قرر المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي يوم الأحد 4 دجنبر 2011 العودة إلى المعارضة، و عدم الدخول في حكومة يقودها حزب العدالة و التنمية. لن نقول أن هذا القرار مفاجئ و نزل كالصاعقة، أو أنه زلزال سياسي كما هو معتاد في التعبير الأدبي عن حدث سياسي، إذ كان يبدو من تصريح عبد الإله بنكيران بعد مشاوراته مع قيادة هذا الحزب، ،أنه شبه مقتنع بعدم جديتهم في الدخول للتحالف الحكومي، بالمقابل سيتير هذا القرار تساؤلات تتعلق باستقلالية القرار داخل حزب الاتحاد الإشتراكي؟ و مدى بعد نظر و استراتيجية قيادته الحالية؟ و مدى ارتباط الحزب العميق بالهموم الراهنة للمغاربة؟ سيناريوهات ما قبل اجتماع المجلس الوطني الاتحادي. قبل يوم 04 دجنبر كان جل المهتمين بالشأن السياسي المغربي يرجحون إمكانية تحالف الاتحاد الإشتراكي مع العدالة و التنمية في حكومة جديدة، ارتباطا بمجموعة من المبررات: 1 – الاتحاد الاشتراكي اختار الدخول في تجربة مباشرة تدبير الشأن العام الوطني منذ إشرافه على حكومة التناوب سنة 1998، و كانت قياداته منذ ذلك الحين إلى غاية انتخابات نونبر 2011 تصرح و تؤكد في تقارير على إيجابية حصيلة اشتغالها على امتداد هذه الفترة، خاصة في ميادين تأهيل الاقتصاد الوطني و مواجهة التحديات الاجتماعية. إذن فتحقيق انجازات طموحة يقتضي منطقيا الاستمرار في التجربة الحكومية ليكتمل مشروع بناء المؤسسات و الاصلاحات الاجتماعية و الاقتصادية. 2 – ترتيب الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات الأخيرة -إذا كان لمنطق الأرقام أهمية - هو رقم 5، أي نفس ترتيبه في انتخابات 2007 و تقريبا بنفس عدد المقاعد النيابية، و هذا يعني أن مكانة الحزب لم تتأثر و حافظ على قاعدته الشعبية، و بالتالي تكون حجة اختيار الاصطفاف مع المعارضة أضعف مقارنة مع منطق الاستمرار في التدبير الحكومي و بوسائل و آليات جديدة. 3 – ميول أحزاب الكتلة للمشاركة في التحالف الحكومي منذ إعلان نتائج الانتخابات. 4 – كان الاتحاد الاشتراكي أكثر الأحزاب تمجيدا للإصلاحات الدستورية الجديدة، و كان حماسه للتصويت على الدستور بنعم إشارة مؤكدة لحرص الحزب على الدخول في غمار تجربة حكومية جديدة تعمل على التفعيل الصحيح لمضامينه، خاصة أنها شكلت لب ما كان يناضل من أجله الاتحاديون الأوائل، من منح صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء و للحكومة و البرلمان، فما جدوى اختيار المعارضة بعد كل ذلك؟ 5 – تصريحات رئيس الوزراء المكلف عبد الإله بنكيران لم تكن معيقة لاندماج الاتحاد الاشتراكي في الحكومة الجديدة، بل كانت فيها تطمينات و تأكيد الرغبة في التحالف مع الكتلة و أكثر من ذلك استبعاد ما كان يبدو عدوا و طفيليا سياسيا خاصة بالنسبة للاتحاد الاشتراكي من هذا التحالف و هو حزب الأصالة و المعاصرة. 6 – بعد اكتساح حزب الأصالة و المعاصرة لانتخابات المجالس الجماعية صيف 2009 و الذي نعث آنذاك بحزب الملك، لم يجد الاتحاد الاشتراكي إلا خيار التحالف مع العدالة و التنمية في مجموعة من المدن و الذي كانت له آثار إيجابية بعد محاصرة الأصالة و المعاصرة ، و هذا التحالف يعني نهاية الصراع الإيديولوجي بين الحزبين الاشتراكي و الاسلامي و بالتالي إمكانية الاستمرار فيه على المستوى الحكومي، علما أن حزب الأصالة و المعاصرة لايزال قائما و قد يستفيد من دعم الدولة في أي لحظة ممكنة، في انتظار ما سيؤول إليه الحراك الشعبي خاصة الذي تقوده حركة 20 فبراير. 7 – تصريحات هامشية لبعض من الجيل الجديد الاتحادي التي كانت ترى أن المرحلة هي مرحلة المشاركة و بقوة في العمل الحكومي وفق آليات جديدة و بديلة، قبل أن يتدخل قادة الحزب لتغيير الموقف في اتجاه المعارضة. إن المبررات السبعة المقدمة كانت تصب حسب المهتمين في اتجاه مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في حكومة عبد الإله بنكيران، لكن يوم 4 دجنبر قرر أعضاء المجلس الوطني الاتحادي عكس ذلك، العودة لصفوف المعارضة، قرار فرض التساؤل عن مدى استقلالية القرار داخل هذا الحزب؟ و هل اختيار المعارضة تدخلت فيه اعتبارات ذاتية أم تدخلت فيه أطراف خارجية؟ فاختيار المعارضة ضمنيا يعني تفضيل الاتحاد الاشتراكي الاشتغال و التنسيق مع حزب الأصالة و المعاصرة(حزب الدولة كما كان يوصف من قبل الاتحاديين) و التجمع الوطني للأحرار بعيدا عن التحالف الحكومي. تبريرات و مواقف: 1 – بررت قيادات الاتحاد الاشتراكي حسمها لموقف الانضمام للمعارضة عبر وسائل الإعلام، بكون الحصول على المرتبة الخامسة بمثابة عدم رضى الشعب على حصيلة عملهم في الحكومة منذ 1998، فلا جدوى إذن من الاستمرار في أي حكومة جديدة، بالتالي فاختيار المعارضة هو اختيار من قبل الشعب المغربي و ليس من الحزب. 2 – رأي يقول أن هذا القرار اتخذته قيادة الحزب بغير إرادتها، بعد اتصالات من قبل شخصيات معروفة بإدارة دواليب السياسة المغربية من وراء حجاب، و فرضت على الاتحاد الاشتراكي الرجوع إلى المعارضة، ضمانا للتوازنات السياسية حتى لا يكون الفريق الحكومي قويا و المعارضة سلبية و هزيلة جدا، خاصة أن خطاب أغلب المنضمين إلى حزب الأصالة و المعاصرة رغم معارضته لا يستطيع التأثير في عامة الشعب، كما أن حزب التجمع الوطني للأحرار لن يفلح كحزب معارض لأول مرة في تاريخه و الذي أملته أخطاء قيادته في شخص مزوار، فمكانه عمليا هو خارج المعارضة. 3 – رأي مفاده أن دخول الاتحاد الاشتراكي من موقع الضعف إلى حكومة بنكيران، قد يعطي نقط إضافية لصالح حزب العدالة و التنمية على حسابه، فاستنادا إلى التحالف بين الحزبية بعد الانتخابات الجماعية، أظهرت الانتخابات النيابية 2011 أن المستفيد الأكبر منه هو العدالة و التنمية، بدليل أن بعض مرشحي هذا الحزب تمكنوا من التفوق و بفارق كبير على مرشحي الاتحاد الإشتراكي في دوائر و مدن عرفت بولائها للاتحاديين مثل أكادير و الداخلة ثم الرباط... و بالتالي فلا جدوى من الاستمرار في التحالف على المستوى الحكومي. 4 – رأي يركز على كون الاتحاد الاشتراكي استنفد ما لديه من قدرات تدبيرية و اقتراحية، و بالتالي يكون اختيار هذا الموقف نابعا من الاحساس بالعجز عن تقديم إضافات في تدبير الشأن الوطني عبر المؤسسات الحكومية، فالحزب كان المتضرر الرئيسي من التوتر الاجتماعي مع النقابات، خاصة ذات الصلة بالقطاعات الاجتماعية، بعدما عجز وزراؤه عن إقناع المحتجين و تلبية مطالبهم. 5 – رأي مضمونه أن الحزب منشغل حاليا بإعادة هيكلته التنظيمية و ترتيب بيته الداخلي و تأهيل أطر الحزب، و ببساطة فحزب الاتحاد الاشتراكي يريد أن يقول" سيبني خطاب المعارضة من جديد و هو الخطاب الذي يتقنه، أما العمل من داخل الحكومة فيفوق قدراته التنظيمية"، مع العلم أن زمن التأهيل التنظيمي قد فات. 6 – رأي يقول أن حزب الاتحاد الاشتراكي في مرحلة شيخوخته السياسية، و زعاماته ستحال على التقاعد السياسي كما فعل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، و شبابه لم يحترف كثيرا العمل السياسي بقواعده السليمة و لم تظهر علامات النجاح إن تولى مسؤولية التدبير الحكومي. 7 – رأي أخير يرجع موقف اختيار العودة إلى المعارضة إلى قادة الحزب الذين تولوا حقائب وزارية، بعدما تيقنوا من عدم القدرة على نيل حقيبة وزارية من جديد، بعد أن صرح رئيس الوزراء المكلف بنكيران برغبته في عدم استوزار وزراء سابقين خاصة الذين لم يقبل بهم الشعب. ماذا بعد؟ يبدو أن اختيار الاتحاد الاشتراكي العودة إلى المعارضة غير مبني على حسابات دقيقة و نابعة من القناعات السياسية للحزب، و قراره دليل ترهل تنظيمي، و عدم استقلالية موقفه السياسي، و مؤشر على تحكم القيادات العجوزة في القرار داخله و المنسج مع أطراف غريبة، فمن سيلعب دور المعارضة من ضمن الاتحاديين؟ نقول ختاما أن الاتحاد الاشتراكي فقد مصداقيته مع الدولة بعد تجاربه الخاطئة في الحكومات السابقة، و فقد مصداقيته مع الشعب بسبب سياسته الغامضة و نتائج عمله الهزيلة، و ها هو اليوم يفقد مصداقيته مع نفسه و مع الفاعلين السياسيين و الشباب، علما أنه من المشكوك أن يحتفظ الآن و لو ببصيص من أليات النضال الجماهيري و الخطاب المعارض المطلوب. * أستاذ باحث في التاريخ