دينامية سِياسية واسعة وتغييرات على أعلى مستوى يعرفُها الجهاز الإداري الأوروبي، بعد تجدِيد هياكله وتعيين عدد من المرشحين لمناصب قيادية ستتكفّلُ بنقلِ تعقيدات الخارجية الأوروبية ورسمِ توجّهاتها في العالم، في سياقٍ موسومٍ بتصاعُد خطابِ القوميات، المعادي لفكرة التّكتل الجهوي، وهو ما يدفعُ الخارجية المغربية إلى التّحرك رأساً صوبَ عواصم أوروبا لتحصين تواجدها والتأثير على أصحابِ القرار. واتّفق الأوروبيون على تنْصيبِ السّياسية الألمانية أورسولا فون دير لاين على رأسِ المفوضية الأوروبية، التي تعدّ الهيئة التنفيذية للتكتّل، خلفاً لجان كلود يونكر. دير لاين تؤيّد فكرة الاندماج الأوروبي؛ بل تذهبُ بعيداً في تصوّرها السّياسي، حيث أعربت عن تفضيلها ل"الولاياتالمتحدة الأوروبية" تدار على غرار الدول الاتحادية سويسرا وألمانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. كما تعتبرُ وزيرة الدّفاع الألمانية زميلة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في الحزب الديمقراطي المسيحي. كما من المقرر أيضا ترشيح شارل ميشيل، رئيس الوزراء البلجيكي، لمنصب رئيس المجلس الأوروبي خلفا لدونالد توسك. وجرى كذلك الاتفاق على ترشيح جوزيب بوريل، القائم بأعمال وزير الخارجية الإسباني، لمنصب المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن ليحل محل فيديريكا موغيريني. وأشار بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، في تصريح صحافي، إلى أنه سيتم توسيع صلاحيات المفوض للشؤون الخارجية؛ حتى تشمل شؤون المساعدات الإنسانية والتنمية في إفريقيا. واعتبر ترشيح مسؤول إسباني لهذا المنصب "عودة إسبانيا" إلى الدبلوماسية الأوروبية. ولا يخفِ جوزيب بوريل، وزير الخارجية الإسباني، والذي سيخلفُ فيديريكا موغيريني على رأس المفوضية العليا للشؤون الخارجية والأمن، مواقفهُ حُيال المغرب؛ فهو دائماً ما كانَ يدعو إلى التناغم في العلاقات وتعزيز التّعاون المشترك، خاصة في الشق المتعلق بملفات الهجرة، والأمن الإقليمي، ومحاربة الجريمة المنظمة. وأمام هذه التغييرات، سيكون المغرب في مواجهة تحدّيات جديدة تتعلّق بمزاج أصحاب القرار الأوروبي وما تفرضه لعبة المصالح في ردهات مؤسسات الاتحاد الأوروبي، خاصة في قضية الصّحراء، حيث بدأت جبهة البوليساريو أولى إجراءات الطعن لدى محكمة العدل الأوروبية ضد الاتفاق التجاري. ويرى نوفل البعمري، المحلل والخبير في قضايا الصّحراء، أنّ "التعيينات التي تشهدها مؤسسات الاتحاد الأوروبي تعكس بداية التحول السياسي والانتخابي الذي شهدته أوروبا؛ وهو ما انعكس على طبيعة التعيينات الجديدة التي تظل تعيينات لشخصيات تؤكد أن هناك توجها خارجيا إيجابيا اتجاه المغرب خاصة". ويضيفُ البعمري، في تصريح لهسبريس، أنّ "هذه التغييرات ستذهب في اتجاه تمتين العلاقة المغربية-الأوروبية، خاصة أنه سبقتها البلاغ المشترك بين الجانبين الذي أكد على أهمية بعلاقة وعلى تمتينها ودعم الطرفين في الملفات الحيوية لكل منهما، القضية الوطنية ومحاربة الإرهاب والأمن ... ثم استكمال المغرب لمسطرة المصادقة على اتفاق الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. ويشدّد المتحدّث ذاته على أنّ هذه التعيينات هي مؤشر إيجابي في العلاقة بين الجانبين، خاصة منها تعيين جوزيب بوريل، وزير خارجية إسبانيا الأسبق، لمنصب المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن ليحل محل فريديريكا موغريني؛ وهو التعيين الذي سيشكل دعامة سياسية ومؤشر على التحول الذي ستشهده العلاقة بين مختلف الأطراف.