لم تكن شخصية "مولاي عابد" التي جسدها ياسين أحجام في الملحمة التراثية "الدويبة" لسيدة الحكي فاطمة بوبكدي، ولا شخصية "سحت الليل" في مسلسل "رمانة وبرطال" وغيرها من الأدوار، هي وحدها من صنع شهرته، بقدر ما كان الفنان يراكم التجارب الفنية والأدوار المتتالية لذلك الشاب المغربي الذي أتقن كافة أدواره الفنية. لكنه أبى إلا أن يطور أداءه ليتجاوز الفني ويلامس السياسي على اعتبار أن الفنان ملزم بأن يكون له دور سياسي يساهم به في رقي المجتمع والنهوض به، كما جاء على لسانه في هذا الحوار. وانطلاقا من هذه القناعة، اختار أحجام الانضمام إلى صفوف حزب العدالة والتنمية ليترشح تحت مظلته في لائحة الشباب، ويكون بالتالي أول ممثل مغربي يفوز بمقعد بمجلس النواب. ياسين أحجام، الذي انتخب مؤخرا كأول ممثل مغربي يفوز بمقعد بمجلس النوّاب،هو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية والتنشيط الثقافي، الذي قدم أزيد من ثمانين عملا فنيا، موزعا بين التلفزيون و السينما و المسرح، وطنيا عربيا و دوليا، الحاصل على العديد من الجوائز محليا وخارجيا، في حوار مع ل"هسبريس" يتحدث عن دوره السياسي الجديد. بعد أن وصلت لقبة البرلمان، ما هي التحديات التي تواجهك، وتواجه حزب العدالة والتنمية في ظل فوضى الأحداث وفوضى المنظومة الثقافية التي كنا نعتبرها خط الدفاع الأول بين ما هو رافد وقام من الخارج وبين فساد الداخل وبين العبث والفوضى والتدني، والإباحية الموجودة بكثرة في الأعمال السينمائية المغربية؟ التحدي الذي أمامي، وأمام الحزب الذي انتمي إليه، هو كيف نجعل الثقافة في خدمة التنمية البشرية، كيف نجعل الفنون خدمة عمومية تدخل في صلب الحياة اليومية للشباب، وتحميه من السقوط في منزلق التطرف والمغالاة والتشدد، أو من جهة أخرى من الانحراف و الضياع، والتشتت الذي ينعكس سلبا على المجتمع ككل. من الممكن استثمار الثقافة، والفن والإبداع، لبناء شخصية مغربية متوازنة راقية متحضرة، لا تنظر إلى المشاكل من نفس الزاوية، بل بزوايا متعددة، وهذا طبعا لن يتحقق إلا بإدماج الثقافة الفنية في التعليم الوطني، وفي مستوياته الأولى، حتى تكون للمواطن القدرة على التحليل والنقد العلمي للأعمال الإبداعية، بعيدا عن الأحكام القيمية والجاهزة السهلة، التي تقيد العقل المغربي، وتمنعه من التفكير والابتكار، وقد وصلنا إلى درجة خطيرة من الوعي المتدني، حتى أصبحنا نسمع أفكار تعتبر المسرح مثلا لا صلة له بالثقافة والفكر، وهذا شيء خطير يجب تداركه. واليوم، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، مازلنا نناقش أمورا بديهية مثل هاته، فالفن المسرحي تاريخيا، كان ولا زال منبرا للفكر الإنساني، ومصدرا للشعر والفلسفة، ومزودا أساسيا لعلم الاجتماع، وبه يقاس تقدم الأمم وتطور شعوبها، كما يضم فنونا تعبيرية أرخت للحضارات الإنسانية، مثل الرسم التشكيلي، والنحت والموسيقى والرقص، يجب على الدولة الاهتمام بالمواطن المغربي، وتكوينه وتهذيب ذوقه، وتأهيله فكريا وفنيا وثقافيا ورياضيا، ليكون باستطاعته أن يعمل و ينتج بشكل إيجابي. خلاصة القول، لا نريد فقط الاستثمار في الإسمنت بل في المواطن أيضا. أما بخصوص الإباحية، فهذه الكلمة غير موجودة بتاتا في لغة النقد العلمي الجمالي، ولا في القاموس الأكاديمي للفن، فلكي تنتقد عملا سينمائيا معينا، وجب أن تكون متمكنا من لغة النقد السينمائي، وتتناول العناصر المؤلفة للمشهد السينمائي، من إضاءة و ديكور و ملابس و تشخيص و سيناريو... دون السقوط في الأحكام الأخلاقية، فمثلا إذا أخذنا مشهدا سينمائيا فيه جرأة كبيرة و خلاعة ملحوظة تخدش السمع و النظر، و لم يكن مثلا هذا المشهد مبررا دراميا وغير موظف توظيفا جيدا في الحبكة، وتميز بالإقحام المجاني، يمكن أن نقول انه مشهد فقير سينمائيا دون أن نسقط في كلمات من نوع العري والميوعة التي لها مدلول قيمي أخلاقي جاهز يضمن الدعاية والإشهار المجاني للمخرج والمنتج. كيف ترى التغيرات التي يمكن أن تحدث في خريطة السينما المغربية بعد وصول الإسلاميين للحكم في المغرب؟ أنا ضد تسمية حزب العدالة والتنمية بالحزب الإسلامي، لأن في المغرب لا تؤسس الأحزاب انطلاقا من الدين أو العرق، وكون الحزب يعتمد المرجعية الإسلامية المعتدلة الحديثة المتجاوبة مع روح العصر، وتطور المجتمع المغربي، لا يعني بالضرورة وصفه بالحزب الإسلامي، والحال أن كل الأحزاب المغربية تعيش في دولة هي إسلامية في دستورها، بحيث دافعت بشدة عن هذا المنطلق في الدستور الأخير. الجهة الوحيدة المخول لها التحدث باسم الدين هو ملك البلاد باعتباره أميرا للمؤمنين، و ذلك درءا للفتنة والطائفية والمزايدات السياسية، أما مسألة تدخل الحزب الذي يترأس الحكومة الآن في الأعمال السينمائية والتحكم في اختيارات المخرجين ومواضيعهم، فهي غير واردة بتاتا لأنها تدخل في إطار الحريات العامة للمغاربة، ولا يمكن التراجع عن هذه المكتسبات، فالحرية والإبداع وجهان لعملة واحدة و لا يمكن فصلهما عن بعض، التحكم في الإبداع هو تصرف لا يمت بصلة إلى الديمقراطية الحقيقة التي تنشد الحرية والتعدد الثقافي الفكري. هل وصول العدالة والتنمية للحكم وسيطرته على البرلمان سيدفعهم لإحاطة الفن بالقيود؟ لا يمكن قمع الفن نهائيا، بل إن الفن عبر التاريخ انتعش بمهاجمته للسلطة والقيم النمطية السائدة في المجتمع، الفن بطبيعته متمرد و مزعج لرجل السياسة بصفة عامة سواء كان إسلاميا أو يساريا أو ليبراليا، الفن مثلا في فرنسا هو الذي مهد للثورة عن طريق المسرح والرسم التشكيلي، وهو الذي حقق الإقلاع الحضاري في أوربا إبان القرن الثامن عشر، لقد استطاع رجل السياسة في المغرب بدهائه ومكره أن يحصر دور الفنان كأداة للتهريج و الترفيه حتى لا يزاحمه يوما في مشاركته لصنع القرار السياسي، وحزب 'البي جي دي'' كسر هذه القاعدة، ورشح ممثلا في لائحته الوطنية، فكان حدثا غير مسبوق، بجانب ترشيح المغنية الأمازيغية "تبعمرانت" في حزب التجمع الوطني للأحرار. هل يجب على الفنان أن يكون له دور في الحياة السياسية وله قضية سياسية يدافع عنها؟ أم يكتفي بما يقدمه من فن دون الانغماس في اللعبة السياسية؟ لا نجد هذا السؤال موجودا بهذه البداهة إلا في بلادنا العزيزة. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا (للذين يحبون المقارنة)، من العيب أن تجد نجما سينمائيا لا يعلن انتمائه السياسي، وخصوصا في الحملة الانتخابية. بل هناك من يمول ماديا ومعنويا مرشحه المفضل، أو يترشح هو بنفسه، مثل ما فعل "ارلوند شوانزينكر" أو "رونالد ريغان"، لأن هذا يدخل في صميم وروح الديمقراطية، التي تقتضي انخراط كل مكونات المجتمع في اختيار من سيمثلهم، ويتحدث باسمهم. ألا تتفق معي في أن الفنان حين يكون صاحب موقف سياسي من خلال أعماله، التي تكون بشكل معلن وصريح، سوف يخسر الطرف الآخر، ويخسر الناس الذين يحبونه والقاعدة الجماهيرية التي صنعها؟ العمل الفني، سواء كان فيلما سينمائيا أو عرضا مسرحيا أو لوحة تشكيلية، هو رؤية منبثقة من المجتمع، هو صيحة إنسانية بدون مساحيق بدون إيديولوجيات، والعمل الفني يتجاوز التوجيه والوصاية والوعظ والإرشاد والتلقين، وليس بالضرورة أن يكون للمبدع رسالة اجتماعية إصلاحية كما يحلو للبعض أن يحملوه هذه المسؤولية، المبدع قد يحمل أفكارا قد تكون متصالحة مع ما يريده المجتمع، كما قد يكون هذا المبدع ثائرا على قيم المجتمع السائدة، ويمكن أن عمله الفني صدمة كبرى لما هو متعارف عليه اجتماعيا و فكريا، الفن ليس بالضرورة مهادنا دائما لذوق المتلقي فقد يخلخل قناعاته في بعض الأحيان، وإذا أخذنا مثلا ممارسة فنان معين للسياسة، فيجب أن نفرق هنا بين ممارسته كشخص للسياسة، التي لها منطقها وأسلوبها ومنهجها، وممارسته للفن، الذي له تصوره الخاص المتجرد من السياق البرغماتي الاديولوجي السياسي، وهذا هو سحر الإبداع و جمالياته المتحررة من التحكم والرقابة. يتحدث البعض على أن الممثلين الذين ينتقلون للإخراج هم طارئين وورثة غير شرعيين للمخرجين في الزمن السابق، لذلك فهم يتسمون بصفات غير مقبولة في إخراج الأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية، لأنهم دائما ما يبحثون عن الربح فقط، ولا يبحثون عن نوع المادة المقدمة. هل يمكن القول أن الممثل المخرج لا يساهم في نهضة حقيقية للإنتاج التلفزيوني والسينمائي والمسرحي؟ لا يمكن منع الممثل من التوجه إلى الإخراج، سواء من أجل الربح، أو من أجل تحقيق رغبته الفلسفية في ترجمة رؤيته للحياة والوجود، عن طريق عمله الفني، هناك من الممثلين من لديه طاقة فنية تتجاوز حدود التشخيص، وتكبر هذه الطاقة وتتطور إلى كرة نار كبيرة لا يجد معها حلا سوى أن يترجمها إلى تصور عام و شامل لعمل فني، سواء في التلفزيون أو السينما أو المسرح، وهناك من الممثلين الذين لا يصلون إلى إتقان هذا التصور الشامل فيكون تركيزهم أفضل في تأديتهم المحددة لدور معين. هل يمكن القول أن الأعمال المغربية ضعيفة وأن المشاهد المغربي أصبح يمل من مشاهدتها بسبب ضعف النصوص وطرح القضايا بشكل سلبي وعدم وجود الايجابيات والإفادة العامة؟ المشكلة في المغرب، تتحدد في كون القرصنة منتشرة بشكل كبير، وهي وراء إغلاق عدد كبير من القاعات السينمائية، كما أنها تخيف المستثمرين من توظيف أموالهم لفائدة الفن والإبداع، لأنهم يعرفون أنها صفقة خاسرة من البداية، فيفضلون العقار والإسمنت لأن أرباحه مضمونة وبسرعة، ولهذا فإن السينما المغربية الآن تعتمد على دعم الدولة التي توفر لها أنبوب "الصيروم" حتى تبقى على قيد الحياة عن طريق المركز السينمائي المغربي، وهذه الوضعية غير صحية لانها تعلم المخرجين والمنتجين الكسل، فلا يهمهم إن نجحت هذه الأعمال جماهريا أم لا، لأنها بكل بساطة أفلام تحت الطلب، لا تخضع لمنطق شباك التذاكر، بل هم يفضلون آن يتميزوا على مستوى المهرجانات الوطنية والدولية، وهذه الأخيرة أصبحت بالنسبة لهم هدفا، و ليست وسيلة لترويج أفلامهم. من حق الجمهور المغربي أن تكون له سينما تلبي حاجاته ومتطلباته المتنوعة، وغير كاف أن تكون لنا فقط سينما للمؤلف أو للمخرج...يجب أن تكون لنا سلطة الاختيار حينما نذهب إلى صالات السينما، فنختار للمشاهدة مثلا فيلما مغربيا كوميديا او رومانسيا او فيلما مغربيا للرعب أو فيلما مغربيا ينتمي لأفلام الحركة، أو فيلما مغربيا تاريخيا، أما على مستوى التلفزيون فالقناتان الوطنيتان وما يدور في فلكهما أصبحتا غير كافيتين للإنتاج الدرامي، فالفنانون ينتظرون رمضان بفارغ الصبر كي يشرعوا في تصوير أعمالهم "باش يصورو طرف ديال الخبز''، بينما الدراما الوطنية يجب أن تكون حاضرة طيلة السنة. وما هو الحل في رأيك؟ وماذا يحتاج المشهد الفني المغربي حتى يقدم الأعمال المتميزة وترضي جميع المشاهدين وتحصل على قاعدة جماهيرية كبيرة ونجاح كبير؟ ليست هناك وصفة سحرية تجعل الإنتاج الوطني، يقفز قفزته النوعية إلى الأمام بهذه السرعة، لكن بالتأكيد تلزمنا في بلادنا إنشاء المزيد من معاهد التكوين التي تهتم بمهن السينما، وبالتحديد مهنة "السيناريت"، التي يجمع الكل تقريبا على ندرتها في المشهد التلفزيوني المغربي، فمشكل السيناريو أصبح معضلة كبيرة عند المخرجين والممثلين المغاربة، لدرجة أنه لا يمكن أن تصادف عملا قيد التصوير دون أن يقوم الممثل أو المخرج بتعديلات سريعة للحوارات، وللمشاهد مما يضيع وقتا ثمينا على الإنتاج وعلى وتيرة التصوير، كما أنه أصبح من الضروري انفتاح مجال السمعي البصري وتحريره أكثر حتى يتحقق الرواج الاقتصادي الإعلامي، الذي سيستفيد منه التقنيون والفنانون على السواء، وقد ينعكس ذلك أيضا بشكل إيجابي على مستوى وقيمة الإنتاجات التلفزيونية، بفعل المنافسة العادلة والبعيدة عن منطق الاحتكار. [email protected]