ألغى المجلس العسكري السوداني، الثلاثاء، اتفاقًا على نقل السلطة كان أبرمه مع قادة الحركة الاحتجاجية، ودعا إلى إجراء انتخابات في غضون تسعة أشهر، غداة مقتل ما لا يقل عن 35 متظاهراً في ما وصفه ب"المجزرة الدمويّة". ودعا قادة الحركة الاحتجاجية أنصارهم إلى المشاركة في "عصيان مدني" في أرجاء البلاد للإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم بعد العملية الدامية لفض الاعتصام الذي استمر لأسابيع خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم. وأطاح المجلس العسكري الانتقالي بالرئيس عمر البشير في أبريل بعد شهور من الاحتجاجات ضد حكمه، وكان وافق على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات لتسليم السلطة للمدنيين بشكل كامل. لكن رئيس المجلس العسكري السوداني، الفريق أوّل ركن عبد الفتّاح البرهان، أعلن في بيان بثّه التلفزيوني الرسمي أنه تم التخلّي عن الخطة لصالح إجراء انتخابات بإشراف إقليمي ودولي. وقال البرهان: "قرّر المجلس العسكري وقف التفاوض مع تحالف قوى إعلان الحرّية والتغيير، وإلغاء ما تمّ الاتّفاق عليه، والدّعوة إلى إجراء انتخابات عامّة في فترة لا تتجاوز التّسعة أشهر (بدءًا) من الآن". وقُتل عشرات المتظاهرين وأصيب المئات بجروح في حملة الإثنين الأمنية التي قوبلت بإدانات دولية واسعة. - إطلاق رصاص ورغم الانتشار الكثيف لعناصر "قوات الدعم السريع"، دعا المتظاهرون إلى المشاركة في صلاة عيد الفطر الثلاثاء، رداً على قرار إعلان السلطات الثلاثاء مكملاً لشهر رمضان. وقال أحد سكّان مدينة أم درمان لوكالة فرانس برس: "تحاول قوات الدعم السريع فتح الشارع الرئيسي بإطلاق الرصاص الحي في الهواء. هذه العملية مستمرة منذ الصباح الباكر". وقالت مواطنة أخرى تقيم في المدينة المجاورة للخرطوم: "عقب انتهاء صلاة العيد، تم إطلاق الرصاص في شوارع حيّنا بكثافة". من جهته، أفاد أحد سكان منطقة شمبات بالخرطوم بحري: "تجمعنا في ساحتنا كما اعتدنا سنويا وأدينا صلاة العيد، ولكن قوات من الدعم السريع والشرطة أطلقت علينا الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، وعقب الصلاة أغلق الشباب الشارع الرئيسي بوضع المتاريس". وأكد شاهد من سكان مدينة بورتسودان (شرق) عبر الهاتف: "أدى المصلون صلاة العيد وعقبها خرجنا في مسيرة ونحن نهتف +يسقط المجلس العسكري+ و+مدنية مدنية+". وبدت الشوارع المحيطة بوسط العاصمة شبه مهجورة الثلاثاء، إذ أغلقت العديد من الأسواق والمتاجر أبوابها، في غياب تام تقريبًا لوجود أي سيارات في الشوارع. واشتكى الكثير من سكان العاصمة من أنهم لم يتمكنوا من الاتصال بالإنترنت بعدما بدأت تظهر مشاكل في الشبكة منذ الإثنين. وشهدت حركة الملاحة الجوية إلى الخرطوم اضطرابات، في وقت راقبت شركات الطيران التطورات على الأرض. وقال متحدث باسم شركة طيران الخليج البحرينية: "لازالت رحلاتنا إلى الخرطوم ملغاة، إذ إن مطار الخرطوم مغلق جرّاء حالة عدم الاستقرار السياسي والمخاوف الأمنية". وألغت مصر للطيران رحلات كانت مقررة إلى الخرطوم ليل الإثنين وصباح الثلاثاء. وأعلنت الخطوط التركية كذلك إلغاء رحلاتها إلى الخرطوم لأسباب أمنية. وحشية ووصفت الولاياتالمتحدة الحملة الأمنية ضد المتظاهرين الذين يطالبون المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين ب"الوحشية". ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاستخدام المفرط للقوة، ودعا إلى تحقيق مستقل. ومن المتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا مغلقًا الثلاثاء لمناقشة الوضع في السودان بدعوة من بريطانيا وألمانيا، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية. وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية القريبة من المتظاهرين، الثلاثاء، أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى أكثر من 35 مع سقوط "مئات" الجرحى. وقالت إن بين القتلى طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات، ودعت المنظمات الإنسانية إلى تقديم دعم عاجل لمساعدة المصابين. وأظهرت تسجيلات مصورة من مستشفى "رويال كير" القريب من موقع الاعتصام أشخاصًا على الأرض يتلقون العلاج. وأفاد تحالف "قوى إعلان الحرّية والتّغيير" بأن "قوّات الدّعم السريع والجيش قامت بفضّ الاعتصام السلمي، ونؤكّد أنّ منطقة القيادة الآن لا توجَد بها إلا الأجساد الطاهرة"، واصفًا ما تعرّض له "الثوّار المعتصمون" بأنّه "مجزرة دمويّة". وأكد قادة الحركة الاحتجاجية أنه تم إخلاء الساحة الواسعة التي اعتصم فيها المتظاهرون خارج مقر القيادة العامة للجيش منذ السادس من أبريل. وأدت التظاهرات التي خرجت ضد البشير إلى الإطاحة به في 11 أبريل، لكن المتظاهرين واصلوا اعتصامهم خارج مقر القيادة العامة للجيش لمطالبة المؤسسة العسكرية بتسليم السلطة للمدنيين. دعم عربي للمجلس العسكري ودعمت الحكومات الإفريقية والغربية المتظاهرين، إلا أن الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية دعمت المجلس العسكري بقيادة البرهان. وأعلنت السفارة الأمريكية في السودان، الإثنين، أن هجمات المجلس العسكري على المتظاهرين "يجب أن تتوقف"، معتبرة أن المجلس غير قادر على "قيادة شعب السودان بشكل مسؤول". وكتب تيبور نويج، مساعد وزير الخارجيّة لشؤون إفريقيا، على "تويتر": "لقد كان ذلك هجومًا وحشيًا ومنسّقًا قادَتهُ ميليشيا قوّات الدّعم السريع ويعكس أسوأ أفعال نظام البشير". بدوره، حض رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي على إجراء "تحقيق فوري وشفاف لمحاسبة كل أولئك المسؤولين". لكن الحكومات العربية دعت إلى استئناف المحادثات بين المتظاهرين والجيش. وقبيل الحملة الأمنية، زار البرهان مصر والإمارات والسعودية. وأودعت السعودية والإمارات معا 500 مليون دولار في المصرف المركزي السوداني في إطار حزمة مساعدات بلغت 3 مليارات دولار، تعهّدت بها المملكة وحليفتها الخليجية لصالح السودان.