بوريطة: استقرار إفريقيا مرتبط مباشرة باستقرار المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    دوري أبطال أوروبا.. سان جرمان-ليفربول ودربي مدريد الأبرز في ثمن النهائي    توقيف شخص يشتبه في تورطه في شبكة للهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر بالحسيمة    "حليوة" أمام النيابة العامة بسبب تدوينة حول الرئيس الفرنسي ماكرون    منتدى دولي بطنجة يناقش تنافسية واستدامة قطاع صناعة السيارات بالمغرب    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    تطورات التضخم والأسعار في المغرب    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    شكاية ضد ابن كيران بتهمة القذف والسب ومطالبته بتعويض 150 مليون    إطلاق المرصد المكسيكي للصحراء المغربية بمكسيكو    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    أداء مؤشر "مازي" في بورصة البيضاء    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    الذهب يتجه لتسجيل مكاسب للأسبوع الثامن وسط مخاوف من رسوم ترامب الجمركية    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المختصر المفيد في أعطاب نظام LMD الفريد
نشر في هسبريس يوم 02 - 06 - 2019

إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي منا وضعه في سياق توطين النظام المستورد LMD، هذا النظام البيداغوجي الذي يعاني جملة من الأعطاب عند تطبيقه بالجامعة المغربية، ناهيك عن الاختلالات المتعلقة بضعف التسيير والارتجال في اتخاذ القرارات التي تشهدها بعض المؤسسات الجامعية.
يعد نظام LMD بدعة اقتصادية معرفية، فُرضت علينا في سياق العولمة الثقافية المصاحبة للعولمة الاقتصادية، وذلك لأن شروط البنك الدولي في هذا المجال تقتضي أن ينخرط المغرب في المنظومة التعليمية نفسها التي تطبق في أوروبا، وذلك قصد تجنيس المنظومة التأهيلية التي يحتاجها سوق الشغل. وكالعادة، تصادف الإمبريالية الاقتصادية العالمية سماسرة من داخل الدول النامية لتمرير تصوراتها وبرامجها، إذ يهرول العديد من تجار السياسة إلى تطبيق الشروط دون أدنى تفاوض أو وضع خطط ذات مدى متوسط أو بعيد لحماية المجتمع من ارتدادات صدمة العولمة، ونحن اليوم في المغرب نطبق هذا النظام بأدنى شروط العولمة التي تتوفر بكثافة في بلد منشأ نظام LMD.
لا أحد ينكر أن العولمة تعمل على تعليب المعرفة في اقتصاديات متجانسة، تأخذ شكل مأكولات ماكدولنادز على سبيل الاستعارة، لكن دول المنشأ وضعت خططا وإستراتيجيات للتغلب على صعوبات التوطين والملاءمة، كما قامت بدراسة كيفية تحسين الجودة، وخير دليل على ذلك هو امتلاء رفوف المكتبات الأوروبية بدراسات قيمة حول بيداغوجية التعليم الجديد، والمخرجات التي تزود سوق الشغل بيد عاملة مؤهلة. لكن واقع الحال بالمغرب ينبئ بتعثر الطالب والأستاذ في التكيف مع نظام جديد لا علاقة له بالذهنية الثقافية التي يحيا بها أبناء الشعب.
يبدو نظام LMD على الأوراق مشروعا واعدا، إذ يبشر بصفحات مشرقة في تاريخ التعليم الجامعي بالمغرب، لكن على مستوى التطبيق في أرض الواقع ينذر بكوارث مخيفة، حيث يُختزل تلقين المعارف في أسابيع معدودة، ويُمنح الطالب إجازة تأهيلية لا تعكس حقيقة ما حصّله في القسم. وكل الفاعلين في الحقل الجامعي، أستاذة وطلبة ومسيرين، واعون بهذه المشاكل، لكن يقفون وقفة المتفرج على هدر الزمن البيداغوجي في معرفة معلبة تُستهلك في ثمانية أو عشرة أسابيع، والباقي من الزمن يُستهلك في الامتحانات...إنك ترى الجميع يركض على عجلة من أمره لإنجاز الامتحانات، ومع ذلك يتيه المرء منا بين الأقسام، وقسم النتائج، والمداولات، والتسجيل، وغيرها من الإجراءات الإدارية التي يختزلها نظام LMD في أيام أو ساعات بأوروبا، نظرا لاستخدامه لتقنية "أونلاين" والبرمجة الإلكترونية المتقدمة.
أليست مشكلتنا تكمن في محاولتنا أن نلبس على مقاس غيرنا؟ بل نحلم بالسرعة في الأداء بذهنية "العام طويل"؟ هناك مشاكل حقيقية يعاني منها النظام الجديد بالجامعة المغربية، ومشروع إصلاح الإصلاح الذي سوف يُعتمد قريبا بأربع سنوات سيفشل هو الآخر؛ ذلك لأنه لا ينبثق من دراسات ميدانية جادة ترصد مكامن الخلل...
إليكم سيل من فيض الأعطاب القاتلة التي يعانيها نظام LMD...
- عنصر بشري في حاجة ماسة إلى تكوين مستمر
من يراقب مردودية الأستاذ الجامعي؟ من ينقّط هذا الأستاذ؟ كيف لا وبعض الأساتذة لا يحترمون الملفات الوصفية للمواد، وقد يدرسون ما يعتقدون أنهم يفهمون فيه، ويجتنبون الخوض في مجالات وابتكارات جديدة حفظا لماء الوجه، ومنهم من يستهلك الزمن البيداغوجي في أشياء بعيدة عن المقررات؟. في دول المنشأ، هذا النظام يؤهل الطالب للاختيار بين المواد والأساتذة وتقويم أدائهم، فأين نحن من هذا؟ كيف يمكن تطبيق نظام بهذا الشكل في منظومة تتلمذ فيها الأستاذ على شيوخ، والأكثرية تؤمن بخطاطة الشيخ والمريد؟ هل يخضع الأساتذة لدورات تكوينية حول تدبير الغلاف الزمني وكيفية تركيز المعارف، ومناقشة سبل وطرائق التدريس، ومناقشة قضايا تقويم الطلبة خلال الامتحانات؟ مع الأسف جل هذه الإشكاليات نائمة، ولعن الله من سيوقظها!
وبينما تختار الجامعة في بلد المنشأ باحثين يتوفرون على مشاريع بحثية في تخصصات معينة، توظف الجامعة هنا في بلد التوطين حاملي الشهادات، وشتان بين حامل الشهادة وحامل مشروع البحث...
- الأقسام المكتظة
لا يمكن تطبيق النظام البيداغوجي الجديد بأقسام تتجاوز أعدادها 20 طالبا، فهذا غير ممكن في بيئة جامعية مغربية، نظرا لضعف البنى التحتية، وشح المناصب الوظيفية، أضف إلى ذلك تصميم الأستاذة على تدريس عدد قليل من الساعات، إذ يلتحق الأستاذ الجديد اليوم بالمؤسسة فيسند إليه استعمال زمني كباقي الزملاء بستة ساعات في الأسبوع، بينما كان زملاؤه حتى الماضي القريب يدرسون 14 ساعة في الأسبوع. وأمام هذه الظروف يصعب التفويج، ويظل الاكتظاظ شبحا يخيم على الجامعة ويعيق اشتغالها بشكل سلسل فعال. كيف يمكن تدريس مواد تطبيقية مثلا في أفواج تتعدى 140 طالبا؟.
- تدبير الغلاف الزمني
يتكون نظام LMD من فصول، وكل فصل عبارة عن أسدس، وقد يناهز ستة أشهر، إذ ينص القانون في هذا الباب على أن الفصل يتكون على الأقل من 16 أسبوعا مخصصة للتدريس والامتحانات، فهل يتم احترام هذه الخريطة الزمنية عند إنزالها على أرض الواقع أم تخضع لمقص سروال علي، إذ يتم اختزالها في أسابيع معدودة؟ ما يقع بالطبع هو أن الأغلبية تدرس ثمانية إلى عشرة أسابيع في الفصل، والباقي من الزمن يُستهلك في تنظيم الامتحانات، بدعوى عدم توفر القاعات وانتظار الشعب لبعضها البعض قصد تنظيم الامتحانات؛ ناهيك عن مشاكل البرمجة التقنية والتفويج. وهكذا أصبح الطالب يستوفي حوالي 16 أو 20 أسبوعا في السنة بشكل متقطع، وفي الأخير تمنحه الجامعة شهادة إجازة عمرها ثلاث سنوات...كيف تم احتساب هذا العدد من السنين؟.
(16 weeks x 2 semesters x 3 years = licence degree)
- ضعف البرمجة وغياب التخطيط البيداغوجي....
نسوق مثالا عن المفارقات العجيبة التي تطبع توطين هذا النظام، فحين يرسب الطالب في وحدة من الوحدات، يستمر في القفز بين الفصول والوحدات. ولا يمكن فتح الوحدة التي فشل الطالب في استيفائها في الفصل الموالي بنفس السنة، بل عليه الانتظار إلى سنة أخرى لكي يجتازها مع طلبة جدد، وهكذا يتم توطين نظام الوحدات بمنطق نظام السنوات القديم، إذ بدلا من تكرار السنة بكاملها. يكرر الطالب اليوم في الوحدة، حيث ينتظر لسنة كاملة حتى يتم فتحها، فما جدوى النظام الجديد إذن؟ أليس هذا هدرا خطيرا للزمن البيداغوجي؟ وكم من طالب يظل سجين وحدة أو وحدتين لسنوات ينتظر استيفائهما. إن الجامعة حتى الآن غير قادرة على فتح الوحدات في السنة الجامعية نفسها، كما هو حاصل في بلد المنشأ، إذ يمكن أن يدرس الطالب الوحدة غير المستوفاة بجامعة أخرى أو في أي وقت يناسبه.
- الذهنية الثقافية السائدة تحت شعار "العام طويل"
ينحدر الطالب والأستاذ معا من ثقافة "السَّلكة"، وتكرار المعلومة وحفظها قصد استحصافها، لهذا يستغرق منا حفظ القرآن سنوات. ولقد تعود الباحث المغربي على خطاطة زمنية طويلة الأمد للقيام بالبحث وتحصيل المعرفة، فجل الأساتذة الجامعيين القدامى قاموا بأبحاث أكاديمية استغرقت أكثر من عقد من الزمن لإنجازها، كما أن حياتهم الاجتماعية تسير ببطء، فالطالب مثلا ينتظر الحافلة، والمنحة، والشواهد الإدارية في طوابير، كما ينتظر دوره في المستشفيات العمومية، كل هذه عوامل مؤثرة ترسم خطاطات تنشئة اجتماعية تجعل من الطالب والأستاذ كائنات اجتماعية بطيئة الأداء، تؤمن بالصبر والقدر "المكتوب"، ولا يمكن أن نتخيل منافستها لأوروبا وأمريكا في وتيرتهما الإنتاجية.
إن القول المأثور في ثقافتنا يحكي أن "اللي بغا يربح العام طويل!". هذه وثيرة عملنا في الواقع، لكن ماذا حدث؟ فجأة، نزل علينا نظام LMD "كجلمود صخر حطه السيل من عل"، وأصبح الطالب والأستاذ اللذان يقضيان سنوات في تحصيل المعارف، مطالبين بالهرولة وتعليب المعرفة في رُزم "packages" لمدة أسابيع؟.. ماذا وقع لأهل الكهف إذن؟ كيف يستطيع هؤلاء تغيير خطاطاتهم الثقافية بين عشية وضحاها؟ لو تصفح القارئ امتحانات هذا النظام منذ تنزيله بالساحة الجامعية إلى الآن لصفعته الكثير من الأسئلة المباشرة التي تعتمد الحفظ وتكرار المعلومة، ليدرك أن نظام LMD الذي يسبح في وادي Disney بالغرب لا يبرح مكانه عاريا في المغرب يطلّ على ضفاف وادي عبقر!.
*رئيس شعبة سابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.