الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية في علاقتها بالسير على خطى القراَن الكريم
نشر في هسبريس يوم 10 - 06 - 2019

إن الأمم عند ممارستها للتربية في البيوت وفق مناهج نهجتها، تنطلق من مجموعة من المبادئ والمعلومات التي تشكل الأرضية العامة التي يلتقي فيها حاضرها مع ماضيها لاستئناف مستقبلها؛ بيد أن هذه المعلومات قد تشوبها شوائب في بعض المجتمعات لاسيما التي لا تتمتع بدرجة عالية من شيوع المعرفة بين أبنائها، حيث يكون الأبوان أميان أحيانا أو حظهما من الثقافة التربوية ضئيلا.
كما تعاني كثير من الأسر في مجتمعاتنا من كثرة الانشغالات ويغيب وعيهم عن كثير من القيم التي تشكل جوهر حياتهم، إذ أصبح الإنسان الحديث أشبه بمخلوق عجيب، ينمو الجسم منه على نحو سريع ومتكامل، دون أن تنمو أخلاقه وقدراته العقلية، إلى أن أصبح يتخبط في حالة من التجمد والتقهقر والتراجع التربوي الخطير.
فنعتقد أنه آن الأوان كي نثير اهتمام جماهير الأمة نحو قضية التربية، ولفت الانتباه لقيمتها ومدى أثرها على الفرد والمجتمع، حيث أوحى لنا ما نمر به في الوقت الراهن بسؤال في غاية الأهمية ألا وهو: أي جيل نريد بنائه مستقبلا؟ ، فالكل يسعى إلى النهوض بتربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة حسنة، وبث روح الإصلاح فيهم وإشعارهم بمسؤوليتهم تجاه القيام بالدعوة إلى الله أو لتكوينهم بعقل مثقف مؤهل للتعامل الحضاري. لهذا " فقضية التربية في علاقتها بالسير على خطى القراَن الكريم تربية الطفل أنموذجا''، هي قضية تتمحور حول كيفية تربية الأبناء وفق ما أوصى به الله في كتابه العزيز وطبقه السلف في معاملاتهم،
بيد أن مصطلح التربية لا يخضع لتعريف محدد، بسبب تعقد العملية التربوية من جانب، وتأثرها بالعادات والتقاليد والقيم والأديان والأعراق من جهة أخرى، زيادة على كونها عملية متطورة متغيرة بتغير الزمان والمكان.
وحقيقة لا يخرج مصطلح التربية عن كونها تنمية الجوانب المختلفة لشخصية الإنسان عن طريق التعليم والتدريب والتثقيف والممارسة لغرض إعداد الإنسان الصالح لعمارة الأرض وتحقيق معنى الاستخلاف فيها[1]. وقد زاد عن ذلك الأستاذ امحمد عليلوش بقوله: إن التربية هي مجموعة العمليات التي بها يستطيع المجتمع أن ينقل معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه، وتعني في الوقت نفسه التجدد المستمر.....فهي عملية نمو وليست لها غاية إلا المزيد من النمو[2].
نستنتج أن مفهوم التربية شامل يهدف إلى تنمية الفرد وتطويره، كونها عمل متجدد متطور من إنسان راشد لصالح إنسان قاصر، وإعداده إعدادا سليما ليندمج في محيطه.
علاوة على ذلك نجد القدامى من علماء الأمة تناولوا مصطلح التربية بألفاظ منها التنشئة ويقصد بها التربية والرعاية منذ الصغر، والإصلاح ضد الإفساد أي التغيير إلى الأفضل، والتأديب أو الأدب أي التحلي بالمحامد من الصفات والطباع والتخلي عن القبائح، فمصطلح الأدب والتأديب وثيق الصلة بمصطلح التربية، حيث كان يسمى المربي أو المعلم مؤدبا والتعليم تأديبا.
ويمكن القول دون مواربة إن التربية عنصر فعّال وأساس في المجتمع، وهذا ما يؤكده
سيد قطب إذ يقول: ''إن الناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن، وإن الآية الواحدة لتصنع أحيانا في النفس حين تستمع لها وتنصت أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة والطمأنينة والراحة والنقلة البعيدة الواعية المستنيرة مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه''[3].
وبدهي أن تكون قيمة التربية لا يستهان بها، وهي من القيم التي اهتم بها القران الكريم اهتماما بالغا وخصها بالذكر في سورة لقمان بقوله عز وجل :''وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)''.
حيث نكتشف أن وصايا لقمان هي وصايا حافلة بالخير، فهو أبصر بالحقيقة وأحق بها من كثير غير، إذ لخص الحق الخالد في منهج وجيز وأخذ به ابنه، وتركه تراثا نبيلا، ومن حكمة لقمان أن أولى وصاياه لابنه في شكل نصحه ووعظه له تمثلت في معرفة الله الواحد، وأعقبت الوصية للوالدين عقيدة التوحيد لأنهما سر الوجود بعد الله، والغريب أن الحضارة العالمية المعاصرة لا تكترث للأبوين، وتودعهما في شيخوختهما بعض الملاجئ[4]، ومن موعظته لابنه الأمر بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصائب، إلى أن يقول له واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير، والموعظة كلها باقة من العقائد الجليلة والأخلاق الكريمة، وقد ذكرها القراَن لننتفع بما فيها من حكمة، إذ الحكمة ضالة المؤمن[5].
ومن المعلوم أن التربية على نهج لقمان الحكيم ركزت على جانب التوحيد، نظرا لكونه واجب على الخلق اتجاه خالقهم، فقد وطن في منهجه التربوي مسألة التربية على معرفة الله الواحد الأحد، حيث دعا ابنه لتوحيد الله واجتناب الشرك به فقال ''يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم''، فهو نهي واضح عن الشرك وتحذير من فقد الإيمان، فقد شق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله '' إنه ليس بذلك، ألم تسمع إلى قول لقمان: '' يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم'' فالشرك ظلم عظيم يحبط به عمل الإنسان مهما فعل ومهما قدم من خير، لقوله تعالى: '' ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون''[6].
ولا شك يخامرنا في أن الآية الكريمة دلت على أن الشرك ظلم عظيم وقد بين ذلك في آيات أخرى كقوله:'' وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ''[7]، و قد ثبت في الصحيح عن النبيﷺ أنه فسر الظلم في قوله تعالى''الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ''[8]. بأنه الشرك وبين ذلك بقوله لنا[9]:'' إن الشرك لظلم عظيم''.
ثم أعقب الشرك الوصية للوالدين: إذ انطلق لقمان عليه السلام يعب من بحر الكلمات، فوصى ولده بوالديه ليكون بارا بهما وهو أبوه، والقراَن يلتقط الخيط من لقمان لئلا تكون هذه مجرد موعظة أو نصيحة بل أمرا شرعيا يجب إطاعته ''وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ''، فلقمان الذي أتاه الله الحكمة وفضله بها لا يقدم نفسه في الوصية، بل يقدم الأم التي تحملت المشاق في الحمل والوضع والولادة والرضاع وتألمت في الفطام أكثر من تألم الطفل الصغير ذاته، فلقمان يتابع المنهج القرآني في جعل البر بالوالدين عقِب النهي عن الشرك كما قال تعالى ''وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا''[10]، فالشكر الأول لله المنعم وبعده للوالدين كقيمة التكريم لهما؛ فقرن شكرهما بشكر الله، ومن عظم هذه الوصايا أنها شملت كل أب وأم حتى ولو كانا مشركين وذلك بالقول والمصاحبة بالمعروف لهما، وعدم طاعتهما في أمر المعصية إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولم يتجاوز أن رسخ رقابة الله تعالى في ضمير ابنه من خلال منهجه التربوي السوي، فيعود لقمان ثانية لتعميق روح الإيمان و التوحيد في قلب ولده فيقول مناديا له بما يحبه الأبناء من الآباء: يا بني فيسمع الابن وينصت فيقول لقمان: '' يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ'' فبذلك أثبت لله العلم المطلق والقدرة المطلقة في كلماته الحكيمة، فهي وصية إذا قرت في عقل الإنسان ووجدانه سيخشى أن يفسد في الأرض.
فالإتيان بهذه الأشياء كناية عن التمكن منها، وهو أيضا كناية رمزية عن العلم بها، لأن الإتيان بأدق الأجسام من أقصى الأمكنة وأعمقها وأصلبها لا يكون إلا عن علم بكونها في ذلك المكان وعام بوسائل استخراجها[11] .
بالإضافة لما سبق فالتربية إن لم تعالج الجانب الأخلاقي لن تحقق لنا الثمار المنتظرة منها، لهذا أكد لقمان الحكيم على الالتزام بالتربية في علاقتها بالشق الأخلاقي، إذ وظف فيها النهي عن التكبر امتثالا لقوله تعالى: ''َلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ''، معناه لا تتكبر على الناس، ففي الآية نهي عن التكبر عن الناس، والصعر الميل، والمتكبر يميل وجهه عن الناس معرضا عنهم، والصعر الميل أصله داء يصيب البعير يلوي منه العنق، ويطلق على المتكبر يلوي عنقه ويميل خذه عن الناس تكبرا، وقد تقدم هذا في سورة الأعراف الآية 13: ''مَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ''فهو تحذير من الكبر لكثرة عواقبه السيئة وتبيانا لحسن التواضع وثناء الله على المتواضعين[12].
وقوله: ''وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ'' وقد تقدم تفسيرها في سورة بني إسرائيل في الكلام عن قوله تعالى: ''وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ''[13]. نهى الله جل وعلا الناس في هذه الآية الكريمة عن التجبر والتبختر في المشية، وقوله ''مرحا'' مصدر منكر، وقد أوضح الله تعالى ذلك في سورة لقمان في قوله ''َلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ'' وفي قوله تعالى: '' وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ''[14] وإطلاق المرح على مشي الإنسان متبخترا مشي المتكبرين، والآية تبين أن المتكبر المختال ضعيف عاجز محصور بين جمادين، الأرض تحته ولن يخترقها ولن يقطعها بمشيه ، والجبال الشامخة فوقه ولن يبلغ طوله طولها[15].
ثم تلاها تأكيده على النهي عن رفع الأصوات: وقوله تعالى: ''وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ''.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأن لا يمشي مختالا ولا متكبرا ونحو هذا مما ليس في قصد، وغض الصوت أوفر للمتكلم وأبسط لنفس السامع وفهمه، ثم عارض ممثلا بصوت الحمير على جهة التشبيه، أي تلك هي التي بعدت عن الغض وهي أنكر الأصوات، فكذلك كل ما بعد عن الغض من أصوات البشر فهو في طريقتك، وقد قال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق، لأن أذم الأصوات جهير بالصوت، ومن هنا خلق الجاهلية، فنهى الله عنه[16].
وخلاصة القول إنه لن يتغير الفرد ولا الأمة ولن ينصلح حالها إلا إذا دخل القرآن بقوته المزلزلة إلى ذات الإنسان، وتم التعامل معه باعتباره الوسيلة المتفردة للتربية.
هوامش
[1] محاضرات في أصول التربية الإسلامية، ص:32
[2] التربية والتعليم من أجل التنمية، منشورات مجلة علوم التربية، ط2007،ص:17
[3] في ظلال القراَن لسيد قطب، دار إحياء التراث العربي، بيروتلبنان، ط:5، ج:3، ص:1425/1426
[4] نحو تفسير موضوعي لسور القراَن الكريم لمحمد الغزالي، دار الشروق القاهرة، ط:11، ص: 317
[5] نحو تفسير موضوعي لسور القراَن الكريم لمحمد الغزالي، ص: 318
[6] سورة الأنعام، الآية: 11
[7] سورة يونس، الآية :106
[8] سورة الأنعام، الآية: 82
[9] أضواء البيان في إيضاح القراَن بالقراَن لمحمد الأمين الشنقيطي، إشراف:بكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ،ج:6، ص: 548-549
[10] سورة الإسراء، الآية: 23
[11] التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، ج:21، ص:163
[12] أضواء البيان في إيضاح القراَن بالقراَن لمحمد الأمين الشنقيطي، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد ،دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ج:6، ص:549
[13] الإسراء 37
[14]الفرقان 63
[15] أضواء البيان في إيضاح القراَن بالقراَن لمحمد الأمين الشنقيطي، إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد ،دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع ج:3، ص:432
[16]المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، تحقيق المجلس العلمي بمكناس وتارودانت، دار النشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الرباط- المغرب سنة: 1975م/1395ه،ج:13 ،ص: 18
*طالبة بماستر مشاريع الفقه الحضاري في المدرسة المغربية الأندلسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.