من راهب بوذي في جبال الهيمالايا إلى مطور ناشئ للبرمجيات في كاليفورنيا: لقد قام رائد الأعمال البريطاني أندي بوديكوم بتحول مثير للاهتمام في مشواره المهني. ومن خلال التطبيق الإلكتروني "هيد سبيس" الذي يهدف إلى مساعدة المستخدم على الوصول إلى صفاء الذهن، قام بوديكوم بتعريف قرابة 42 مليون شخص بممارسات التأمل، أو هذا هو على الأقل عدد مرات تنزيل التطبيق على الأجهزة الإلكترونية. ويرى مطور البرمجيات البالغ من العمر 46 عاما أن التأمل يجعل العالم مكانا أفضل، ويقول: "إذا تحلينا بمزيد من التعاطف مع أنفسنا، فسوف نكون أكثر تعاطفا مع المحيطين بنا". ويقع مقر شركة بوديكوم في ولاية لوس أنجليس الأمريكية ويبلغ عدد العاملين بالشركة 260 شخصا. وقد بدأ هذا العدد في التزايد منذ منتصف آذار/مارس الماضي بعد أن بدأت منتجات الشركة تتوافر بلغة ثانية، وهي الألمانية. ويركز التطبيق الإلكتروني على عدة أهداف متباينة للتأمل من بينها تحسين النوم وتطوير الشخصية بالإضافة إلى الحد من التوتر والقلق. وبحلول نهاية العام الجاري، ستتوافر منتجات الشركة بخمس لغات. ويقول بوديكوم إنه حاول ممارسة التأمل مع والدته عندما كان يبلغ من العمر 11 عاما، وعندما كان في أوائل العشرينات من عمره، قضى عدة أشخاص من معارفه نحبهم في حادث سيارة. ويتذكر بوديكوم تلك الفترة قائلا إنه بالرغم من كثرة الكتب التي قرأها، والمحاولات المضنية التي بذلها في محاولة لصرف ذهنه عن تلك التجربة، " لم أصل إلى شعور السكينة". وعندئذ قرر التخلي عن دراسته في مجال العلوم الرياضية، والتوجه إلى الهيمالايا لتعلم كيفية التأمل، وفي نهاية المطاف، تم ترسيمه كاهنا بأحد المعابد في إقليم التبت بشمال الهند. وبعد مرور عشر سنوات، عاد بوديكوم إلى لندن وأسس استوديو للتأمل خاص به، وخلال تلك الفترة، التقى مع ريتش بيرسون، وهو خبير في مجال الدعاية على حافة الإفلاس، وتعاونا سويا في ابتكار التطبيق "هيد سبيس" اعتمادا على خبرات كل منهما في مجالي التأمل والتسويق. ولاقت الفكرة نجاحا فوريا، وأشاد نجوم من هوليود من أمثال ريان رينولدز وجوينيث بالترو وإيما واتسون وغيرهم بهذا التطبيق. ووصل بوديكوم، الذي يعيش حاليا في لوس أنجليس مع زوجته وطفله، إلى مصاف المشاهير بفضل ظهوره في بعض البرامج الحوارية مع نجوم المذيعين مثل جيمي فالون وإيلين ديجينيرس. ورغم أن الهدف الأساسي وهو تحقيق صفاء الذهن لأكبر عدد ممكن من الأشخاص قد توارى إلى حد ما، أصبح التطبيق الإلكتروني الخاص بالتأمل مشروعا كبيرا. وتقول شركة أبل العملاقة للإلكترونيات أن تطبيقات "العناية بالنفس" أصبحت هي الصيحة السائدة في عام 2018، مع ظهور تطبيقات خاصة بالتأمل مثل "10% هابير" و"كالم" و"شاين". وأضافت أبل: "لقد لفتت أنظارنا بعض هذه التطبيقات الرائعة للاهتمام بالنفس". ومع بداية عام 2019، صار التطبيق الإلكتروني "كالم" وهو ثاني أشهر تطبيق للتأمل في الولاياتالمتحدة بعد "هيد سبيس"، يجتذب 75 ألف مستخدم جديد كل يوم من مختلف أنحاء العالم. ويوفر هذا التطبيق الإلكتروني مئات الساعات من المحتوى بشأن مجال واسع من الأفكار. ويقول إليكس ويل مسؤول التخطيط في "كالم" إن "الهدف هو زيادة التركيز والوعي وتنمية الهدوء". وتقدم كثير من هذه التطبيقات نسخة تجريبية مجانية. أما من يريدون الاستفادة من الخدمات الإضافية للتطبيق، فهناك خيار الاشتراك الشهري الذي تبلغ قيمته في حالة "هيد سبيس" قرابة 13 يورو شهريا (5ر14 دولار) أو اشتراك سنوي بقيمة 95 يورو. ولكن أليس من قبيل المفارقة أن الناس اصبحوا يبحثون عن السلام النفسي عن طريق الهاتف المحمول؟ وهو نفس الجهاز الذي أدى إلى تسريع وتيرة حياتنا، وألهانا عن الأشياء المهمة حقا في الحياة. وترتسم ابتسامة على وجه بوديكوم حيث يبدو أنه استشعر هذه المفارقة، ولكنه يقول: "لا اعتقد أن الهاتف المحمول يبعث على التوتر، إنما هي سلوكياتنا في التعامل معه وعلاقتنا بهذا الجهاز". وبالنسبة لبوديكوم، فإن الهواتف المحمولة هي "منصة يمكننا من خلالها التواصل مع الآخرين أينما وجدوا"، وفي حالته، فإن الهواتف تجعل من الممكن للناس أن يمارسوا التأمل في أي مكان. ولكن جونتر هداش، وهو خبير ألماني في مجال اليقظة الذهنية ويعمل في مجال التدريس، ينظر إلى هذه المسألة بطريقة مختلفة حيث يقول إن الهواتف الذكية لها قيمتها بالطبع عندما تستخدمها بشكل منتظم، ولكن ذلك يتطلب درجة معينة من الانضباط". وأضاف: "عندما تمارس التأمل، فإنك تخوض تجارب معينة، ولابد من مناقشة هذه التجارب مع مدرس من وقت إلى آخر، لاسيما في البداية". وعلاوة على ذلك، فإنه يعتقد أن تجربة التأمل ضمن مجموعة من الأفراد كثيرا ما تكون أكثر قوة مقارنة بممارسة التأمل وحيدا من خلال تطبيق إلكتروني. ويتفق مع هذا الرأي يوناس ميكالاك خبير اليقظة الذهنية وأستاذ علم النفس بجامعة "فيتن/هيردكه" الألمانية. وفي بادئ الأمر، كان ميكالاك يتشكك في جدوى التطبيقات الإلكترونية الخاصة بالتأمل، لكنه استطرد: "لكني شاهدت تأثيرها الإيجابي حيث يستطيع الكثير من الناس ممارسة التأمل والوصول إلى صفاء الذهن من خلال هذه التطبيقات". وبالنسبة للبعض، فإن هذا هو ما يحتاجونه، أما من يرغبون في التعمق في ممارسة التأمل أو من يعانون من مشكلات نفسية، فإنه ينصحهم بالحصول على دعم مكثف بشكل أكبر عن طريق علاج نفسي أو برامج تحقيق صفاء الذهن. وخلاصة الرأي أن "هذه التطبيقات ليست علاجا سحريا" على حد قول ميكالاك خبير الطب النفسي واليقظة الذهنية. *د.ب.أ