كما كان متوقعا، نجح رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنكيران، نسبيا، في جمع الأغلبية المقبلة بسهولة، صحيح أنه كان يعول على مشاركة الاتحاد الاشتراكي لتحقيق حلم الكتلة التاريخية، ولزرع نفس إصلاحي أقوى في جسد الحكومة المقبلة، تستعين به على مراكز القوى الكثيرة التي تنتظر بنكيران في أول منعطف لإفشال مهمته، إلا أن الاتحاد اختار المعارضة لإعادة بناء حصونه المهدمة. لكن مع ذلك، يمكن القول إن الأحزاب الثلاثة (الاستقلال، الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية) التي وافقت على دخول بيت الأغلبية بسهولة، فعلت ذلك، أولا، لأن الحزب الذي سيقود الحكومة حصل على عدد كبير من المقاعد (107)، وحصل على تفويض سياسي واضح، وهو ما يدعو مستقبلا إلى التفكير في السماح للتقاطب السياسي بالوجود، وعدم الاختباء وراء حقوق الأحزاب الصغيرة من أجل إضعاف الأحزاب الكبيرة. ثانيا: اجتمعت الأحزاب الأربعة بسهولة لأنها تريد أن تتصالح مع الناخبين الذين وضعوا المصباح في المقدمة، وعلقوا عليه آمالهم في ميلاد مغرب جديد، وطبعا لا يمكن إغفال جاذبية كراسي الحكومة للنخب الحزبية. الآن بنكيران أمام الامتحان رقم 2 بعد أن فاز في الاختبار رقم 1.. بعد تحدي الكم هناك تحدي النوع، أي تشكيل حكومة قوية منسجمة صغيرة العدد، تحمل وجوها جديدة للمغاربة، وتتخلص من السحنات المستهلكة التي كانت أحد أسباب هجرة الناخبين بعيدا عن صناديق الاقتراع، والتي خرج الشباب إلى الشوارع قرفا من حضورها الثقيل في المشهد السياسي. لا بد وأن يكون بنكيران «صلبا» أمام ابتزاز قيادات الأحزاب التي لا تتبع أي منهجية ديمقراطية في اقتراح الوزراء الذين سيمثلونها في الحكومة. جل القيادات الحزبية تسعى إلى حل خلافاتها التنظيمية، وإدارة صراعاتها الشخصية، وترضية شبكاتها العائلية عن طريق ميكانيزم الاستوزار، وكأن الحكومة جهاز لإدارة الخلافات الحزبية، وليست مؤسسة لتدبير حاجيات المواطن. لا يعقل أن ترجع إلى الحكومة وجوه تنتمي إلى ثمانينيات القرن الماضي، في وقت يتطلع فيه العالم إلى التجديد قلبا وقالبا. لا بد أن يقتل رئيس الحكومة بدعة وزارات السيادة الآن والأعراف الدستورية تتشكل، وتأويل الوثيقة الأساسية (الدستور) جار، نعم، يمكن لرئيس الحكومة، ولاعتبارات سياسية وسيكولوجية، أن يتنازل مؤقتا عن إعطاء وزارات الداخلية والأوقاف والدفاع لشخصيات مستقلة، أي غير حزبية، لكن لا بد أن يحصل توافق بين الملك ورئيس الحكومة المقبل على هذه الشخصيات، ولا بد أن يكون حاملو الحقائب الثلاث، وخصوصا الداخلية، مقتنعين بمشروع رئيس الحكومة، ومؤمنين بأن الطريقة التي كانت تجري بها الأمور قبل الدستور الجديد لا علاقة لها بما ستجري به الأحوال في زمن الدستور الجديد والربيع العربي، والحاجة إلى انتقال ديمقراطي ثان بعد أن فشل الأول. على بنكيران أن يدقق جيدا في الوجوه التي ستدخل الحكومة بدون غطاء حزبي، فلا بد أن تكون شخصيات مستقلة ولها مصداقية، وقادرة على أن تعزف نفس اللحن مع أوركسترا الحكومة، لا أن تكون نشازا فيضطر «المايسترو» إلى إضاعة الوقت والجهد في إرجاعها إلى اللحن، عوض أن يصرفهما لخدمة المغاربة الذين وضعوه في المقدمة. وزارة الخارجية لا بد وأن تدخلها شخصية حزبية ووجه جديد، فكما الداخل يحتاج إلى إشارات تدل على أن هناك تغييرا حصل، فالخارج أيضا يحتاج إلى وجوه تعطي للعالم من حولنا إشارات إلى أن في البلاد ما يستحق الاهتمام، أما الخضوع لمنطق التجربة والخبرة والتمرس لقتل التغيير ودوران النخب، فهذا لن يعود بالنفع على الحكومة وعلى المغرب. التجربة تأتي مع الوقت لأن بلادنا لا تعرف شيئا اسمه حكومة الظل كما في الدول الديمقراطية، ولهذا فإن الحل الوسط بين الخبرة والتجديد هو اختيار وزراء جدد وأطر إدارية وتقنوقراطية قديمة تشتغل في الدواوين والإدارة، وتكون بمثابة الجيش الذي يحارب به القائد.