أعرني سمعك لأخاطبك عن بقعة الضوء: "أن تضيء شمعة خير لك من أن تنفق عمرك تلعن الظلام" حكمة يونانية. في رباط الفتح أوج العز والسؤدد، وغير بعيد من باب "لعلو" وتكية العلامة العربي بن السايح، وفي ظل التسامح الذي تعرفه المدينة ويشهد لها به حتى بنايات الملاح ذات الطابع المعماري الخاص والسقف ذي الفوهة؛ ينظر اليهود منه «أضناي» «آللَّه» في زعمهم، لقد دُق الناقوس ونُفخ الناقور ونودي الأذان نحو دبلوماسية راعية للسلام. فعالمنا اليوم يتطلع أكثر من أي وقت مضى إلى نهج تربوي جديد في تحقيق السلام المستدام، أمام ما يواجهه من تحديات الصراع الأزلي بين النور والظلام، وما يُكَوَّرُ نتيجة لهذا الصراع من ثنائيات شكَّلت منذ البدء مدونة الأخلاق للوصول إلى الذات العليا مقابل الذات السفلى في حالة النكوص والرجعية!. هذا التعبير؛ نداء القدس، الذي صدر عن جلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين وقداسة بابا الفاتيكان، يمهد لحل مرحلي، هو إجلاء صفقة القرن وتلافي عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية بعد ما أجهز عليها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعترافه أن القدس عاصمة "للصهيونية"، وإن صح تقديري فإن هذا النداء انتصر للقدس رمزاً وأعاد عليه إشعاعه ذا الخلفية الكونية مع سعيه في استرجاع باقي الحقوق الروحية للمدينة المقدسة ذات الطابع المشترك الزاخر بمبدأ التعايش. ومن هنا قد أهمس في أذن شيخ المقاصد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين:"أليس لفقه المقاصد أثر في فكر النوازل بين حركية الواقع ومرونة الاجتهاد في النص؟!"، وبعيداً عن تلبيس الأدلة؛ إنها مرونة تستنهض الضمير العالمي من خلال استغلال القوى الناعمة في مواجهة التطرف والإرهاب والفكر الظلامي من أجل أن يستمر الوجود فوق الأرض المقدسة. ولوضع حد لما يروج له إعلام الإثارة؛ وفي خضم ذلك التسابق على تحطيم البلدان الحضارية التي لها الكثير من البصمات على البشرية ومنها مدينة القدس الشريف انبثقت معادلة القوة الروحية لتجسد لوحة فسيفسائية ثلاثية الديانات على أنها مع القدس باعتبارها مدينة مقدسة وأرضاً للقاء، لا أقلل من الأذان الذي لم تتحقق شروطه في هذه اللوحة الفسيفسائية بقدر ما أشيد بهذا النداء ويحتاجه من وعي في عالم التحديات العالمية والتحديات الإقليمية. يبقى الأمل في تجاوز عقدة الحضارة من أهل البداوة حتى لا نشارك مرّة في البناء ومرّة في التحطيم كلّما اقتضت المصالح هنا أو هناك! وحتى لا نلعن الظلام بالظلام. فلنبادر إذن بدعم نداء القدس الشريف ولاسيما في مجالات التعايش بين الأديان وتقويم الأفكار والتسامح، باعتباره الأصح والحافظ للأمن والسلم، وأن الكرة الآن في ملعب مجلس الأمن للاستجابة لهذا النداء وحتى نظفر بدلاً من صفقة القرن بنتيجة تعادل أو تفوق القرار 242 الأممي القاضي باستعادة الأرض التي احتلت في عام 1967 بما في ذلك القدس. وبينما تستنشق الأجيال رحيق زهرة المدائن من وراء جدران الاحتلال وسياجه الأمني العنصري، والمسألة مسألة رهان على جدوائية السلام في العالم، فلينتبه دعاة أبواب جهنم فشعوبنا ليست مسوخاً باردة تسممون أفكارها وتشوهون صورتها لجر البلاد والعباد إلى الهلاك.