بعد فصول صراع طويل خاضته دبلوماسيات البلدان الإفريقية، دخلت اتفاقية التجارة الحرة داخل القارة حيز التنفيذ، لكن دون أن تأتي مصادقة نهائية من المغرب؛ فرغم التوقيع الأولي الذي وافق عليه، لازالت الاتفاقية حبيسة الانتظار بالرباط، ومن المرتقب أن تعرف نقاشات داخلية كثيرة بالعودة إلى ضمها جبهة البوليساريو، التي سبق ووقعت على الاتفاق، ما ينذر بمعركة أخرى تنتظر المملكة على مستوى تصدير السلع والمنتجات القادمة من أرض الصحراء. وتنتظر الاتفاقية القمة الاستثنائية لرؤساء الدول والحكومات الإفريقية التي ستعقد بدولة النيجر يوليوز المقبل، لإطلاق "المرحلة العملية"، والحسم بشكل نهائي في مسائل إزالة الرسوم الجمركية، وتسهيل تدفق السلع والأموال داخل القارة، والتغلب على مشاكل ضعف البنية التحتية والمراكز الحدودية؛ فيما تبقى السوق الإفريقية ثاني أكبر مجال مفتوح للمعاملات المالية في العالم، حيث من المرتقب أن تضم أزيد من مليار متحرك. وإلى جانب دول القارة، تدخل الصين بقوة داخل منظومة السوق الحرة الإفريقية، إذ اعتمدت نظام "رابح – رابح"، في علاقتها بالدول الإفريقية، ووفرت مبادرة أطلق عليها "الحزام والطريق"، ستساعد كل الدول الإفريقية على الاندماج بشكل سلس داخل المنظومة الجديدة، لكن مقابل تعزيز شراكة الصينيين مع القارة السمراء في قادم الأيام. وفي هذا الصدد قال رشيد أوراز، باحث اقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات: "على العموم أي اتفاق للتبادل الحر يكون في عمقه إيجابيا، ولديه فوائد اقتصادية مهمة، كما يساعد على خلق نمو اقتصادي"، مشيرا إلى أن "عامل توفر أغلب الدول الإفريقية على اتفاقات تبادل الحر مع كبريات الاقتصاديات العالمية سيساهم في تسريع الاتفاق وتحسينه". وأضاف أوراز، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "المغرب سيستفيد اقتصاديا، على اعتبار أنه بلد منتج فلاحيا ولديه منتجات عديدة يمكن توجيهها للأسواق الخارجية، خصوصا على مستوى الصناعات الغذائية، وذلك رغم المنافسة الكبيرة التي تشكلها عديد البلدان، وتتقدمها مصر"، مسجلا في سياق آخر أن "اتفاق التبادل الحر لن يلغي الاختلافات السياسية، فالأنظمة السلطوية عادة ما لا تعير اهتماما كبيرا للمسائل الاقتصادية". وأوضح الخبير الاقتصادي أن "اتفاقات التبادل الحر في سياقات ديمقراطية يمكن أن تخفي الخلافات السياسية، لكن إفريقيا غير مؤهلة للأمر، لأن الصراع القائم حاليا بين المغرب والجزائر لا يمكن حله اقتصاديا، في ظل الدعم الذي يوفره قصر المرادية لجبهة البوليساريو، وهو ما يمكن قياسه كذلك على خلافات مصر والسودان، ودول أخرى كثيرة في القارة". ولفت المتحدث الانتباه إلى أن "الاقتصاديات الإفريقية ضعيفة"، وزاد: "يمكن القول إن اتفاقية التبادل الحر بالقارة هي اتحاد للفقراء في العالم، فكل الدول الإفريقية ذات اقتصاديات متقاربة ولا تتفاوت بشكل كبير"، مسجلا أن "الطموحات لا يجب أن تكون أكبر مما يتيحه الواقع".