اتخذ التلاميذ مواقعهم بحزم وهمة، يأخذهم الجد الذي افتقدوه طيلة السنة، كل انهمك في مكانه وأعد العدة "فالحرب خدعة"، كما أجابت إحدى الغشاشات، والمحظوظ من كان رقم الامتحان لديه بطاولة ملساء تسعف قلم الرصاص، ليمارس عملية "المسيد" بدون صمغ، فالطاولة اللوح تكون جاهزة لكل مادة، وقد يقسمها إلى محاور حسب الأهمية أو المادة الصالحة للنقل، وقد تشمل كل المواد، فهو يملك الإدارة الشاملة لممارسة الغش. وانشغل التلاميذ فلا تسمع إلا نقر أقلام الرصاص، وبسرعة هائلة تكون المهمة جاهزة، نصف ساعة، قبل الامتحان كافية لتسجيل التعريفات والمحاور والمقاطع المهمة. إن الطاولة عامل مساعد للغشاشين، تمارس عليها عملية التناص في أرقى أشكالها، طاولة "التطريسات"، بقراءتك لها تأخذ نظرة مهمة عن المقرر. ولجمالية الغش تأثيث للمكان، فالحيطان غابت صباغتها الأصلية، ونقشت عليها أنواع هندسية، وقواعد رياضية، وترجمات إنجليزية، وما لست أدري، يتخللها كلام لهواة الفرق الرياضية، وعبارات مدح أو ذم لشخصية "محبوبة" أو تلاميذ أرادوا تخليد أسمائهم على الجدران، لأنهم عجزوا عن ذلك في الواقع. إن الذي "يحجب" على الحائط مخلص للرأي العام، تنتفي لديه الأنانية، ويحب الخير للجميع، وقد اختار الأماكن العالية لتكون الرؤية عامة، وكتب بأقلام قوية الحبر لا تسمح بإزالتها إلا بالتبييض أو الصباغة، لكن هذا الجانب لا يرقى أهمية إلى العدة الفردية الخاصة التي تتطلب طريقة عمل مسبقة. يجتمع الأباطرة في لقاءات خاصة لوضع لمسات وخطط "التحجاب"، لقاءات يضيع فيها وقت من الضبط ودقة كتابة النمل والترصيف والتبويب ما لو استغل في المناقشة وتركيز الأفكار وحفظها لأغناهم عن ذلك، يتزعمهم أحيانا "غشاش فحل" يفتخر بتجربته أمام زملائه، يشجعهم ويقوي عزائمهم، ويمنحهم مما أفاء عليه شيطانه، فيسترقون الحجابات جميعا، وبعد كتابة النمل يرسل بشخص ليس له دم وجه العلم والتعليم ليقوم بنسخها وتصغيرها بعدد أفراد "عصابة النقلة"، وقد يكون العدد إضافيا للاحتياط، ويتم وضع تصميم للأحجبة، كل حجاب في جيب معين ولا ننسى "الجيب الاحتياطي، الذي يبقى للذكرى إذا كللت المهمة بالنجاح. أما الطريقة الثانية الأكثر سلامة وأمانا، التي تتطلب جهدا كتابيا مضاعفا، وتخمينا احتماليا قد ينجح أولا، وهو الكتابة على "أوراق الوسخ"، وتكون الصفقة كاملة ورابحة حينما يصادف نفس الوسخ الموزع في المادة، ويبقى الأمر فقط انتظار فرصة استبدال الورقتين بعد أن يوهمك بالكتابة لحظة، وأكثر الأماكن سلامة لهذه الأوراق هو البطن الذي قد يتضمن "شميكلور لأوراق الوسخ"، إنها مهمة لا يقوى عليها ناسخ أو كاتب في أي ديوان "فاللهم ألهمنا صبرهم على الكتابة"، فلولا البلادة لترسخ ما كتب في هذه الأوراق في الذهن لكثرة ما تمت إعادته، لكنها الإرادة الشاملة للغش. أما الطريقة الثالثة ففيها جمالية وتقنية، حيث تأخذ الأحجبة أشكالا منها المربعي والحلزوني و"الكرديوني" وأصعبها الذي يوضع في راحة اليد لقدرة التحكم فيها، وهناك من لا يكلف نفسه كتابة النمل ولا كتبة "شيميكلور" ولا جمالية الأحجبة، فيأخذ الدرس مباشرة من الدفتر دون عنت. وأنت تتأمل الوجوه داخل القسم، وبحس سيميائي بسيط تستطيع أن تميز بين الملامح والفئات التالية: - فئة كأن على رؤوسها الطير، تخدعك لهدوئها وطأطأة الرؤوس والانشغال بالكتابة منذ البداية، تستغل وقتا مناسبا، لها القدرة أن "تقضي الغرض" في دقائق معدودة، الجهد القليل والنتائج الجمة. - فئة تقرأ في عينيها "غشاش أخاك لا بطل"، يجس النبض لحدة الأستاذ منذ الوهلة الأولى، ليعرف الإستراتيجية التي سيتعامل بها، وأي ابتسامة في وجهه تذهبك ضحية له، يتحرك ذات اليمين وذات الشمال وعقله طائش بالدهشة. - فئة تحمل لواء "النجدة"، وتنتظر "الاستغاثة" ليست لها الجرأة على "النقل" المباشر، عقدت اتفاقيات استعطاف مسبقة خارج القسم مع الأصدقاء المتميزين الذين قد لا يسعفهم الوقت حتى للكلام، أو اتفقت مع أباطرة الغش، الذين سلكوا أقرب الطرق، المتعاونين على الإثم والعدوان، وتبقى النجدة مستمرة خاصة في مرحلة العد العكسي، إن فئة النجدة هاته لا يهمها ما تأخذه هل هو صحيح أم خطأ، المهم أن تكتب شيئا ما وترضي نفسها مؤقتا وفي لحظة "الوقت الميت" قد تأخذ ورقة مرمية في الأرض كآخر أمل ورمق للغش. - فئة تعيش منزلة بين المنزلتين، حفظت دروسا وراهنت عليها وتركت الباقي "للعدة" فكتبت ما تيسر وتنتظر الأجواء لملء الفراغ وإذا لم تجدها طأطأت رأسها وخرجت تدندن يائسة صاخبة، تدفع الباب بطريقة رعاة البقر، تسب الأساتذة وتلعن الواقع والتعليم والدنيا. - أما فئة اتصالات المغرب ففئة متدربة بمستوى تقني عال تساير التطور التكنولوجي، وتقوم بإنجاز الامتحان عن بعد بواسطة شبكة بشرية خارج قاعة الامتحان يشارك فيها أحيانا أفراد العائلة من أب وأم. ولحسن الحظ، أن كل شركات الاتصالات تمنح فرصة للتعبئة المضاعفة في فترة الامتحانات مقابل تعبئة اجتماعية تربط التحضير للامتحان بالمهرجانات حيث "الشتات الفني" و"الأذواق المتنافرة". - إن يوم الامتحان، يوم الشمتة للبعض ويوم العدة للبعض الآخر،عدة الجبن والذل الذي ينعكس على التعليم عامة، ويصبح رجل التعليم المشجب الذي تعلق عليه كل الأخطاء "طاحت الصمعة علقوا الأستاذ". أما الفئة المتميزة التي تعيش تجربة "الحلول" في مادة الامتحان، فاحتراما وتمييزا لها لا يحق لنا أن نلوثها بالحديث عنها في هذا السياق الموبوء، فهي أكبر من الامتحان. لقد أصبح الغش مجالا للافتخار، لا يستحي محترفوه، بل يدافعون عن أنفسهم ويتحدون، وقد يصطدمون ويتشاجرون مع بعض الأساتذة، ويبررون ذلك من خلال الواقع عامة: "الكل يغش" الأقسام الأخرى تغش"... هكذا تتكون أجيال "كرطونية" لا تقوم على أي بناء، تألف الغش، فيصبح لديها عادة مقننة لا مناص منها، وكلما مرت المحاولات بنجاح إلا وتكرست مشروعيتها وأصبحت الملاذ والمخرج، وتقننت في الواقع، وسرت العدوى على أنها الوسيلة الناجعة، فالذي يغش في الامتحان لن يتورع أن يغش في أي موقع أو مسؤولية أنيطت له. إنه جيل قد يدفعنا إلى التفكير في شعبة جديدة ترتبط بفن الغش، ما دام يتطلب خبرة وإرادة قوية ومنهجا، وسيكون لنا السبق في التعليم العالمي. فتحية خيبة وتحسر للغشاشين والغشاشات، وبئس الجيل المعول عليه، "فلا نامت أعين الغشاشين ولا طابت نفوسهم".