استهداف وتدمير الدولة للتعليم العمومي، أصبح حقيقة واضحة، وقرار إقبار ما تبقى من مجانية التعليم، وقّعه رئيس الحكومة العثماني، بعدما وقَّع سفله بنكيران أخطر القرارات، وهو ما لم تفعله حتى الأحزاب المخزنية العتيدة، وهذا ما يؤكد أن حزب العدالة والتنمية، هو أكثر الأحزاب المخزنية انبطاحا بلا مُنافِس. فض الاعتصامات والاحتجاجات السلمية للمدرسين الذين فُرِض عليهم التعاقد، باستخدام القوة والعنف، لأنهم فقط طالبوا بحقوقهم الدستورية الشرعية والمشروعة، وانتشار صور مؤلمة، تؤكد معاكسة الحكومة للتوجيهات الملكية الداعية إلى العناية بأسرة التربية والتعليم والتكوين، الملك محمد السادس الذي أكد مرارا أن التعليم هو القضية الوطنية الثانية بعد الوحدة الوطنية لكونه مصنع المواطنة والقيم والتقدم. خطورة الوضع الذي بات يهدد التعليم، وتفاقم أزمات منظومة التعليمية والتكوين المغربي، بين تعليم وتكوين نافع لأبناء النخب والأثرياء في المؤسسات والجامعات الخاصة والمعاهد الراقية، التي تضمن لخريجيها مناصب شغل فاخرة، مقارنة مع المؤسسات والجامعات ومعاهد التكوين العمومي، التي أصبحت تنتج البطالة والعطالة، مع إغراق التعليم في الحسابات والمزايدات السياسية والإيديولوجية، للدولة من جهة ومصالح الفاعلين السياسيين والاقتصاديين من جهة أخرى. أمام هذا الوضع اقترح الأمير مولاي هشام عقد "ندوة وطنية تجمع بين مختلف الفاعلين حول مشاكل التعليم أصبحت ضرورية لضمان مستقبل الجيل والأجيال المقبلة"، مؤكدا أن اختلاف الرؤية السياسية "لا يجب أن يمتد إلى قطاع التعليم، فهو لا يتطلب فقط إجماعا ولا توافقا، بل يستوجب رؤية علمية ثابتة ودقيقة، فهو بوصلة الأمة المغربية التي ستجنبها وقوع شرخ يهدد شتى أنواع التعايش الإثني والثقافي والطبقي". نعم التعليم هو "بوصلة الأمة المغربية" لهذا أصبح تدخل الملك محمد السادس ضروريا، لوضع حدٍّ لهذا النزيف، الذي طالما نبّه في الكثير من خطبه إلى تداعياته الخطيرة، وأخطرها ممارسة العنف ضد "بوصلة الأمة" وهذا طبعا سيفقد الأمة وجهتها نحو " الالتحاق بقطار الرقي والتقدم وضمان الكرامة للشعب". لقد كلف الملك محمد السادس، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني سعيد أمزازي بإيجاد حلول حقيقية واقعية لأزمة التعليم، في إطارٍ تشاركي تواصلي مع كل الفاعلين في قطاع التعليم بدءا بهيئة التدريس، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والنقابات ومختلف الهيئات الوطنية بغية إنجاح هذا الورش المصيري، وتغليب مصلحة الوطن، سيما أن مطالب الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، كانت موضوعية، غايتها الحصول على حقوقهم الدستورية، كي يقوموا بواجباتهم التربوية والتعليمية في مهنة المتاعب، والتخلص من وصاية التعاقد وما تضمه من منطق الترهيب والتهديد والوعيد، لكن الوزير فشل في مهمته. الحل اليوم هو مساءلة ومحاسبة من أعطى الأمر لفض الاعتصام بالقوة، ضمن المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحل حكومة العثماني، لأنها فشلت فشلا ذريعا في تدبير كل الملفات، ملف التعليم، ملف الصحة، ملف الشغل، ملف مشاكل الشباب، ملف الحراك (الريف، جرادة، زاكورة، التعليم، الصحة..)، ملف حقوق الإنسان.. عرف المغرب انتكاسة كبرى مع حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي كان دائما يبكي ويشتكي من مظلومية المخزن، ورفع شعار محاربة الفساد والاستبداد، أصبح رمز الفساد والاستبداد، وأي استبداد أكبر من تعنيف نساء ورجال التعليم، وأي استبداد أخطر من الإجهاز على حرية التعبير، ونشر ثقافة التخويف لمنع ممارسة النقد. الكثير من الصحفيين اليوم لا يستطيعون الحديث بحرية كما كان الأمر قُبيل ولايتي الفقيهين بنكيران والعثماني، وهذا معنى كلام المفكر الأمريكي تشومسكي "نشر مناخ الاستبداد عبر التقليص المنتظم والماكِر للحريات العامة" وأهمها حرية التعبير، لكن الشعب المغربي لديه القابلية للحرية والكرامة، لا العبودية والإهانة.. وداعا حكومة ولاية الفقيه العثماني.. حكومة تعنيف بوصلة الأمة..