إن الحق في الحياة الخاصة، والحق في الصورة، والحق في الإعلام، حقوق مترابطة ترابطا قويا، وذلك بالنظر للعلاقة الوثيقة بين الحق في الحياة الخاصة والحق في الصورة من جهة، ونظرا لهيمنة الإعلام ودوره في نقل الخبر، كتابة أو صورة، للمتلقي من جهة ثانية. والحق في الصورة اليوم هو في صلب العديد من النقاشات ذات الطابع القانوني، سواء من حيث الاعتراف بوجوده كحق جديد يضاف إلى طائفة الحقوق المعروفة في القانون، أو من حيث طريقة ممارسته، خاصة في ظل التطور الإلكتروني والتكنولوجي الذي لم يعد ينحصر في مجال معين، بل أصاب كافة مناحي الحياة. ولعل التقدم الذي شهده قطاع التصوير، وأدواته بشكل خاص، خلق نوعا جديدا من التحدي أمام الإنسان الذي يرغب في كل الأحوال أن تظل حياته الخاصة بعيدا عن أعين الآخرين وكاميرات المتطفلين، في الوقت الذي أصبح فيه من السهل التسلل إلى خصوصيات الفرد والاعتداء عليها بأساليب وطرق شتى، أهمها تصويره دون أن يشعر بذلك، ودون أن تشكل الموانع التقليدية من بعد المسافة أو إغلاق النوافذ أو ارتفاع الجدران عوائق أمام ذلك. وتعد الصورة انعكاسا لشخصية الإنسان ليس فقط في مظهرها المادي الجسماني، وإنما أيضا من خلال مظهرها المعنوي، لكونها تعكس مشاعره وعواطفه، ورغباته، بل ونزواته أيضا. فالصورة تعد بحق المرآة المعبرة في كثير من الأحيان عما يدور بخلد صاحبها. ومن المعلوم أن الحق في الصورة يعتبر عنصرا من عناصر الحياة الخاصة التي عملت التشريعات والقوانين على حمايتها، وهو النهج الذي سار عليه المشرع الدستوري حين ضمَّن هذه الحماية في دستور 2011؛ إذ نص في الفقرة الأولى من الفصل 24 على أن "لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة". وبالموازاة مع دسترة الحق في حماية الحياة الخاصة، عمل المشرع المغربي من جهة أخرى من خلال القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء على إضافة المادتين 447-1 و447-2 إلى مجموعة القانون الجنائي، اللتين تهدفان إلى حماية صورة الإنسان (صورة المرأة وصورة الرجل على حد سواء) من الاعتداء عليها. وفي خضم الانتشار الواسع لصور ومقاطع فيديو لرجال الأمن على منصات التواصل الاجتماعي وهم بصدد أدائهم لمهامهم، ثار نقاش قانوني مرتبط بحدود الحماية القانونية للحق في الصورة، وهو ما يطرح مجموعة من الإشكالات القانونية المرتبطة أساسا بمضمون الحق في الصورة والقيود التي ترد على الحق في الصورة، بمعنى الحالات التي يباح فيها التصوير دون مسؤولية. فإذا كان الحق في الصورة يعطي لصاحبه سلطة الاعتراض على إنتاج صورته أو نشرها، وبالتالي إمكانية لجوئه إلى القضاء لدفع أي اعتداء أو مساس بصورته بعد أن قررت عدد من التشريعات وأحكام القضاء حماية هذا الحق، وانعقاد المسؤولية القانونية (الجنائية والمدنية) بحق من يقوم بفعل المساس بصورة شخص ما دون إذنه، إلا أنه في بعض الحالات، ورغم عدم وجود إذن بالتصوير، فإن عملية التقاط الصور أو نشرها تصبح مباحة دون أدنى مسؤولية بحق من قام بهذا الفعل، وذلك إذا توافرت صفة العمومية. والعمومية صفة قد تلحق بالمكان، فيصبح التصوير في المكان العام مشروعا، أو هي صفة قد تلحق بالشخص عندما يكون من الشخصيات العامة والمعلومة فيكون أمر تصويره مباحا، أو قد تكون صفة العمومية تتعلق بحدث ما من حق العامة أن تشاهده. وفي هذا الإطار، سنحاول الحديث عن أهم الحالات التي يباح فيها التصوير، أي الاستثناءات التي ترد على القاعدة، وذلك في نقاط ثلاث: أولا: تصوير الأماكن العامة المكان العام هو المكان الذي يسمح للجمهور بالمرور فيه دون تمييز بصورة مطلقة أو دائمة، وبمفهوم المخالفة يمكن القول إن المكان الخاص هو كل مكان لا يكتسب صفة العمومية. والتعارض بين المكان الخاص والمكان العام يظهر خصوصا في موضوع الصورة، حيث إن الصور الملتقطة في مكان خاص ومن دون علم صاحبها أو الأشخاص المعنيين بها تعتبر جريمة، في حين إن الصورة التي تلتقط على هذا النحو في المكان العام لا تعد كذلك. فخروج الشخص إلى الأماكن العامة يعني موافقته ضمنا على نظرات الناس إليه، وحكم ذلك ينصرف إلى التصوير، فيصبح الشخص حكمه حكم كل ما يوجد من أشياء في الأماكن العامة من مبان وحدائق وشوارع وغيرها، فهذه الأشياء من حق الناس النظر إليها والتمتع بمناظرها وتصويرها، كما يجوز تصوير المتواجدين بها باعتبارهم من عناصرها دون أن يعد التصوير مسا بشخصية صاحب الصورة. ويأخذ حكم المكان العام التقاط صورة لمجموعة من الأشخاص في مكان عام، كالاحتفال الذي يقام في ساحة عامة أو المباراة الرياضية أو المهرجان الذي يقام في مكان مفتوح لحضور الجمهور، ومتاح للجميع مشاهدته ومتابعته، فهذه المناسبات لم يدع إليها الناس بصفة شخصية، وبالتالي يجوز التقاط الصور لهذه التجمعات ونشرها دون الحصول على رضاء جميع الأشخاص المتواجدين فيها. ثانيا: تصوير الوقائع العلنية والأحداث العامة يقصد بالحوادث "كل أمر عارض يقع خروجا على الوضع العادي الذي تسير عليه الحياة اليومية، ومن ثم يشكل بالقياس لهذا السير الرتيب للحياة تميزا وبروزا خاصا"، وهي علنية لأنها تقع في مكان عام. فإذا التقطت صورة لشخص بمناسبة حادث وقع في مكان عام، فإنه لا يجوز له الاعتراض على التقاطها أو نشرها دون رضائه، سواء كان لهذا الشخص علاقة بهذا الحادث كأن يكون ضحيته، أو المتسبب بوقوعه، أو مجرد شاهد عليه. ولا يشترط أن يكون صاحب الصورة قد ساهم في هذا الحدث عمدا، بل يكفي توافر علاقة ولو غير إرادية بينه وبين الحادث، فالذي تقع أمامه جريمة في مكان عام أو يكون ضحية لحادث دهس في الطريق لا يمكنه الاعتراض على تصويره أو نشر صورته بمناسبة هذا الحادث، وسواء كان ظهوره في الصورة بشكل ثانوي أو كان الموضوع الرئيس لها، فالمهم في الحادث أن يشكل أمرا طارئا وشيئا جديدا بالنسبة للمجرى العادي للحياة، بحيث يكون للجمهور حق في الإحاطة به ومعرفة ظروفه، ومن أمثلته المظاهرات وحوادث السير والكوارث الطبيعية. ثالثا: تصوير الشخصيات العامة يقصد بالشخصيات العامة، أو الشخصيات الرسمية، الأشخاص الذين يتولون وظائف عامة في الدولة، وبخاصة الوظائف السياسية، كرئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء وأعضاء البرلمان وغيرهم، إضافة إلى كل من يقوم بدور في تسيير الأمور العامة في الدولة. والسبب في إباحة تصوير ونشر صور هؤلاء الأشخاص دون إذنهم، أنهم يمارسون وظائف عامة، ويهم الجمهور معرفة أخبارهم وتصرفاتهم وأفكارهم، فوظائفهم لها تأثير على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن مصلحة العامة أن تطلع على نشاطهم العام، بل وأيضا العلم بكل عنصر في حياتهم الخاصة على اعتبار أن لذلك انعكاسا على نشاطهم العام، ولكن يشترط هنا عدم المساس بحياة هؤلاء الخاصة إلا بالقدر الذي يكون له تأثير على ممارسة الحياة العامة. ويندرج تحت زمرة الأشخاص العامين الذين يجوز التقاط صور لهم وهم بصدد مزاولة عملهم، رجال السلطة وأيضا رجال الأمن، ومرد ذلك إلى أن رجل السلطة ورجل الأمن يمارس وظيفة عمومية وأن طبيعة عمله وتدخلاته تجعل منه منخرطا في أحدات الساعة، وهو ما يبرر بموجب مبدأي حرية التعبير وحرية الإعلام التقاط أو تسجيل صورته ونشرها، وبالتالي ليس بإمكانه التعرض على ذلك. فمشروعية التقاط ونشر صور الشخصيات العمومية وحتى المشهورة لدى الجمهور، هو انسجام مع حق الجمهور في الإعلام. وعليه، فإن الحق في الإعلام يصلح كأساس لمشروعية التصوير والنشر، وهو أساس موضوعي قوامه المصلحة العامة للجمهور في الإعلام، فحماية الحق في الصورة على غرار حماية الحق في الحياة الخاصة ليست مطلقة بل ترد عليها قيود لصالح حق الجماعة في الإعلام. * طالب باحث بمركز دراسات الدكتوراه في العلوم القانونية والسياسية بكلية الحقوق بفاس