المقصود بالغش تلك العملية التي يقوم بها التلميذ لنقل إجابة أسئلة الامتحان بطريقة غير مشروعة سواء بالنقل من زميل، أو من ورقة معدة مسبقا لذلك أو باستخدام جهاز الهاتف... إلى غير ذلك من أساليب الغش التي تتعارض مع ما تسعى الفلسفة التربوية إلى تحقيقه. لكن ومع ذلك فإنه من الصعب إلقاء كل اللوم على التلميذ فالبيئة التربوية بدورها تتحمل نصيبا من المسؤولية، فهيمنة أسلوب السرد والتلقين والحفظ في مجال التعليم أفقده حيويته في تنمية القدرات العقلية والرقي بها إلى مستويات أعلى. كما تتحمل الأسرة والمجتمع جانبا هاما من المسؤولية في شيوع وانتشار ظاهرة الغش في مؤسساتنا التعليمية، وذلك من خلال تركيزهما على النجاح دون الربط بين تحقيق النجاح والالتزام بالوسائل المشروعة في ذلك، وفي هذا السياق اعتبر العالم الأمريكي مرتون Marton في معرض تفسيره للسلوك المنحرف أنه عندما يركز المجتمع على الأهداف التي يطلب من الأفراد بلوغها ويهمل الوسائل أو الأساليب التي يجب أن يستعملوها لبلوغ تلك الأهداف يصبح الانحراف أمرا وارد وأكثر احتمالا. وأمام التركيز على قيم النجاح كهدف تسعى جميع الشرائح الاجتماعية لتحقيقه، وبالنظر للتفاوت الطبقي الشديد وعدم تكافؤ فرص النجاح ، فإن اللجوء إلى الأساليب غير المشروعة يصبح هو السبيل الوحيد الممكن لتحقيق هذا النجاح، واعتماد أساليب الغش والتدليس سواء في الامتحانات أو في مواقف اجتماعية أخرى، قد يكون مظهرا لهذه الأزمة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. والأسرة باعتبارها الخلية الأولى في المجتمع تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية لكونها تعتبر النجاح المدرسي هو الغاية الرئيسية للعملية التعليمية مهملتا الجانب المتعلق بوجوب تمثل الطفل للقيم الأخلاقية والاجتماعية، فالأسرة تريد من الطفل أن يكون متفوقا على أقرانه، وإلا عاملته بطريقة قد تصل إلى الازدراء والتخجيل والعقاب الجسدي، ويدرك الطفل من خلال تعامل الأسرة معه أنه عليه أن ينجح بأي وسيلة ليرضي أبويه وباقي أفراد أسرته حتى ولو لجأ إلى أساليب غير مشروعة. وبالإضافة إلى مسؤولية الأسرة تجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من العوامل تساهم هي الأخرى في انتشار ظاهرة الغش في الامتحان نذكر من بينها على سبيل المثال: - عدم استعداد التلميذ بصورة جيدة للامتحان. - سوء العلاقة بين الأستاذ والتلميذ. - التركيز المبالغ فيه على الاختبارات الكتابية كمقياس للتحصيل الدراسي مع إهمال الأساليب الأخرى كالاختبارات الشفوية وتفاعل التلميذ مع المادة والانضباط داخل الفصل وإنجاز الواجبات المنزلية. - الاكتظاظ وتباين المستويات داخل القسم الواحد. - غياب التنسيق بين الأسرة والمدرسة. - غياب التوعية في وسائل الإعلام حول خطورة الغش وآثاره السلبية على شخصية الفرد ومستقبله. - عدم الاحتفاظ بفاصل زمني بين الاختبارات ذلك أن تزامن مجموعة من الاختبارات في وقت زمني قصير قد يدفع بالتلميذ إلى البحث عن حلول لتجاوز هذا الوضع وقد يجد ضالته في الغش. وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن المشكلة في تعاملنا مع ظاهرة الغش هي أننا نخرجها من سياقها العام، ونحاسب فيها التلميذ باعتباره الطرف الضعيف في هذه العملية فتتحرك الوزارة الوصية والإعلام والشرطة والقضاء... لمحاربة الغش، أي غش التلميذ في الامتحان الوطني للباكالوريا فقط، علما أن التلميذ اعتاد على الغش في الامتحانات على المستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي، فحملة محاربة الغش التي تشنها الوزارة وتشديد الخناق على التلميذ أثناء امتحان الباكالوريا من المفروض أن تستمر طيلة السنة دون الاقتصار على مستوى معين بل يجب العمل على توعية التلميذ بخطورة الظاهرة منذ ولوجه للسلك الابتدائي. *أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير