في الحقيقة إن النقاش الجاري في هذا الوقت حول الأمازيغية يثير إحساسا غريبا لدى المتتبع، إحساسا ممزوجا بالحسرة والغضب، لكن بالرغم من ذلك، هو إحساس يدفع نحو البحث عن مكامن الخلل منها تكون البوابة لمداخل للخروج من هذه الأزمة، رغم أن المداخل أصبحت مستهلكة، لهذا وجب التنقيب بشكل موضوعي عن الخلل وتقديم الحل. لا نرى مانعا من أن نفحص ذواتنا ومنطلقاتنا لتصحيح الذهنية الكلاسيكية كمدخل أولي، خاصة أن القضية الأمازيغية منطلقها الأساسي هو الذات، وبين ما نادت به هو النقد والنقد الذاتي، الذي للأسف لا نرى بوادره نظرا لعدة اعتبارات، أهمها تمييع القضية واتخاذها مسارا غير علمي ومكوثها في الوعي التقليدي الكلاسيكي. هذا المأزق الذي جعل القضية الأمازيغية، أو بالأحرى العقل الأمازيغي، لا يفكر بعدما انحصر في القوانين التنظيمية التي تشكل سيفين ذوي حدين: الحد الأول، وهو الإيجابي، في تنزيلها وتفعيلها لينتقل هذا العقل الأمازيغي إلى المرحلة الموالية، رغم أنه يجب أن يتم التفكير سابقا في كيفية التعامل مع بعد التنزيل والتفعيل، رغم أنه أضحى حلما لدى كل أمازيغي. أما الحد الثاني، وهو الذي نعيشه اليوم، فمأزق جعل القضية الأمازيغية في قائمة الانتظار، هذا ما ينتج عنه كذلك انتظارا عن التفكير للعقل الأمازيغي الذي بقي محاصرا بهذه القوانين العالقة، التي لن ترى النور لأن السلطة أحكمت الهندسة والأمازيغي أحكم الجلوس كمتفرج. منذ سنة 2011 والقضية الأمازيغية بمثابة مطلب واحد يتمثل في تنزيل هاته القوانين التي أبت أن تنزل، تنتظر لعل وعسى أن تتكرم الحكومة أو أحد الأحزاب وتنفذ هذا المطلب، رغم أن تحقيق هذا المطلب الشكلي تحقق بنضالات عسيرة ومريرة بدورها تؤكد أنه لا بديل عن مواصلة النضال العقلاني على هذا المنوال، لكن الولوج عن طريق هذا المدخل يستدعي حل شفرة الإشكالية التاريخية التي لم تنفك أن يتخلص منها الأمازيغي، وهي إشكالية التنظيم، رغم تواجد العديد من التنظيمات والإطارات الأمازيغية بكم كبير، إلا أنها لا تستطيع أن تتوحد على أرضية واحدة، ولا تستطيع أن تصل إلى حد من التوافقات، ولا تستطيع أيضا أن تدخل في معركة نضالية على مستوياتها الحقوقية والسياسية. على المستوى السياسي لا يمكن أن نتحدث عنه دون تنظيم سياسي، أي حزب، لكن هذا أمر يثير غضب الكثيرين باعتباره ارتماء في حضن السلطة، وكذلك هو طرح الانتهازيين المتخاذلين للقضية الأمازيغية، وأن هذه الآلية التنظيمية سيكون مآلها التدجين كباقي الأحزاب الأخرى، لهذا على الأمازيغي أن يكون دائما خارج اللعبة، وما على القضية الأمازيغية أن تكون في أحضان أحزاب أخرى بالأمس كانت عدوة لها ولا تزال، وعندما يمتنع حزب معين عن مصادقة قانون مرتبط بالأمازيغية، نقوم بالتنديد والشجب عن طريق البيانات. على المستوى الحقوقي، لم تحظ القضية الأمازيغية بإطار مدافع عنها في الأوساط الدولية والوطنية، فقط فدرالية الجمعيات الأمازيغية، رغم أنه يجب أن تكون للقضية الأمازيغية إطارات حقوقية عديدة تشتغل بشكل منسق ودوري ومتطور. من خلال هذا الفراغ الذي يجعل القضية الأمازيغية من موقع المؤثِر إلى موقع المؤثَر، أي تتأثر بشكل سهل بعدما كانت تتمتع بمناعة قوية يحسد عليها، وما جعل أرخص وهابي يحدث فوضى وقلقا في صفوف الأمازيغيين، ولم تعد تؤثر كما كانت. لِنرَ مثالا وقع في الأيام القليلة القريبة، 14 ماي 2019، بعد أن امتنع حزبا الأصالة والمعاصرة والاستقلال عن التصويت بشأن مناقشة القانونين التنظيميين بالأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، كل إيمازيغن قاموا وصفقوا لهما. بعدها بأيام امتنع حزب الاستقلال عن التصويت بشأن إدراج الأمازيغية في الأوراق والقطع النقدية، ليقف بعدها إيمازيغن منددين بهذا التصرف الذي يضرب في رمزية الأمازيغية، رغم أن هذه الضجة إيجابية، لكن إن كانت منظمة وعلى أساس حقيقي عبره تتحقق الأمازيغية في كل المجالات. من خلال هذا المثال آنف الذكر نستشف مدى تعلق إيمازيغن بالأحزاب وانتظار أحدها أن يتكرم ويحقق هذا المطلب الذي قزم القضية الأمازيغية، وأصبحت في متناول السلطة، وفي المقابل كبرت عن إيمازيغن ولم تبق هناك قدرة على استيعابها. في الأخير، على كل أمازيغي إعادة التفكير في المسار الصحيح الذي يفرضه فراغ هذه المرحلة، لهذا ما على هذا الفراغ أن يملأ بحركة عقلانية أكثر، لنزع المزيد من المكتسبات، لاسيما أن مدخل الدستور المغربي فيما يخص الأمازيغية يشرع لنا التحرك من أجل تبوؤ حقيقي للأمازيغية كلغة وثقافة وطنية، وأيضا كمدخل حقيقي لتجسيد الديمقراطية لأنه لا بديل عن ديمقراطية بدون أمازيغية، ولا يسعنا إلا أن نقول إن الأمازيغية في موقع ضعيف. *أستاذ اللغة الأمازيغية