يميّزُ الدكتور عادل بن إيدامو، الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس –السويسي- سلا، في دراستهِ للخطاب النّسائي بين مرْجعيتين أساسيتينِ؛ مرجعية تطبيعية تقومُ على المنفعة والقوة والصراع المادي في مواجهة النصف الثاني (الرّجل)، ومرجعية تنزيهية تنبني على أساس "مراعاة الصّلاح الأخْروي الآجل وفقاً لقيم التزكية والعمران وأخلاق الصلاح". ويشدّد الأستاذ الباحث في مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات والأبحاث، في كلمة له ضمنَ أشغال الندوة العلمية التي نظمتها منظمة المرأة الاستقلالية فرع حسان الرباط، حول "التمكين النسائي أفقاً لمغرب منصف"، على أنّ "الدفاع عن المرأة يجب أن يكون رهيناً بإحياء كل البنى الجماعية، سواء تعلق الأمر بالأسرة أو الأمة والمجتمع؛ وهي بنى تشكل محركاً رئيساً لكل حراك حضاري في قلبه المرأة الإنسان". ويضيفُ الباحث في محاضرة له تحت عنوان "التمكين الثقافي للنساء..الخطاب النسائي بين المرجعية التطبيعية والتنزيهية"، استندَ فيها على دراسات وأعمال الكتاب عبد الوهاب المسيري، ورفيق حبيب وعلي عزت بيغوفيتش، أنّ "الحديث عن التمكين الثقافي للنساء يُشكّل لحظة تفكير نسائية فاصلة؛ وذلك لكون أي نهوض مرتقب بوضعية المرأة لا بد له بداية من أن يهْتدي بالمدركات الجماعية لهَذا البلد ولمنظومتِه القيمية المبْثوثة في أصُوله الحضارية، باعْتبار أنَّ هذا الحديث حوْل المرجعية هو الذي يُسْتحال إلغاءً أو تبديلاً بمجرد تبعية فكرية أو فرد إيديولوجي أو قرار سياسي". وفي حديثه عن المحدد الثقافي للمرأة، توقّفَ الباحث المغربي عند العامل الإنساني، "ليس بمفهومه السطحي وإنما بمفهوم عميق حدّده الأستاذ المسيري من خلالِ التعامل مع المرأة كإنسان وليس كوحدة كمية بسيطة مختزلة في الوجود المادي، تعنى بالدخول في علاقات صراع مع الآخر الذي هو الرّجل". وتقومُ المقاربة الثقافية، يبيّنُ الدكتور بن إيدامو، على أن "كلّ حوار حول التّمكين السياسي أو الحقوقي أو القانوني لا بد له أن يتأسّس على الحوار الثقافي؛ لكون المداخل الثقافية تشكّل دائماً المدخل لبلوغ المُشترك وتعظيمه والبناء عليه". ومن هنا، يقول الباحث، "يتحدّد دور المدخل الثقافي في تجاوز الخلافات البينية، سواء الإيديولوجية أو الثقافية المتعلقة بموضوع المرأة". واستندَ الباحث المغربي في عرضهِ العلمي إلى مثال "الصراعات الطاحنة التي يعشها الوطن العربي، والمتعلقة أساساَ بالصّراع مع الثورات المضادة؛ وكيف أن الحوار السياسي لمْ يتأسس على الخلفية الثقافية، بحيثُ نجد أن آليات الاقتراع والانتخاب، وهي أرْقى ما في التّداول الديمقراطي والحوار السّياسي، قد لا تؤتي أكلها الإيجابي، لسبب بسيط أن هذه المجتمعات لم تتأهل بعد ثقافيا للقبول بالآخر". وحاولَ الدكتور في عرضهِ تأسيس مدخل لخطاب نسائي هادئ، وازن، ولكنه أيضاً أصيل يهتدي بمدركاته الجماعية ومنظومته القيمية للمملكة المغربية، مُقدّماً قراءة للخطاب النسائي بشكل حدّي، "تتمحور حول الخطاب النسائي التطبيعي، وهو أقصى ما في التناول السّلمي للخطاب النسائي، وكذلك الخطاب النسائي التنزيهي، وهو في الحد والطرف الآخر". وفي شرحه للخطاب النسائي التطبيعي يوضّح الباحث المغربي: "يقوم على أنماط من العلمانية الشاملة فكراً وسلوكاً، ويعتبر أن الوجود مكتفٍ بذاته لا حاجة لوجودٍ آخر أو إلى عالم آخر يسنده أو يرشده. وبالتالي انطلاقاً من هذا المفهوم لا تعدو المرأة كونها كائناً طبيعيا تجري عليه قوانين الوجود المادي، ومن ثمة لا بد لها من الاحتكام إلى قيم هذا الوجود الطبيعي المادي ممثلا في قيم الصراع وأخلاق القوة التي يكون فيها البقاء للأقوى". وزادَ الباحث أن "هذا الخطاب يكرّس نزعة صراعية للمرأة في مواجهة نصفها الثاني، وبالتالي يكون نتاج تمثلها لهذا التوجه هو التمركز حول الذات والدخول في صراع مع الجزء الثاني". وأبرز المتحدث نفسه أنّ "الحركة النّسوية الحقوقية جعلت الحَديث عن حقوق النساء حديثاً متواتراً ودائماً ومتوترا، يتحدث عن المرأة باعتبارها وحدة بسيطة كمية أحادية البعد، يفصلها هذا الخطاب عن واقعها الاجتماعي وعن البنى الجماعية، لأنه خطاب يقوم على الفردانية في تناول قضايا المرأة". وكنتيجة لهذا الصراع، يمضي الباحث، "تصاعدت معدلات العلمنة وتصاعدت معها موجات النسوية، فتمت إعادة صياغة المرأة في ضوء معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى هيمنة القيم المادية، كالكفاءة في العمل والحياة العامة، مع إهمال الحياة الخاصة، وتم الاهتمام بدور المرأة العاملة، مع إهمال دور المرأة الأم والاهتمام بالإنتاجية، مع إهمال القيم الأخلاقية". من نتائج الخطاب التطبيعي، يفسٍّر الدكتور المغربي، أنه "أكثر الأشياء خصوصية بالنسبة للمرأة تجعلها تعيش حالة من المظلومية، كونها معنية بالاستقرار في المنزل وعدم مقاسمة الآخر لها أعباء حياتها الخاصة، فيصير الرجل خارج مؤسسة الأسرة محققاً ذاته بشكل كامل، وفي المقابل تظل لاغية لذاتها بشكل مطلق، وهنا يبدأ الصراع وتتمركز الأنثى حول ذاتها". أما الخطاب النسائي التنزيهي، فيرى أنّ "الوجود المادي الذي نحْياه ما هو إلا جزء من وجود آخر غير مرئي يشمله ويهمن عليه؛ بمعنى أن المرأة ليست مجرد كائن من كائنات الوجود، بل هي كائن مستخلف مكرم مشدود إلى مرجعية تتجاوزه، مرجعية تتنزه عن هذا العالم المادي، ما يجعلها معنية بتحقيق مصلحتها الدانية العاجلة بما يراعي صلاحها الأخروي".