مرة أخرى يخلف الاتحاديون موعدهم في المصالحة مع الذات و مع التاريخ حين يجمعون على الانضمام لصفوف المعارضة بدل المشاركة في حكومة عبد الإله بن كيران الإسلامية. لا أقول هذا من منطلق حزبي مؤدلج ضيق لا يرى الحقيقة إلا كما يراها حزبه. منطق :من معي في الحزب فهو نور وهداية ،ومن ليس معي فهو ظلام وغواية. إخلاف إخوتي الاتحاديين مع الموعد هذه المرة منبعه المفارقة مع الحق والتيه مع معارضة لا تستمد شرعيتها بالمرة من الشعب. بل هي بطعم صناعة الإدارة والمخزن:البام. وتلك لعمري فرية لا نرضاها لرفاق لنا،جمعتنا وإياهم معارك مريرة ضد جبروت هذا المخزن وأعوانه بساحات النضال الجامعية والأزقة والحواري بمدن الريف وفاس وغيرها خلال ثمانينيات القرن الماضي و بقلعة ظهر المهراز العتيدة تحديدا..آمنا بما كانوا يومنون،وتقاسمنا الآلام والآمال في بناء وطن يسع الجميع ولا ينفر منه أحد . صحيح أن الاصطفاف في المعارضة حق مشروع لكل مناضل وحزب وجماعة وتنظيم لا يجد راحته في قيادة دفة الحكم إن هو بلغ . وصحيح أيضا أن مراجعة الأفكار ونقد الذات أمر محمود في كل مثقف عضوي ومنخرط سياسي ومناضل يحترم عقله. لكن ليس في كل مبضع جراح بلسم. وليس أية جرعة سم دواء لأي داء،كما أن ليس بالضرورة كل ملك أو رئيس دولة أو قائد حكومة أو حتى مسير بلدية أو جماعة قروية ،كبيرة كانت أو صغيرة هو بالضرورة مفلس نظريا ،رجعي بالمبدأ والميلاد .كما أن ليس كل معارض في البرلمان أو الشارع أوفي أي تنظيم، علني أو سري فهو تقدمي يستمد شرعيته من معارضته الصريحة أو المموهة..ومن هنا نرجع إلى القول فنؤكد أن لكل مرحلة خصوصيتها في نسج جماعة ما لأفكارها وفق المصلحة التي تقتضيها هذه المرحلة. على أن تحيق هذه الأفكار بمسار الجماعة وتاريخها ونضالها فتأخرها عن كسب المساحات النضالية والتغلغل الإيجابي في نفوس الأتباع المخلصين. وإذا سمح لي إخوة الاتحاد الاشتراكي أن أشاركهم هموم مرحلتهم الحالية المليئة بالمفاجآت غير السارة، والمعاكسة تماما لتطلعات المناضلين الشرفاء في هذه القلعة العتيدة ، فإني أرى والله أعلم أن قرار الخروج إلى المعارضة هذا التوقيت بالذات قرار يجانب الحكمة ويخالف الصواب للأسباب التالية: أولا:من المفترض أن يكون الاتحاد قد اتخذ مثل هذا القرار يوم دعا المناضل عبد الرحمان اليوسفي رفاقه، عقب اعتماد القصر إدريس جطو وزيرا أولا بعد استحقاقات 2003 التشريعية. الأمر الذي أغضب المجاهد الغيور عبد الرحمان اليوسفي فذكر ملك البلاد آنذاك بضرورة احترام الشرعية وإعادة إسناد رئاسة الحكومة له كما تقتضي أبجديات الدستورية.غير أن المتنفذين في المحيط الملكي آنذاك كان لهم رأي آخر، إذ بيتوا النية في استمرار محاصرة المخزن لكل بادرة طيبة في إصلاح البلاد والعباد في المغرب الأقصى ،وفي الوقت ذاته العمل على حماية مصالح ضيقة ليست هي بالضرورة مصلحة الوطن ..مما حذا بهم الذهاب بعيدا في توظيف الغطرسة المخزنية لصالح فئة قليلة من الناس، في حين تمت التضحية بمن كان له الفضل في عبور سفينة المخزن من خلال دفة الاتحاديين إلى شاطئ الأمان ودفعه إلى "التقاعد السياسي"غصبا عنه.. في هذا الوقت كان خروج الاتحاد من ربقة المخزن وعودته إلى صفوف المعارضة أمرا ذا جدوى وفعالية كبيرة. فالقيادة الكاريزمية لعبد الرحمان اليوسفي كانت ستلعب دور الحامي للبيت الاتحادي من عوامل التعرية المختلفة والتفتت الذاتي المتسارع. ولمطلب اليوسفي في تلك المرحلة بالخروج من حكومة إدريس جطو نم عن حكمة بالغة لم يفقهها- ويا للأسف- رفاق له ،لا لشيء سوى أنهم ذاقو طعم المناصب فعميت أبصارهم وطمست قلوبهم فذهبت بهم مذاهب شتى. والمنصب طامة كبرى ما لم يحكم المرء فؤاده واستفتاه في الذي بين يديه، أهو خير له في دينه ودنياه أم هو شر له في الحال والمآل.وتلك حكمة بالغة فاتت إخوة اليوسفي في تجربة المناصب جراء الانبهار بالسلطة والمال والجاه. رفاق اليوسفي الذين شقوا عصا الطاعة وركبوا سفينة جطو بلا إسم ولا عنوان فساندوه حتى الرمق الأخير،ثم بعدها حكومة عباس الفاسي المهادنة والخاضعة للإملاءات الخارجية،خارجة النفوذ الحكومي..هؤلاء هم الذين يتحملون وزر ما بلغه الحزب الآن من تصدع وفقدان للهوية والمعنى .. الخروج اليوم إلى المعارضة قصد بناء الحزب وإعادة التوهج يجعل من رفاق عبد الواحد الراضي ملزمين بالانضمام إلى "أحزاب إدارية"،أوراقها محروقة ووجوهها منبوذة من لدن الشعب المغربي قاطبة . حركات شبابية رفعت أصواتها صداحة في كل الخرجات مطالبة برحيلها ،رافعة صور "زعماء "هذه الأحزاب "الاستئصالية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من صياغة مغرب على طريقة البنعلية التونسية المذمومة والبشارية السورية القبيحة.. فالمعارضة التي ينوي حزب الاتحاد الاشتراكي تبنيها داخل البرلمان وخارجه ستقوده بالضرورة إلى تبني موقف البام والأحرار ومن دار في فلكهما ، مادام لم يعد في ساحة المعارضة غيرهما ،وهذان حزبان- ويا للأسف الشديد- من صنيعة الإدارة المخزنية.. أحزاب طالما حاربها مناضلو الاتحاد ومعهم كل شرفاء بقية الأحزاب الوطنية التاريخية المشروعة.فليس بهذا التحالف في اعتقادي سيتمكن الاتحاد الاشتراكي من تحقيق كسب ميداني وسياسي يؤهله للرجوع إلى مواقع القرار. ثانيا:اجتناب الحكمة في هذه الخرجة وبهذا التوقيت بالذات يكمن في نظرنا أيضا في عدم المقاربة الصحيحة بين واقعين موضوعين مختلفين من حيث الحراك السياسي العام: واقع منتهي الصلاحية والدلالة هو واقع موت الرموز القديمة الموروثة عن حقبة الحرب الباردة وما صاحبها. وواقع جنيني النشأة،حديث عهد بالخروج إلى عالم الانخراط السياسي، لكن بعنفوان متجدد في التعاطي مع اللحظة الجديدة من تاريخ الأمة العربية جمعاء وليس المغرب فحسب، وهو واقع الربيع العربي المتغير والمتجدد. الخروج إلى المعارضة في هذا الوقت كأنما يريد القول بأن الاتحاديين مصرون على السير في الاتجاه المعاكس للتغيير.فكل المؤشرات توحي بضرورة تجديد النخب والأفكار والإستراتيجيات لنفسها ، وتستجيب لهذا التغيير، إلا الاتحاد الاشتراكي المغربي. والحال أن المرحلة التي بلغ فيها إخوة بن كيران ،أسوة بالحراك العام العربي في تونس وليبيا ومصر وفي الطريق سورية واليمن،وصول إخوة بن كيران إلى سدة الحكم لهي في العمق لحظة التجديد المنشودة التي قد تعود على الحزب الاشتراكي بكثير منفعة. فمن جهة سيضمنون-أي الاتحاديون الاشتراكيون- العمل ضمن مجوعة بشرية مشهود لها بنقاء الذمة وصفاء اليد من المال الحرام وصرامة العمل وجدية اتخاذ القرار وحماية الوزير من البهدلة التي كانت على عهد عباس الفاسي ،والذي كان يتلقى تعليمات محرجة من المحيط الملكي بمنطق لا يمت بالدستور بصلة. فالتصريح الذي أدلى به بن كيران للصحافة الدولية مطمئن جدا إذ تعهد باحترام الاختصاصات وتفعيل الدستور .وأكد أيضا أن زمن البهدلة والتسيير والتحكم عن بعد قد ولى . ومن جهة أخرى لا يخلو الاتحاد الاشتراكي من طاقات بشرية مؤهلة، تنتظر الضوء الأخضر فحسب للعمل في مناخ نظيف في حكومة عبد الإله ،شريطة أن يقطع الحزب على نفسه حبل الصرة الموصول بالوجوه المحروقة سياسيا ،والتي أضرت كثيرا بتاريخ الحزب وفي المقابل على الاتحاد ايصال "الوجوه الطرية الندية"ذات القبول الحسن عند المواطن الكريم. شباب يعرفهم إخوة بن كيران ويومنون بالعمل معهم جنبا إلى جنب. معهم سابق مودة ومعرفة ولقاءات في مناظرات فكرية ،وتقارب في الرؤى والأفكار حتى وإن اختلفت الإيديولوجيات . وهؤلاء في الاتحاد كثير. هذا الأمر ليس من شأنه إلا العودة بالحزب ومشروعه إلى مكانته وريادته المجتمعية. وفي خاتمة هذا الكلام نقول بملء الفم إن قواعد الاتحاد الاشتراكي ليست في حاجة البتة لكي تتوارى وتختفي عن الأنظار والتموقع في زاوية ضيقة تنحشر مع أشباه المناضلين والانتهازيين بشكل لا يليق ومكانتهم التاريخية، بحجة بناء الحزب وإعادة توهجه،بقدر ما هي في حاجة ماسة لثورة حقيقية داخلية، تطرد النحس والمنحوسين وتطهر الحزب منهم ومن أفعالهم الشريرة. وبداية الطريق دفع شيوخ الحزب المترهين إلى التقاعد قسرا وفورا ،والانصراف غير مأسوف عليهم ولا هم يحزنون...