في مكتبه بالمستشفى الجامعي بحي منهاتن بمدينة نيويورك، استقبلت جريدة هسبريس الإلكترونية من طرف العالم المغربي الدكتور علال بوتجنكوت، الخبير العالمي المتخصص في الأمراض التي تصيب الدماغ؛ ومنها الزهايمر. البروفيسور بوتجنكوت ابن مدينة الخميسات، مزداد سنة 1965، خريج جامعة محمد الخامس وحاصل على دكتوراه الدولة من كلية الطب ببروكسيل في الزهايمر (Alzheimer) ومرض باركينسون (Parkinson)، ويشتغل حاليا بالمستشفى الجامعي بنيويورك أستاذا مبرزا في قسم الأعصاب في علم الخلايا ومديرا رئيسا لقسم الأمراض التي تصيب الدماغ واكتشاف الأدوية. لا يمل بوتجنكوت البحث في تطوير وتجديد العلاجات الخاصة بالأمراض التي تصيب الدماغ، وخصوصا الزهايمر الذي يعتبره من بين أخطر الأمراض الذي تصيب الإنسان، همه اليومي هو تطوير اللقاحات والقيام بالتجارب المخبرية إلى جانب البروفيسور Thomas wisniewski من أجل التوصل إلى أدوية لهذا المرض. حاضر في كل المؤتمرات العلمية والملتقيات الدولية التي تناقش هذا المرض من أجل تبادل التجارب وتقديم آخر اكتشافاته. في هذا الحوار، يحدثنا الدكتور علال عن آخر المستجدات التي عرفتها الاكتشافات المتعلقة باللقاحات ضد الزهايمر، ويطلعنا عن جديد اللقاحين اللذين توصل إليهما بمعية فريق علمي عالمي بخصوص هذا الداء، ويدلي برأيه في وضعية هذا المرض بالمغرب. في رأيكم أين وصلت الأبحاث العلمية من أجل محاصرة مرض الزهايمر؟ جوابا على هذا السؤال، فيما يخص الاكتشافات العلمية المتعلقة بمرض الزهايمر، أقول إنها جد متقدمة وكل الأكاديميات التي تقوم بالأبحاث العلمية بخصوص هذا المرض تقدم نتائجها في مؤتمر عالمي لمرض الزهايمر يقام سنويا في إحدى الدول ويحضره أزيد من 6000 مختص وباحث في المجال، وهناك يتم استعراض أهم ما توصل إليه العلم والعلماء وفرق البحث العلمية التي تشتغل على المرض وعلى اللقاحات والأدوية وكل ما يتعلق بجديده. والواضح أنه تم إحراز تقدم كبير في النتائج العلمية وتم التوصل إلى اكتشافات مهمة، والمهم أن هناك بعض الأدوية التي تجاوزت مرحلة التجريب على بعض الحيوانات الحاملة لمرض الزهايمر وانتقلت إلى مرحلة التجارب السريرية على الإنسان، ومنها ما تجاوز المرحلة الأولى وبلغ المرحلة الثانية والثالثة. وتجدر الإشارة إلى أنه كانت هناك ثلاثة أدوية لبعض شركات الصيدلة سقطت من التجربة السريرية وتم إيقافها نظرا لأنها لم تسفر عن النتائج المتوخاة، لأنه بإمكانها أن تقلل من التأثير المرضي للزهايمر على مخ الإنسان لكنها لا يمكن أن تعيد للمريض ذاكرته، خصوصا أن هناك أدوية أعطيت لمرضى في المرحلة السريرية وتسببت لهم في التهابات حادة أدى بعضها إلى وفيات بسبب ما رافقها من أعراض جانبية، وبالتالي تم توقيفها، بالإضافة إلى أنها تسببت في خسارة مالية كبيرة وصلت إلى اثنين بليون دولار. لكن الآن هناك أدوية ولقاحات تلعب دورا محوريا في العلاج لتصبح حلا ناجعا في المستقبل، خصوصا أن هذا المرض يصيب منطقة في المخ معروف أنها يصعب الوصول إليها ومن الصعب فهم تركيبتها العصبية وضبط الجهات التي يجب الاشتغال عليها. وحقيقة هناك اجتهادات علمية مهمة في هذا الميدان. هل يمكن أن تحدثنا عن اللقاح الذي ساهمتم في اكتشافه هنا في المستشفى الجامعي لنيويورك؟ فيما يخص المستشفى الجامعي لمدينة نيويورك الذي أشتغل فيه في إطار فريق علمي، فقد توصلنا إلى نتائج مهمة بخصوص الزهايمر وكذلك أمراض أخرى، واستطعنا إنتاج أول لقاح عالمي نجح على مستوى المرحلة الأولى، أي التجريب الحيواني، وكنا العلماء الأربعة الأوائل الذين توصلوا إلى هذا اللقاح بطريقة "Active immunization"، ونشر على المستوى العالمي. بعدها، تمكنا من تطوير لقاح ثان بطريقة "Passive immunization"، وهو كذلك الأول في العالم. قمنا به في إطار مجموعة من أربعة علماء. وأنتجنا مجموعة من اللقاحات الأخرى ضد العلامة نفسها "البروتين tau"، ونريد الآن القيام بتقييم لها لاختيار الأفضل والأحسن منها للمرور إلى المرحلة التالية، أي التجربة السريرية دون أن تنتج عنها أعراض جانبية. اللقاح الأول كان يركز على البروتين "Protein tau" وهو من العلامات التي يتميز بها الزهايمر، وهي أخطرها لأن المرضى الذين يصابون بالأمراض العقلية تكون عندهم هذه الحبائك مكونة من "Protein tau" قد تتحول إلى ترسبات وتكون سامة وقد تتسبب في قتل الخلايا المجاورة لها، وقد أعددنا لقاحا ضد هذا "البروتين tau" ولكن بطريقة جديدة. وهذا اللقاح هو صالح ليس فقط للزهايمر وإنما للعديد من الأمراض التي تصيب الدماغ، وقد قدمته بمعية البروفسور Thomas wisniewski في المؤتمر العالمي لمرض الزهايمر بشيكاغو سنة 2018، وكان لا بد من الحفاظ على الاختراع وحمايته؛ لذا تقدمنا بطلب براءة الاختراع ونلناها وهي منشورة بالموقع الإلكتروني المتخصص في هذا المجال والحمد لله، هذا اللقاح يمكن أن يمس خمسة أمراض، وقد سبق وقمنا بتجارب على الحيوانات الحاملة لمرض الزهايمر وقد أعطى نتائج أولية مهمة، والآن نشتغل على "Frontotemporal dementia" (الخرف الجبهي الصدعي)، ونشتغل كذلك على "Traumatic brain injury" (إصابات في الدماغ)، وكذلك نعمل من أجل إظهار فاعلية عمل اللقاح، وكل اللقاحات التي قدمناها في المنشورات العلمية من قبل تمت إعادتها والتأكد منها من طرف مجموعة من العلماء وشركات الصيدلة، وتوصلوا إلى النتائج نفسها. فيما يخص اللقاح الثاني الذي اشتغلنا عليه بالمشاركة مع المؤسسة الملكية للتكنولوجيا بالسويد، فقد ركزنا على العلامة الثانية للزهايمر المسماة "les plaques seniles" (لويحات الشيخوخة)، حيث تم تجريب اللقاح الثاني (Affibody) على الحيوانات الحاملة لمرض الزهايمر، وقد سبق كذلك لمجموعة علمية أخرى تجريبه على الحيوانات الحاملة للسرطان وأعطى نتائج مهمة وحسنة. وبالنسبة لتجربته على الزهايمر، فقد تم نشر نتائج هذا البحث في إحدى المجلات العلمية المتخصصة وموجود بالموقع الإلكتروني للمكتبة الطبية العالمية التي تنشر فيها كل الأبحاث العالمية ويمكن الاطلاع عليه. هذه بعض من اللقاحات التي نشتغل عليها من أجل الوصول إلى علاج لهذا المرض في المستقبل. ماهي قراءتكم لوضعية مرض الزهايمر بالمغرب؟ بخصوص المغرب، هناك مشكل مع الإحصائيات؛ فنحن لا نعرف عدد المصابين بمرض الزهايمر، خصوصا أن بلادنا ليس فيها مركز لتجميع وإحصاء المرضى، وليس هناك أي شيء منشور في المجلات العلمية بخصوص وضعية هذا المرض. والمؤسف أن معظم الناس يتخبطون في هذا المشكل، وقد سبق أن صرحت بأنه يجب إعادة النظر في طريقة التعامل مع هذا المرض لأن هناك 60 إلى 65 في المائة من الذين يعانون من أمراض عقلية سببها الزهايمر، فضلا عن أن الذين يعانون من مرض السكري أو ارتفاع الضغط الدموي أو ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم قد يصابون بالزهايمر في حالة عدم تتبعهم للأدوية المقدمة لهم من الطبيب المختص. كذلك، ضروري أن يقوم الأطباء بتوعية الناس بضرورة الالتزام بتناول الأدوية باعتبارها الحل الأنجع قبل الوصول إلى مرحلة الإصابة بالمرض. أما بالنسبة لمرضى بالزهايمر، فمنهم من يصاب بالمرض قبل بلوغه سن الستين، وهو عادة يكون وراثيا، وأصغر سن هو 28 سنة. والذين هم في سن 65 سنة فما فوق، فمن الممكن أن يتعرضوا للإصابة بالزهايمر في أي وقت ممكن، وقد يصيب أي شخص. وبالتالي، على وزارة الصحة والجهات المختصة تحسيس كل من يتعامل مع هؤلاء المرضى، خصوصا عائلاتهم، بوضعيتهم الخاصة، والحرص على ضرورة توعيتهم بنوعية نظامهم الغذائي لتنمية خلاليا الدماغ، وليس فقط الاكتفاء بالدواء. كما أن هناك الإرهاق الذي يصيب عائلة المرضى الذين يجب دعمهم ماديا ومعنويا، ومواكبتهم بالتوعية والمتابعة النفسية.