نيل آرمسترونغ وبز ألدرن ومايكل كولينز، ليست مجرد أسماء عابرة، بل هي تخص أبطالا صنعوا التاريخ، وجعلوا من كوكب القمر مزارهم الخاص منذ نحو نصف قرن. ولكن بقدر التأثير الذي تركه هذا الثلاثي في هذا الكوكب، بقدر ما ترك أيضا تأثيرا كبيرا داخل كل واحد منهم، حتى وإن كان بطريقة مختلفة، لم يستطع تعاقب السنوات ال50 الماضية أن يمحوه. يعد ال20 من يوليوز 1969 يوما فارقا في تاريخ البشرية، عندما قاد أرمسترونغ طاقم رحلة أبولو 11، والتي هبط فيها على القمر مع بز ألدرن، حيث قضيا ساعتين ونصف يستكشفان المكان، في حين دار مايكل كولينز بمركبة الفضاء في مدار حول القمر. إدوين بز ألدرن: معاناة كبيرة لم تكن حياة ألدرن الشخصية بقدر نجاحه المهني، فصاحب ال89 عاما لم يستطع استيعاب عودته للأرض آنذاك بعد هذا الإنجاز في تاريخ البشرية، ليدخل في دوامة من الأزمات والمشكلات الأسرية التي دفعته إلى الإسراف في شرب الكحول الذي دمر زواجه، وصحته وثروته. فوالدته، التي للمفارقة كان اسمها ماريون موون (قمر)، أقدمت على الانتحار في 1968، وكذلك جده بعد ذلك بسنوات. وكانت عودة ألدرن إلى الأرض بمثابة من استفاق من حلم طويل، ليجد نفسه في واقع غارق في المشكلات، ويجد ضالته في شرب الكحول الذي اعتبره الملاذ الآمن له للهروب من هذا المسلسل. وفي فترة السبعينيات، بدأ رائد الفضاء يستعيد وعيه ويقف على قدميه مجددا بالعودة للجيش الأمريكي، والانضمام لعدة مشروعات خاصة بأبحاث الفضاء. ولكن بعد انفصاله عن زوجته الأولى، بدأت المشكلات تحاصر ألدرن من جديد بعد عودته لشرب الكحول، حتى إن المؤسسات التي كان متعاقدا معها فقدت الثقة في قدرته على العمل، كما انفصل عن زوجته الثانية، وألقي القبض عليه بسبب قيادته مخمورا والتسبب في حادث. إلا أنه قرر مواجهة هذا الإحباط وإدمان الكحول من خلال اللجوء إلى جلسات علاج نفسي ساعدته على الوقوف على قدميه من جديد، إذ أقلع تماما عن شرب الكحول في 1978، وبدأت حياته تستقر، وتزوج للمرة الثالثة، وقام بتطوير عدة مشروعات للبحث الفضائي، لتشجيع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والحكومة على الاهتمام بهذا المجال؛ وفي هذا الإطار قدم فكرة مشروع (AldrinCycler)، التي تقوم على إنشاء مركبة تتسع لخمسين رائدا، وتكون بمثابة وسيلة تنقل دورية بين الأرض وكوكب المريخ. مايكل كولينز: الرجل المحظوظ يمكن وصف حياة مايكل كولينز، طيار مهمة أبولو 11، بأنها مناقضة تماما لتلك التي عاشها ألدرن. ورغم أن الجميع يتذكر كولينز بأنه الرجل الذي ظل يحوم حول سطح القمر، في وقت وطأت أقدام زميليه آرمسترونغ وألدرن هذا الكوكب للمرة الأولى، إلا أنه كان يعرب في كل مرة عن شعوره بأنه محظوظ بهذه المهمة التي يراها أنها لا تقل أهمية عن إنجاز السير على سطح القمر، ولم يندم في أي لحظة على عدم القيام بها. وفي مقابلة له مع جريدة (La Nacion) الأرجنتينية بعد سنوات من ذلك الإنجاز، قال مايكل: "لطالما اعتبرت نفسي محظوظا، شخصا منحته الأقدار تلك الفرصة في ذاك التوقيت. كان هناك 30 رائدا يطمحون إلى أن يكونوا مكاني، ولكنهم اختاروني. هل تعتقد بعد كل هذا أنه كان يجب علي السير على القمر لكي أشعر بالسعادة؟". وسارت الأمور مع كولينز بشكل مناقض تماما لما آلت إليه بالنسبة لألدرن، وكانت طبيعية تماما لما قد يحدث لرجل كان على بعد 300 ألف كلم من سطح الأرض. وظل كولينز بعيدا عن الأضواء، وكانت حياته الشخصية بمثابة خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، وظل محافظا على حياته الزوجية، إذ يستمر مع زوجته باتريسيا منذ 1958 وأنجب منها ثلاثة أولاد. ولم يمر موقف كولينز من البقاء بمفرده داخل المركبة الفضائية، بينما كان شريكاه يسجلان اسمهما بأحرف من ذهب في تاريخ البشرية، مرور الكرام على عالم الموسيقى. وراحت العديد من الفرق الموسيقية لتجسد شعور العجز والوحدة لدى كولينز، إذ أطلقت فرقة الروك الإنجليزية (Jethro Tull) في 1970 ألبوم"Benefit" الذي كان يتضمن أغنية "For Michael Collins, Jeffrey and Me"، والتي قارن خلالها المطرب إيان أندرسون بين مشاعر عدم التأقلم لديه، مع التي يرى أن كولينز عانى منها لحظة صعود شريكيه على سطح القمر. ليس هذا فحسب، بل أطلقت فرقة (The Boy Least Likely To) في 2013 أغنية "Michael Collins"، والتي قارنت بين معاني الوحدة عند رائد الفضاء، المعزول عن كل شيء، والوحدة التي يجدها الفرد في المجتمع حاليا. نيل آرمسترونغ: عبء تحقيق إنجاز تاريخي للبشرية لم يكن الأمر مشابها مع نيل آرمستورنغ، الرجل الأول الذي وطأت قدماه سطح القمر، إذ أنه يبدو أن هذا التغير الكبير في حياة رائد الفضاء لم يكن إلا نقمة؛ فالعرفان اللامتناهي والثناء المتواصل جعل من آرمسترونغ رمزا للأمة الأمريكية، ولكنه فضل الابتعاد عن كل هذا، واستعاد حياته العادية، إذ عمل كأستاذ في كلية الهندسة بجامعة سينسيناتي. وساهمت شخصية الرجل الانطوائية في الابتعاد عن أضواء الشهرة، مع الوضع في الاعتبار المواقف التي تنتج عن البقاء دائما تحت دائرة الضوء. وقال الرجل، الذي رحل عن الحياة في 25 غشت 2012 بسبب تدهور حالته الصحية عقب الخضوع لجراحة لعلاج داء الشرايين التاجية، في حوار مع موقع (CNET News): "الأمر ليس أنني لا أحب الشهرة، ولكني أرى أني لا أستحقها". واضطر آرمسترونغ لمقاضاة مصفف الشعر الخاص به بعد علمه أنه يبيع خصلا من شعره مقابل ألفين و600 دولار. لقد كانت مهمة "أبولو11" بحق حدثا غير مسبوق، وأصبح أعضاؤها الثلاثة آرمستورنغ وألدرين وكولينز أبطالا لملحمة تاريخية، إلا أن التعامل مع تحولهم لأبطال فوق العادة لم يكن بالأمر السهل.