو بالاتصال بالوزارة المعنية في الحكومة المغربية ليطلعها على مضمون الاتفاقية. كان ذلك في سنة 2000، حيث بادر مشبال بالاتصال بمسؤول في وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني، غير أنّ هذا الأخير تحفظ على الاتفاقية بداعي أن إسبانيا قد تكون وضعتها لمصلحة خاصة بها، لكن عندما وصل الخبر إلى خالد عليوة، الوزير الوصي على القطاع آنذاك، رحّب بالفكرة. يوضّح جمال الدين مشبال، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن عليوة استفسر عن مضمون اتفاقية حماية المهاجرين الموسميين، ثم سافر إلى إسبانيا وتم توقيع الاتفاقية بعد أن ظلت مهمّشة لمدة سنتين، لكن سرعان ما تم توقيف العمل بها من طرف رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه ماريا أزنار، المعروف بتوجهه العدائي تجاه المغرب. بعد ذلك توجهت الحكومة الإسبانية إلى استقدام العمال الموسميين من أوروبا الشرقية بدل المغرب، غير أن مشاكلَ واكبت هذه العملية، في ظل فرض المزارعين الإسبان شروطا معينة، منها أن يكون العمال من الإناث، ما حدا بالحكومة الإسبانية إلى العودة إلى استقطاب اليد العاملة الموسمية من المغرب، بحسب إفادة جمال الدين مشبال. وبالرغم من أن اتفاقية حماية العمال الموسميين التي تجمع الحكومتين المغربية والإسبانية لا تنص على ضرورة أن يكون العمال من الإناث، فإنّ الحكومة المغربية رضخت لأصحاب ضيعات الفراولة والزيتون والعنب الإسبان وقَبلت شروطهم "المهينة" للمغربيات، ومنها أن تكون العاملة في سنّ معينة ولديها أطفال، تفاديا للهجرة السرية. وفي الوقت الذي ما زال فيه النقاش دائرا حول مزاعم الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها المغربيات العاملات في حقول الفراولة في منطقة ويلبا بإسبانيا، والتي ينظر فيها القضاء الإسباني، يحمّل جمال الدين مشبال مسؤولية ذلك للحكومتين المغربية والإسبانية. ويوضح أن وزارة الشغل الإسبانية لا تقوم بمهمتها في مراقبة ظروف عمل المغربيات العاملات في الضيعات الفلاحية بإسبانيا كما يجب، وفي المقابل لا تقوم الحكومة المغربية بعملها على النحو المطلوب للدفاع عنهن، "نظرا لجهلهم (المسؤولين) بالآليات القانونية للدفاع عنهن". ويتّضح من خلال إفادة جمال الدين مشبال أن هناك "تقصيرا" من الجانب المغربي في الدفاع عن العاملات المغربيات لدى المزارعين الإسبان، ذلك أنّ المُلحقين الاجتماعيين الذين من المفروض أن يكونوا دينامو هذه العملية، هم في الأصل موظفون في وزارة الخارجية يتمّ إلحاقهم بإسبانيا، في حين إن هذه المهمة، يردف مشبال، "يجب أن يتولاها أشخاص ملمّون بقانون الشغل وبحقوق العمال، وأن يمارسوا مهامّهم بنَفس نضالي عبر التنسيق مع مفتشية الشغل الإسبانية والنقابات العمالية المحلية".