في قلب مدينة تنغير، الواقعة في الجنوب الشرقي للمملكة، يوجد حيّ لا تشبه واجهات بيوته باقي بيوت المدينة؛ أبوابها تتوسطها نوافذُ صغيرة ذات شبابيكَ حديدية. كان هذا الحي مقصدا للباحثين عن المتعة الجنسية بين أحضان ممتهنات الدعارة، ويُقال إنه أقدم ماخور في المغرب. يضم حي الدعارة بتنغير عشرات البيوت المبنيّ أغلبها بالطين، وكان قِبلة لممتهنات الدعارة الوافدات من مختلف مناطق المغرب، بحثا عن دراهم تدرّها تلبية نزوات الزبناء العابرين، قبل أن يُخليَه أحد العمّال قبل حوالي ستّ سنوات، ويُنهي نشاط أقدم ماخور في المغرب. راحة بعد طول معاناة كغيره من ساكنة مدينة تنغير، لا يُخفي محمد كريم، مالك محل صغير للنجارة مجاور لحي أقدار، ارتياحه لإقدام السلطات على إغلاق هذا الماخور، الذي يعود تاريخ وجوده، حسب الإفادات التي استقتها هسبريس من مواطنين بتنغير، إلى مطلع ستينيات القرن الماضي. تشكّل حيّ أقدار من شتات دُور للدعارة كانت منتشرة في عدد من النقط بتنغير، إذ بدأت تتقاطر على الحي ممتهنات الجنس اللواتي كن يشتغل في تلك الدور، والتحقت بهن أخريات، ليشكّلن حيا خاصا بالدعارة، يضمّ عشرات البيوت، التي تأوي مئات العاهرات. وحسب إفادة محمد كريم فإن عدد النساء اللواتي كن يمتهنّ الدعارة في حي أقدار يزيد على 400 امرأة، مضيفا أن الحي، إبّان نشاطه، كان مصدرا لقلق السكان المجاورين، وهم في الغالب من التجار والحرفيين، بسبب حدوث شجارات واعتداءات تُستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة البيضاء. "عندما كانت العاهرات هنا لم يكن يمر يوم دون أن تتعرض محلاتنا لاعتداءات من طرف الغرباء الوافدين لقضاء نزواتهم؛ كانوا يعتدون على ممتلكاتنا باستعمال السيوف والعصي والرشق بالحجارة، وكانوا يتعاطون الخمور"، يقول محمد كريمي، مضيفا: "في ذلك الوقت كان مستحيلا أن يزورنا أفراد عائلاتنا هنا، نظرا للسمعة السيئة لهذا الحي وقتذاك". الموت يعجّل بالإغلاق ظل ماخور أقدار نشيطا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وتوسّعت رقعته ليحتل حيا كاملا، مشكّلا من بيوت عشوائية لازالت معالمها دالّة على كون المكان كان مرتعا لممارسة "أقدم مهنة في التاريخ"، قبل أن يُوضع حد لنشاطه ويتم إخلاؤه على يد أحد عمّال الإقليم قبل حوالي ستّ سنوات. محمد الداودي، أحد ساكنة مدينة تنغير، يملك معلومات كثيرة حول ماخور أقدار، بحكم أنّ عمله في فترة من حياته كمياوم يملك عربة مجرورة مكّنه من معايشة ممتهنات الدعارة اللواتي كن يشتغلن في هذا الماخور، حيث ينقل إليهن أمتعتهن من محطة سيارات الأجرة عندما يعدن من السفر. حسب إفادة محمد الداودي، فإنّ دُور الدعارة بحي أقدار يتم تأجيرها من طرف أصحابها ل"باطرونات" يستقدمن ممتهنات الدعارة من عدد من مناطق المغرب إلى الحي، ويشتغلن تحت إمرتهن، مقابل أجر معين، قال المتحدث ذاته إنه في حدود 20 درهما يدفعها الزبون ثمنا لقضاء نزوته الجنسية. كان حي أقدار مثارَ عشرات الشكايات من طرف السكان المجاورين، لكن الشكايات تنتهي إلى سلّة التجاهل.. "والنهار بْغا الله يعفو علينا من هادشي، جا واحد العامل دار تقرير وصيفتو للرباط، واعْطاوه الإذن باش يسدّ هاد البورديل"، يقول محمد الداودي. ووفق إفادة المتحدث ذاته فإنّ السبب الذي عجّل بإخلاء حي أقدار من دُور الدعارة هو وفاة إحدى ممتهنات الدعارة داخل بيت كان يقع في مكان يسمى "زعبل"، وهو عبارة عن سرداب أُعدّ من أجل تمويه السلطات، إذ انهار عليها البيت الذي كانت تمارس فيه الدعارة، وعجّل ذلك بإخلاء الحي وإغلاق بيوته نهائيا. فضاء ملوّث إغلاق ماخور حي أقدار واكبه نسيان من طرف مسيري الشأن العام بمدينة تنغير، إذ تحوّل إلى فضاء ينضح التلوث من جميع أرجائه، بعد أن تحوّل إلى مرحاض مفتوح يتخلص فيه عابرو السبيل من فضلاتهم، ومزبلة تعج بمختلف أنواع الأزبال، جاعلة من المكان فضاء ذا رائحة لا تطاق. يعبّر محمد كريمي عن شعوره بالراحة بعد إخلاء حي أقدار من ممتهنات الدعارة، بقوله: "منذ إغلاق هذا الماخور أستطيع أن أترك أغراضي أمام محلّي وأذهب إلى بيتي لتناول وجبة الغذاء، دون أن يمسّها أحد. في السابق إذا غبتُ نصف ساعة فقط تتم سرقتها"، لكنه لا يخفي انزعاجه من التلوث الذي يجثم على حي أقدار، المجاور. القلق نفسه يعبر عنه محمد الداودي بقوله: "أتمنى من أصحاب بيوت ماخور أقدار أن يتكتلوا لإعادة تأهيل الحي، أو أن تقوم السلطات بالتدخل لإصلاحه، سواء في ما يتعلق بالبنية التحتية، أو إعادة ترميم البيوت، حماية للسلامة الجسدية للعابرين، لأنها مهددة بالانهيار؛ مع تنظيفه من الأزبال". إعادة تأهيل حي أقدار رهينة بتدخل السلطات، كما يرى محمد كريمي؛ ذلك أنّ بيوت الحي في الغالب مشتركة ملكيتها بين أكثر من شخص، وهو ما يقتضي أن يتفقوا في ما بينهم أولا حول ما إن كانوا يرغبون في إصلاح حيهم، أم أن تعوّضهم السلطات بعقارات في مكان آخر. وفي جميع الأحوال، فإنّ محمد كريمي، كغيره من جيران حي أقدار، يتفق على أنّ الوضعية التي بات عليها هذا الحي تستدعي تدخّل السلطات من أجل إعادة تأهيله، بعد أن تم تطهيره من الدعارة.