وفيا لتاريخه العريق، وانسجاما مع قيم التسامح واحترام التنوع الثقافي، يجدد المغرب، تحت القيادة السامية لجلالة الملك، أمير المؤمنين، محمد السادس نصره الله، تشبثه بتشجيع الحوار بين الأديان والثقافات. وإيمانا بهذه القيم الإنسانية الرفيعة، يمثل اللقاء بين جلالته وقداسة البابا فرانسيس الأول، لحظة هامة جدًا في مسار تعزيز الحوار بين الديانتين الرئيسيتين في العالم. وهي اللحظة التي كان لها صدى كبيرا في وسائل الإعلام الإيطالية، ومناسبة تاريخية للتّأكيد للعالم عن الاستثناء الذي يميز المغرب في مجال الدفاع عن حق التنوع الديني والثقافي، ضدا على كل أشكال التوظيف الإيديولوجي للأديان لتأجيج الصراعات والنعرات. إننا نعيش اليوم، بكل تأكيد، في عالم مختلف تمامًا عن الماضي من حيث مواجهة التحديات المتعددة والضاغطة، حيث يسود الشعورً بانعدام الأمان وحيث تراجعت الثقة المتبادلة في ظل منحى متصاعد نحو الانغلاق والتهميش والأقصاء. وهو المنحى الذي يوفر كل شروط انتشار التطرف بما يعكسه من جهل بثقافة الآخرين وبما يتغذى عليه من توسيع دائرة الخوف والكراهية. ويمثل هذا اللقاء لحظة استثنائية لجاليتنا المغربية في إيطاليا، لتقريب الإيطاليين من ثقافة مجتمعنا، خاصة في ظل سياق سياسي حساس ومعقد تهيمن عليه سياسات اليمين المتطرف المناهضة للهجرة والمهاجرين وتجعل من معاداة الإسلام مطية لها. إن الإجابة عن سلوك التطرف لا يمكن إيجادها إلا في تعليم سليم ومكافحة الجهل، كما شدد جلالته على ذلك في خطابه السامي أمام قداسة البابا فرانسيس الأول. أما بالنسبة لنا كمتخصصين في مجال التواصل والإعلام، يمثل هذا اللقاء التاريخي مصدرًا استثنائيًا لاستيعاب مغزى رسائل وتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس وقداسة البابا واستلهام سبل ووسائل توجيه وتوعية المواطن الإيطالي، من خلال توظيف اللغة الإيطالية، بخصوص مغرب اليوم والمستقبل تحت القيادة الحكيمة لجلالته. لقد فتحت لنا زيارة قداسة البابا إلى المغرب فرصة فريدة لتعزيز الحوار والتعاون القائم تاريخيا بين المملكة المغربية والجمهورية الإيطالية منذ فترة الجمهوريات البحرية في البندقية، وجنوة وبيزا، التي كانت تربطها علاقات تعاون مع دولة المرابطين (1053-1147). وأود، في هذا الصدد، أن أسوق ما ورد في بحثي حول "تاريخ الإيطاليين في المغرب"، الذي نُشر بروما في 2016، من إضاءة حول الهجرة التاريخية للإيطاليين إلى المغرب وكيف استطاعوا العيش بحرية وتكامل مع مكونات الشعب المغربي. ومازالت الأعمال المعمارية والثقافية العظيمة في مدن الدارالبيضاء والرباط وطنجة وغيرها من مدن بلدنا تمثل إحدى الشهادات عن هذا التفاعل الحضاري الإيجابي بين البلدين. وخير دليل على ذلك ضريح الملك الراحل محمد الخامس طيب الله تراه، الذي صممه المهندس المعماري الفيتنامي فو تون وأنجزه المهندس الإيطالي المقيم بالدارالبيضاء أوسكار باتويلي الذي استعمل الرخام والحجر الجيري والجرانيت المستورد من قلب إيطاليا. والحالة هذه، فان أدوار الشباب والخبراء والباحثين من ضمن أفراد جاليتنا المقيمة بإيطاليا يظل حيويا وحاسما من حيث مد جسور التواصل الحضاري والإنساني بين البلدين وتعزيز علاقات التعاون بينهما في القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفي مجال البحث العلمي الأكاديمي. وهي الأهداف التي انخرطت فيها منظمة التعاون والحوار الإيطالي المغربي التي أحظى بشرف رئاسة مكتبها. إن وجود مركز بحث ودراسات توظف فيه وسائط التواصل التكنولوجي، حول الثقافة المغربية في روما، والذي ما زلنا منذ فترة طويلة نستشعر ضرورة إنشائه، سيمثل فرصة مهمة لتواصل أفضل مع إيطاليا والإيطاليين، باللغة الإيطالية، بخصوص الديناميات الجديدة التي يشهدها المغرب، وكذا من اجل تعريف صحيح بالثقافة المغربية وإسقاط تلك التصورات النمطية عن الآخر، والدفاع عن المصالح المشتركة للبلدين الصديقين. وكم نحن بحاجة ماسة، اليوم، إلى ملء فجوات سوء الفهم الثقافي الذي يظهر أحيانا هنا وهناك، وذلك من خلال تكريس المعرفة الحقيقية للموروث الثقافي للآخرين ومكافحة الجهل والإقصاء في أفق تعزيز التماسك الاجتماعي والتنمية البشرية المستدامة. إذ نحن جميعا مدعوون لتقديم إسهاماتنا كيفما كان حجمها وطبيعتها لتدشين "عصر حوار" جديد. ولا يفوتنا، من موقعنا كمغاربة إيطاليين، إن ننقل شعورنا الكبير بالامتنان لقداسة البابا فرانسيس الأول على شهادته الكريمة، التي تضمنت إشارات واضحة تدعو إلى الحوار مع العالم الإسلامي والمسلمين الذين سبغ عليهم صفة "الإخوة والأخوات"، ونعبر له، أيضا، عن فائق شكرنا على شهادته في حق المغرب الذي اعتبره نموذجا للتعايش وسيادة الحرية الدينية. وفي الختام، نعرب لجلالة الملك محمد السادس، عن أسمى مشاعر الامتنان على هذه المبادرة المحمودة التي تجعلنا فخورين، بل ومتحمسين لاطلاع أصدقاءنا الإيطاليين عن حقيقة المغرب الأصيل. *باحث و خبير في التواصل والإعلام بروما *رئيس منظمة التعاون والحوار الإيطالي المغربي