عرف الاقتصاد العالمي أزمة مالية ناجمة عن أزمة الرهون العقارية التي تكشفت ملامحها في عام 2007 وبرزت جليا مع بداية عام 2008، وذلك بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في الولاياتالمتحدة في تسديد ديونهم للبنوك، وأدى ذلك إلى حدوث هزة قوية للاقتصاد الأميركي، ووصلت تبعاتها إلى اقتصاديات أوروبا وآسيا مطيحة في طريقها بعدد كبير من كبريات البنوك والمؤسسات المالية العالمية، ولم تفلح مئات مليارات الدولارات التي ضخت في أسواق المال العالمية في وضع حد لأزمة الرهون العقارية التي ظلت تعمل تحت السطح حتى تطورت إلى أزمة مالية عالمية، وهنا لم يخف الكثير من المسؤولين خشيتهم من أن تطيح بنظم اقتصادية عالمية وأن تصل تداعياتها إلى الكثير من أنحاء العالم. ومن الواضح في هذا الصدد أن الأزمة المالية التي عرفتها البلدان المتطورة لم يكن لها انعكاس مباشر على المغرب وعلى قطاعه المالي والبنكي، لسبب بسيط يرجع إلى عدم ارتباط هذا القطاع بالمنظومة المالية العالمية. فالبنوك المغربية لا تمسك سندات أمريكية كما هو الحال بالنسبة لبعض البنوك الأوروبية. ورغم ذلك فالأزمة ضاعفت من مشكل السيولة الذي تعاني منه أصلا البنوك المغربية من خلال تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتأثيرها على تحويلات وادخار المهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج. ورغم أن النظام البنكي المغربي قد خضع في السنوات الأخيرة لعملية تنقية وتصحيح بفضل البرامج التي استهدفت تحسين أداء المؤسسات المالية العمومية، مما أدى إلى تقليص لحجم القروض ودعم القاعدة المالية لهذه المؤسسات ولمجمل القطاع البنكي، فالمغرب مدعو إلى تعزيز قدرات تحمل الأزمة من خلال تحسين الحكامة والمراقبة وتدبير المخاطر، والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية كشرط ضروري لتنمية منسجمة للقطاع البنكي. حيث أثر على النمو الاقتصادي المغربي، الأزمة التي يعيشها الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أكبر شريك اقتصادي للمغرب وخاصة دولتي فرنسا وإسبانيا. وتأتي المعطيات الجديدة لتزيد من تأثير أوروبا على الاقتصاد المغربي، علما أن الحكومة المغربية كانت تستبعد في البدء هذا التأثير. ومن جانب آخر، تماطل وتباطأ المغرب في البحث عن أسواق ووجهات اقتصادية جديدة تقلل من ارتباطه باقتصاد الاتحاد الأوروبي. ولم يحقق المغرب أي تقدم في هذا المجال، وكان صندوق النقد الدولي قد طلب من حكومة الرباط إجراء إصلاحات اقتصادية تقشفية أمام تراجع النمو الاقتصادي المغربي، في حين ما يزال المغرب يراهن على المساعدات الخليجية لتجاوز الأزمة الاقتصادية، حيث إن هذه المساعدات قد تغطي قرابة 2% من الإنتاج القومي الخام للبلاد. وكانت خطة المغرب ترتكز بصفة مستعجلة على الحد من تقلص احتياطي الموجودات الخارجية، وتدعيم ميزان الأداءات، عن طريق اتخاذ إجراءات ذات طابع استعجالي وأخرى هيكلية، وهمت الأولى الجوانب التمويلية، إذ عبأ ما يناهز 11 مليار درهم على شكل إعانات وقروض أجنبية، وستوفر هذه المبالغ عن طريق مؤسسات مالية عربية ودولية، التي وقع معها المغرب اتفاقيات من أجل تمويل الإستراتيجيات القطاعية، ويتعلق الأمر أساسا بمجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية، إضافة إلى ذلك لجأ المغرب إلى السوق الدولي، إذ رفع قرضا على شكل سندات سيادية بقيمة مليار دولار، ما سيقلص الضغط على السيولة ويخفف مخاطر تجفيف مصادر تمويل القطاع الخاص. إلى جانب هذه الخطوات ذات الطابع الاستعجالي، قررت الحكومة اعتماد إجراءات هيكلية تتوخى تدعيم تنافسية الصادرات والحد من الواردات وتحسين مناخ الأعمال من أجل جلب الاستثمارات الخارجية. وفي ما يتعلق بالصادرات، تم تسريع وتيرة تفعيل الاستراتيجيات القطاعية، إضافة إلى دعم المهن العالمية للمغرب (قطاعات ترحيل الخدمات، السيارات، صناعات الطيران والفضاء، الإلكترونيك، النسيج والجلد، والصناعات الغذائية)، خاصة أن صادرات هذه القطاعات عرفت تحسنا خلال السنوات الأخيرة، إذ سجلت صادرات الصناعات الغذائية ارتفاعا بنسبة 6.7 في المائة، وتحسنت وتيرة نمو صادرات قطاع السيارات بنسبة 6.1 في المائة والطيران بنسبة 26.8 في المائة، و6.7 في المائة بالنسبة إلى صادرات قطاع ترحيل الخدمات. كما سعت الحكومة، في إطار دعم تنافسية الصادرات إلى تخفيض تكاليف الإنتاج وتأهيل الموارد البشرية. فإذا كانت الأزمة المالية العالمية عبارة عن أزمة ثقة تسببت فيها مؤسسات مالية عالمية لم تراع سوى مصالحها، اختفت على أثرها تريليونات الدولارات، وهم العالم الآن هو كيفية استعادتها، وهو أمر مرهون أولا وأخيرا باستعادة الثقة في المؤسسات المالية العالمية المطالبة بإعادة النظر في سياستها مراعاة لمصالح المتعاملين معها، فإن المغرب، في المقابل، يجب عليه اتخاذ إجراءات قوية وفعالة وليست آنية ولحظية مبنية على ردود أفعال، حيث أثبتت التجربة، وأكدت هذه الأزمة بالذات، أن "التشريع الاقتصادي المغربي"، يشكو من ضعف في المرونة، وغياب للنصوص المواكبة للتطورات الاقتصادية السريعة، ما أدى إلى الحد كثيرا من الخيارات المتاحة للتعامل السريع مع الأزمة وتداعياتها. وبالتالي، لا بد من تكليف جهة محددة تقوم بالتعاون مع بنك المغرب، بإعداد تعديلات قانونية أو مشاريع قوانين جديدة لتدارك هذا القصور التشريعي، وخاصة في قانوني الشركات والتجارة. وأهم ما يجب أن تستهدفه هذه التعديلات والمشاريع في رأينا: إيجاد أدوات مالية حديثة، وإصدار أنواع مختلفة من الأسهم والسندات والصكوك مع تبيان الحقوق والامتيازات التي تتعلق بكل نوع، كالسندات القابلة للتحويل إلى أسهم، والأسهم الممتازة ... تيسير إجراءات زيادة وتخفيض رأس مال الشركات، واجتماعات جمعياتها العامة المختلفة، واختصار الوقت اللازم لذلك. التغطية التشريعية الكاملة لعمليات الاندماج والتملك والتصفية. السماح للشركات المساهمة بإصدار سندات يصل سقفها إلى كامل حجم حقوق المساهمين. إعادة تنظيم حالات الإعسار والإفلاس والحماية من الدائنين. التأني في تعويم الدرهم، لأن أي أزمة مالية جديدة لن يستطيع أن يصمد أمامها أي بنك تجاري. بقي أن نقول إن هذه الأزمة تختلف تماماً، في أسبابها وخطورتها وتداعياتها وظروفها، عن أي أزمة سابقة، وبالتالي، فإن التعامل معها يجب أن يتحرر من كل حساسيات وعقد وأخطاء، فهي لم تنته، وواهم من يصدق زوال آثارها، علماً أن الدراسات الحديثة قد أثبتت أن التفاوت بين قدرات الدول على التقدم وتجاوز الأزمات والنكبات، يعود – بالدرجة الأولى – إلى مدى انتشار أو انحسار ثقافة الثقة في مجتمعاتها وتأثيرها على سياساتها. فالمجتمعات القائمة على الثقة هي الأقدر على التقدم، أما تلك التي تغلب عليها وعلى أنظمتها ثقافة الشك والتربص وعقلية "المؤامرة"، فتبقى أسيرة الماضي والخوف من التقدم والتغيير، وتبقى كثيرة الحراك ولكن في دائرة الركود. *باحث في الشؤون القانونية والسياسية