فاجعة إنسانية غير مسبوقة أثارت استياء الرأي العام الوطني، طوال الفترة الأخيرة، هي قضية ما بات يُعرف ب"الأربعين قطة" في مدينة آسفي، حيث أقدم شخص على محاولة إحراق قطط المدينة الكائنة في إحدى الحدائق؛ لكن على خلاف ما يُراج لم يتم إحراق العدد الإجمالي برمته، بل راح ضحية الحادث بعض القطط فقط، بينما توفيت أخرى بعد مرور أيام عدة على الواقعة بسبب المرض. انتقلت جريدة هسبريس إلى مدينة آسفي لإعادة تركيب جزئيات القصة، حيث زارت مختلف الأماكن التي تخلّلت الواقعة، بدءا من الحديقة التي كانت مسرحا للجريمة، وصولا إلى المكان الذي انتقلت إليه القطط، بعدما تدخلت السلطات المحلية بإيعاز من النشطاء المدنيين، ثم استقاء الوجهة القانونية للموضوع على لسان المحامي الذي يترافع عن القضية. التفاصيل الكاملة للحادث بداية القصة كانت من حديقة "جنان الفسيان"، غير بعيد عن المعلمة الأثرية المسمّاة "بيرو عراب" بمدينة آسفي، حيث تعوّدت الساكنة على إطعام وتقديم العلاج لنحو 44 قطة في المكان؛ بل إن ذلك تحوّل إلى شبه طقس يومي لدى العائلات. كما كانت هنالك سيدتان تتناوبان باستمرار على تنظيم العملية رأفة بتلك القطط؛ لكن ذات يوم وجدت إحدى السيدتين كلباً يتربص بالقطط، إذ أقدم على مهاجمتها تحت مراقبة صاحبه. وبخصوص تفاصيل الموضوع، وفق ما استقته الجريدة من قبل الساكنة، فقد حاولت المرأة صد هجوم الكلب على قطط الحديقة، احتجاجا منها على سلوك الشخص المعني الذي وقف متفرجا على الواقعة؛ لكنه فقد أعصابه وتهجم على السيدة، من خلال تكسير زجاج سيارتها، لتعمد بعدها إلى الاتصال بالشرطة، لكن الشخص فرّ هاربا من الحديقة قبل وصول الأمن، إلا أنه توعد بالانتقام من القطط في أقرب وقت. هكذا، إذن، حقق الشخص وعده بعد مرور أيام قليلة، بعدما فوجئ الجميع بإحراق مكان وجود قطط المدينة، الأمر الذي شكل صدمة للرأي العام المحلي؛ ما جعل القصة تنتشر بشكل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دخلت المنظمة الدولية "Comme chiens et chats Maroc" على خط القضية، التي يوجد مقرها في مدينة الدارالبيضاء، علما أن الجمعية الأصلية توجد في فرنسا. وتذهب مختلف الشهادات، التي استقتها هسبريس، إلى كون المشتبه فيه يعاني من أمراض نفسية، بل هنالك من السكان من أكد أنه "مريض عقليا". وبين المرض النفسي والمرض العقلي، يجمع الكل على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص القضية، داعين إلى "إلقاء القبض على المتهم.. آنذاك، القاضي هو المخول له قانونيا اتخاذ الحكم المناسب". المسار القانوني للملف حسب مصادر هسبريس القانونية، فإن الجمعية كلّفت أحد المحامين بمدينة الدارالبيضاء للترافع بخصوص القضية، حيث تقدم بشكاية إلى وكيل الملك بمدينة آسفي، لتقبل بعدها النيابة العامة الشكاية؛ وهو أمر غير مسبوق بالمغرب، نظرا للفراغ القانوني بخصوص حماية الحيوانات التي لا تتوفر على مالك. وتشدد المصادر عينها على أن الشكاية ما زالت في إطار سرية البحث التمهيدي، حيث تجري الأبحاث على قدم وساق من أجل معرفة التفاصيل الكاملة للموضوع، ومن ثمة توجيه التهمة إلى الجاني في حالة ثبت تورطه. كما تدخل رئيس المصالح الجماعية بالمدينة، إذ قام بنقل القطط إلى مكان آخر لحمايتها من أي هجوم ثانٍ، منذ أربعة أيام تقريبا. تبعا لذلك، انتقلت هسبريس إلى حديقة "القدس"؛ وهو المكان المؤقت الذي وضعت فيه القطط، حيث تطوع بعض أبناء المدينة من أجل الاعتناء بها، عبر توفير الطعام والشراب والأدوية. ويؤكد الشباب، الذي سألناهم عن تفاصيل ما بات يسمى بإحراق القطط، أن "عدد القطط الموجودة حاليا يصل إلى 33، بينما كان عددها يراوح 44؛ لكن توفيت بعض القطط جراء المرض". في هذا الصدد، تقول سناء، متطوعة للاعتناء بالقطط، إن "الشباب أحدثوا مجموعة في مواقع التواصل الاجتماعي لرعايتها بعد سماع الحادث، إذ نعتني بها من الساعة الثالثة زوالا إلى غاية السادسة والنصف مساءً"، معتبرة أن "المجموعة قدمت طلباً إلى الجهات المختصة لتنقيل القطط إلى هذا المكان بشكل مؤقت؛ وهو ما تم التجاوب معه، لكن يجب إنشاء جمعية حاصلة على الوصل القانوني لتحمل مسؤولية القطط في المستقبل". نشطاء المدينة يحتجون عادت الجريدة إلى حديقة "جنان الفسيان" موضع الحادث، فتصادفت مع بعض فعاليات المجتمع المدني تنظم وقفة احتجاجية للتنديد ب"بشاعة الجريمة"، داعين إلى "تعديل المادة 602 من القانون الجنائي التي لا تتوفر على الطابع الزجري بالشكل المطلوب"، مشددين أيضا على ضرورة "اعتقال المشتبه فيه لضمان تحقيق العدالة". رضا، أحد سكان المدينة، شارك في الوقفة التنديدية، يرى أنه "يجب سد الفراغ التشريعي في القانون الجنائي، لا سيما المادة الوحيدة 602"، مبرزا أن "الوقفة بادرة طيبة لإثبات أن المدينة تتكون من فعاليات واعية تدافع عن حقوق الحيوان، حيث حج إلى المكان عشرات الأساتذة الجامعيين والطلبة والتلاميذ"، مستطردا بلهجة شديدة: "نعم للحيوان.. كفى تعذيبا له". وأردف: "توجد قطط متفحمة في الحديقة.. يجب على المسؤولين التدخل في عين المكان، من أجل تنظيف المكان لتجنيب المارة قساوة المشهد؛ لأن الأمر يتعلق بحديقة عمومية يرتادها الجميع بدون استثناء"، مشيرا إلى أنها "أول قضية تقبلها النيابة العامة، بعد تدخل منظمة حقوقية فرنسية". فراغ تشريعي أما يوسف غريب، المحامي الذي يترافع عن الجمعية في القضية، فقد أورد أنه "فوجئ بالفراغ التشريعي من حيث النص القانوني؛ لكننا اجتهدنا واشتغلنا عليه، من خلال صياغة شكاية إلى وكيل الملك بالمدينة، على ضوء الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الحيوان، بوصفها أسمى من الدستور والقانون الداخلي، في إطار ما يسمى بدستورية القوانين، وكذلك القانون المقارن من دول عربية تتعامل مع الموضوع بجدية وصرامة، ثم الرجوع للمقتضيات الزجرية في القانون الجنائي، ولو أنها لا تؤطر وضعية الحيوان الذي ليس له مالك". وشدد المحامي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، على أن "قبول النيابة العامة للشكاية يعكس التوجه الجديد لها في حماية المجتمع، لا سيما حقوق الحيوانات، على أساس أننا نطرح حقوق الكائن بشكل عام، سواء تعلق الأمر بالحيوان أو الإنسان أو النبات"، مبرزا أن "المجتمع المدني تجاوب بإيجابية مع الموضوع، ما يعكس طيبوبة المغاربة وتساكنهم مع الثقافات والديانات الأخرى". وتابع: "نحن بصدد صياغة مقترحات عملية أكثر صرامة لتعديل القوانين، في أفق إيجاد الجاني وتطبيق العقوبات اللازمة"، خاتما: "مسطرة النيابة العامة ما زالت في طور البحث التمهيدي السري، بينما تم نقل القطط المتبقية إلى حديقة تركت فيها المفاتيح لجميع الناشطين؛ وهي خطوة تعكس الاعتناء بالحيوانات، في أفق تعميمها على المغرب".