نصائح غالية دونها القرآن العظيم وتُتلى إلى ما شاء الله تعالى، تلك التي أوصى بها لقمان الحكيم ابنه في الآيات الكريمات سجلها القرآن في سورة لقمان. آيات تنضَح بمعاني سامية جليلة، تمنح المسلمين دروسا في التربية الإسلامية غاية في الرقي والسمو والتحضر، كأنها زبدة ما يسمى اليوم بلغة العصر: علم التربية الحديثة والبيداغوجيا .. إن من أهم أهداف التربية تعريف الفرد بخالقه وبناء العلاقة بينهما على أساس ربانية الخالق وعبودية المخلوق وإعداد الفرد للحياة الآخرة، وكذلك تطوير وتهذيب سلوكه وتنمية أفكاره وتوجيهه لحمل الرسالة الإسلامية إلى العالم، وغرس الإيمان بوحدة الإنسانية والمساواة بين البشر والتفاضل الذي لايكون إلا بالتقوى، كما تسعى التربية الإسلامية السليمة إلى تحقيق النمو المتكامل المتوازن للطفل في جميع جوانب شخصيته.... أما البناءات التي تضمنتها كلمات لقمان إلى ابنه فترتكز على ما يلي: التوحيد وهو الأمرالذي بدأ به لقمان كلامه لابنه، لأنه أساس كل كلام بعده..فالتوحيد حق الله على العباد. قال الله تعالى: (وماخلقت الجن والانس إلا ليعبدون)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى ياابن آدم لو آتيتني بقُراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة، لهذا نجد لقمان الحكيم يحذر ابنه من الشرك ويبرره بكونه أعظم الظلم، وهوالأمر نفسه الواجب على الآباء أن ينبهوا إليه أبناءهم. وفضلا عن نصائح لقمان لولده بخصوص مراقبة الله تعالى وتوحيده، أوردت الآية وصية التزام الأمربالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الوالدين، والصلاة، وللأسف، فنحن نجد هذه النصيحة الغالية غائبة اليوم في علاقات الآباء مع أبنائهم، فقل أن يكون هناك الأمربالصلاة والأمر بإقامة الصلة بالله حتى تطهر نفس الإنسان، ويغلق على الشيطان منافذه الكثيرة، والعجيب أن الوضوء الذي يسبق الصلاة هو أيضا طهارة للمرء المسلم من الذنوب التي تخرج مع آخر قطرة ماء..كما أن الصلاة تمده بالطاقة الروحية التي تزين الشعور بالطمأنينة والأمن النفسي وهدوء البال، ولقد أدرك ذلك أحد الأطباء الغربيين وهو ديل كارينجي في كتابه دع القلق وابدأ الحياة ، حيث قال: إن الصلاة هي أهم أداة عرفت إلى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبث الهدوء في الاعصاب. أما بناء الأخلاق فهو بناء شيده لقمان على أساس دعامتين اثنتين هما: النهي عن التكبر بقوله (ولا تُصَاعرخدك للناس ولا تمش في الارض مرحا)..وتصعيرالخد للناس هو كناية عن التبرم وإدارة الوجه عنهم وعدم الإقبال عليهم بمؤانستهم والأُلفة معهم، بل التعالي عنهم للإحساس بالغرور والتكبر المشينين، ثم زكى لقمان نصيحته الاولى بالقول: (ولا تمش في الأرض مرحا)، ليبرر بعد ذلك قوله باستعمال أسلوب الإقناع بأن الله تعالى لا يحب كل مختال فخور. ومادام الله يكره هذه الخصال، فالأجدى أن يبتعد عنها الفرد المسلم.. ولم ينس لقمان الأب مسألة الاقتصاد في الأموركلها، بأن يقصد الإبن في مشيه ويغض من صوته..ودائما في أسلوب راق في الإقناع، إذ نجد أن لقمان يؤكد أن: (إن أنكرالأصوات لصوت الحمير) حتى تعاف النفس هذا الصوت وتهرب منه، فيتحرى الإنسان عدم رفع صوته من غير ما حاجة إليه.. والمعنى الضيق للاقتصاد في المشي والغض من الصوت هو عدم المشي ببطء قاتل ولا السرعة المفرطة، وأيضا تجنب الرفع من الصوت بشكل يؤذي السامعين أو خفضه بطريقة لا تُسمع الآخرين، بل اللازم هو أن يكون المشي بين السرعة والهرولة والصوت بين الخفض والرفع، لكن المعنى العام والشامل هو سلامة نهج الاقتصاد دون إفراط ولا تفريط في أمورالحياة كلها، حتى في جزئياتها من قَبيل المشي والصوت..وهذه دعوة نفيسة منذ زمان بعيد إلى اعتماد الاقتصاد والوسطية منهجا وأسلوبا في الحياة والتربية.