يجب أن تكون جد محظوظ ويجب أن تكون بارًا ( مرضي الوالدين ) لكي تتحالف لخدمتك كل الظروف من تواريخ وقرارات وتأتي لك كل الرياح كما تشتهي سفينتك. تلكم هي حالة رئيس الحكومة المعين السيد عبد الإله بنكيران. فلم يلبث الرجل أن خطى أول خطوة ( مغامرة ) في دنيا السلطة حتى بدأت الهدايا تتقاطر عليه من كل حدب وصوب .. وما زال كيس بابا عيشور يحمل الكثير. كيف لا ؟ وهو الذي تحول في لحظة من مجرد رجل ثان في حزب العدالة والتنمية إلى أمين عام بتزكية دون الأغلبية. ( لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ) كيف لا ؟ وهو الذي وقف في وجه حركة عشرين فبراير معارضا ثم عاد وقطف ثمار نضال شبابها باسم الديموقراطية. كيف لا يكون محظوظا ؟ وهو الذي يتولى رئاسة الحكومة بأغلبية خجولة تتجاوز 25% بقليل وبمقاطعة شعبية تركته وحيدا في الميدان بدون منافس. كيف لا يكون محظوظا ؟ وهو الذي رفع سبابته مطالبا بمحاربة الفساد وملاحقة المفسدين فتساوت أوتار نداءاته مع شعارات الربيع العربي (عرف كيفاش يساوي الوترة ). ربيع عربي وفر عليه عناء الجهد الكثير لإقناع الشارع ببعض التغيير ما دام كل التغيير بعيد المنال .. و " ما لا يدرك كله لا يترك جله " أي بالعامية المغربية ( اللهم العمش ولا العمى ). ثم تأتي أم الهدايا ، بتعيين الملك لفؤاد عالي الهمة مستشارا له .. وكأن مضمون الرسالة يقول - خذ مزيدا من الشرعية يا سيد بنكيران و متن دعائم شعبيتك ، تصالح مع حركة 20 فبراير فكلاكما تطالبان برحيل الهمة وانت أكثر من طالب برحيله عن المشهد السياسي ولعل تعيينه مستشارا للملك يجعلك أكثر قربا من مطلب فئة واسعة من الشعب. !!؟؟ نعم الشعب الشعب الذي لم يتمكن السيد بنكيران من الوقوف في صفه ولم يقوى على التشبث بمطالبه وعلى رأسها النضال من أجل صياغة مسطرة إنتخابية تضمن تمثيلا حقيقيا لصوت الناخب . تمثيل لا مجال فيه لتقطيع إنتخابي تحوم حوله الشكوك ويستحيل معه وجود أغلبية ( 51% ) ولا يسمح بمعارضة متجانسة لاتغير قميصها بتغير أحوال الطقس. لقد رأى البعض في هذا التعيين " صفعة " للسيد رئيس الحكومة .. لكنني أكاد أجزم بأنه أكبرهدية للسيد بنكيران، الذي طالما علق على شماعة فؤاد عالي الهمة كل الإنتكاسات وكأن تاريخ المغرب بدأ بميلاد الهمة .. وكأنه لا توجد بالمغرب قطيعة طبقية بين فئة توارثت الفرص والنجاحات وأخرى أصبح الإحباط مرادفا لها. ولعل تكريس الإعتقاد بأن المعضلة هي معضلة أشخاص أمر فيه الكثير من التعدي على منظومة الصراع الطبقي والحراك الإجتماعي الذي يعرفه المغرب منذ (نهاية) الحكم الفرنسي وأقصد المباشر للمغرب. ولو كان السؤال في آداء الأشخاص لما طرح المشكل فهناك أناس على قدر كبير من الإخلاص للمغرب ومع ذلك لم يتمكنوا من إخراج البلد من براثن التخلف والفقر وسلطة الفساد . . وهنا يطرح السؤال هل مقاربة الأشخاص هي السبيل الأنجع أم النظر بشكل شمولي لكل مقومات الدولة والنظام والمجتمع.؟ قد يقول قائل : من حق الملك أن يعين من يريد مستشارا له .. مستشار يحضر مجلس الوزراء ( صامتا ) ويرفع ملاحظاته للملك .. وفي بعض الأحيان قد يبلغ الحكومة ( بتكليف من الملك طبعا ) رسالة أو توجيها. وانا أقول : كل هذا بات من حق السيد عالي الهمة ممارسته اليوم بصورة شرعية ودون غمز أو لمز، وهو الذي كان وإلى أمس قريب محط كل الأنظار. بل وذهبت بعض التكهنات ( قبل هبوب نسيم الربيع العربي ) إلى التأكيد بأنه سيتولى منصب الوزير الأول بعد أن ينتهي من ( ضميس الكارتاالحزبية ) دمج كل الأحزاب تحت عباءة الأصالة والمعاصرة أو (حزب الأحزاب). فهل يحق للسيد رئيس الحكومة تكرار نداءاته السابقة بتنحيته ؟؟ أم يجوز القول أن الخلاف بين بنكيران وعالي الهمة تحول ( بقدرة قادر) إلى خلاف بين رئيس الحكومة ومستشار الملك ؟! أو لعل الخلاف لم يك له وجود أصلا ؟ فالهمة لم يستجب في لحظة ما لأية دعوة للمواجهة بل حافظ على هدوءه بذكاء غريب بل و توارى في انتظار مرور الأمواج وهدوء العاصفة لم يكلف نفسه عناء الرد على السيد بنكيران . وقد تمكن عبر ذلك من توطيد ثقة الملك فيه واثبت له انه سياسي يتقن فهم منطق المرحلة وقادر على التأقلم معها. فليس تعيينه بخسارة له أو إنتقاص بقدره ما هو مكسب لكل الأطراف فالملك بهذا التعيين يقطع الطريق على كل محاولة للمس بخصوصيات إدارة مؤسسته. ويضع خطا شديد الإحمرار ومفاد رسالته هو .. أنا من يعين دستوريا وانا من يملك حق تعيين من أريد فيما يتموقع عالي الهمة في منصب، هو أعلى ما حصل عليه على مدى عقوده الخمسة. منصب يستقبله ولسان حاله يقول : الذكي من يضحك في الأخير .. أما السيد بنكيران فإن منطق الأمور يقول أن تعيين الملك للهمة في هذا المنصب يصب في مصلحته على مستويين أساسيين: - فإما ان يُفهم هذا التعيين ، شعبيا ، بأنه إقصاء للهمة من الحياة العامة و إستجابة لنداءاته هو وبعض المتمرنين من الشباب في حزبه. ويصبح من حق السيد بنكيران أن يفتخر بأنه دفع لإخراج فؤاد عالي الهمة من المشهد السياسي المغربي والتذرع بأن تعيينه من قبل الملك أمر لا يخصه ولا يملك منعه. - أو أن يُفهم هذا التعيين بأنه جاء ضدا على رغبة السيد بنكيران وبالتالي يكرس مشهدا سياسيا مغربيا مزدوجا .( شدلي نقطع ليك ). يتقمص فيه السيد بنكيران دور دونكيشوت و إبن الشعب وبطله الطيب ، الملتحي، المعتدل الذي يواجه سلطة المخزن وأعوانه . البطل الذي يختزل على طرف لسانه كل مطالب الشعب وتطلعاته. إن الخطة اليوم - من وجهة نظري وقد أكون مخطأ - تقتضي تمهيد الطريق للسيد بنكيران وتلميع صورته لتمكينه من إمتصاص الغضب الشعبي وتحويله وحزبه إلى شراع يميل بذكاء ويساير غضب الشارع ويمنع إنصياعه لتيارات راديكالية أقل مرونة في التعاطي مع مؤسسة القصر والملكية. وبات من الملح أن يُمنح السيد بنكيران ما يكفي من المصداقية والتعاطف الشعبي لمفاوضة أو مواجهة خصومه العقائديين والسياسيين و على رأسهم ( العدل والإحسان ). وقد بدات أولى إشارات السخاء تظهر بجلاء عبر نداءات للحوار مع حركة 20 فبراير و إطلاق سراح عضو من العدل والإحسان بل وحتى مغازلات مبطنة مع تيارات سلفية. أما يحق لأي منا أن يستفسر السيد بنكيران عن سبب الإستعجال في إقصاء الأصالة والمعاصرة من أي تحالف حتى قبل ظهور نتائج الإنتخابات .. وقد كان حليفا له في السابق ؟! هل يعقل أن يفعل ذلك سياسي محنك .. ؟! ماذا لو تمكن الأصالة والمعارصة اليوم من خلق تحالفات في المعارضة لربما تتجاوز في وزنها نسبة 25 % التي حصلت عليها العدالة والتنمية ؟ إنك لا تقفل الأبواب في وجهك إذ السياسة مرونة .. اللهم إذا كنت تعرف مسبقا أشياء لا يعرفها الناخبون وغير مكشوفة للإعلام ( شويا ديال الرزانا .. راه لي زربو ماتو ) وأخيرا اود التأكيد أن أصعب الأدوار التي يمكن أن تسند لأي سياسي هي تحويله إلى كيس ملاكمة لتلقي الضربات .. ولا أستغرب أن يكون فؤاد عالي الهمة على إستعداد للعب هذا الدور مهما كان ذلك محرجا .. إذ لا زلت على يقين بأن الرجل يسير وفق مخطط مدروس ولا يتحرك عبثا. وإن أخطر الأدوار واكثرها إرباكا في الحياة العامة هو أن تكون ربان سفينة لا تتحكم في مقودها بالكامل ، فيتحول دورك من ربان إلى شراع.مهمته إعتراض العواصف والرياح وأحيانا محاولة ترويضها. وشتان بين هذه الوظيفة ووظيفة رئيس الحكومة. لزيارة موقع الكاتب أضف الكاتب على الفايسبوك