موقفٌ "حداثيٌّ" أبْداهُ المعتقلُ السلفيُّ السابق على خلفيّة "أحداث 16 ماي" التي هزّت الدارالبيضاء سنة 2003، محمد رفيقي، المعروف ب "أبي حفص"، عندما أرْجعَ عدم تطور وتحسُّن وضعَ المرأة إلى استْجلابِ الدين والفقه في النقاشِ العمومي؛ مشيراً إلى أنّه "في كل قضية متعلقة بالمرأة يُراد تطويرها نجد الفقه الديني عائقا أمام هذا التقدم". ويرى الباحث السّلفي أنَّ "اسْتجلاب الدين إلى مواضيع المرأة مردّه وجود كثير من القوانين المتعلقة بالمرأة والمنبثقة من المنظومة الدينية". وأضاف: "في كل قضية متعلقة بالمرأة يراد تطويرها نجد الفقه الديني عائقا أمام التقدم؛ فمراجعة منظومة الإرث اصطدمتْ بالنصوص التشريعية القطْعية، وإذا أردتَ أنْ تتحدثْ عن إلحاق الأبناء خارج العلاقة الزوجية بآبائهم البيولوجيين باستخدام وسائل الإثبات الحديثة القطعية في نتائجها، سيقال لك إنَّ ذلك مخالف للدين والشرع". وأضاف رفيقي في ندوة "المساواة بين مستلزمات التحديث ومضامين الفكر الديني"، التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية، أنه "في قضايا متعددة يأتي الدّين من أجل إعاقة كل تطوير مراد تحقيقه؛ في حين أنَّ كثيرا من القوانين مدنية ولا علاقة لها بالدين، ولكن هذا ليس الواقع الذي نعيشه، لأن القوانين مبنية على شرعية دينية، وبالتالي لا يمكن معالجة هذا الموضوع دون تقديم الإشكاليات المتعلقة بهذا الباب". وقال أبو حفص إنَّ هناكَ عددا من الفقهاء والباحثين يقولون إنَّ "الإسلام أكْرم المرأة وعظّم شأنها في كلّ دعوة إلى التقدم في موضوع المرأة؛ لكن الاشْكال هوَ أنَّ أولئكَ الأشخاص الذينَ يتحدثون عن تكريم الإسلام للمرأة، وأنه كان سباقاً إلى تكريس حُقوقها، هم أنفسهم الذينَ يكرسون دونية المرأة ويجردونها من أيّ منصب مسؤول، ويروْنَ أنَّها خُلقت من ضلع أعوج ولا يحق لها أن تتحقق لها المساواة الكاملة في الحقوق، وهم أنفسهم الذينَ يقولون إن المرأة إذا امتنعتْ عن زوجها في الفراش باتت الملائكة تلعنها". وتساءل أبو حفص: هل كرّم الإسلام المرأة؟ وللإجابة عن هذا الاشْكال، يعودُ رفيقي إلى السياق التاريخي الذي جاء فيه الإسلام؛ لأنه ليس من العدل أن نحاكمَ الحقوق التي جاءَ بها الإسلام للمرأة في ذلك الوقت بمنطق اليوم، يقول رفيقي، مضيفاً "لا بدَّ من النظر إلى الموضوع بالسياقات التاريخية التي كانتْ في ذلك الوقت، والتي كانتْ قبل ذلك الوقت أيضاً". وعاد الباحث الديني إلى فترة ما قبل الإسلام، وقال إنَّ المرأة لم يكن لها نصيب من الإرث، وجاء الإسلام ليحقق ويكرس حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية التي لمْ تكن تتمتع بها، مضيفاً "أن يكون لها نصيب من الإرث، مثلاً، لا شك أن هذا كان قفزة نوعية في حينها". وأقر بأنَّ "وضع المرأة تغير عما كان عليه الحال قبل الإسلام، حيثُ خرجتْ لتُشارك في السياسة ودخلت في معارك سياسية وحربية". وأكمل الباحث سردهُ التاريخي لوضعية المرأة قائلا: "كان المفروض أن تتواصل هذه الثورة مع بروز عدة اجتهادات متعلقة بالمرأة وخروجها للحياة العامة، لكن هذا الزحف توقف في أول دولة أسست في الإسلام، وهي الدولة الأموية، حيثُ تم إيقاف هذه المسيرة، وأصبحَ هناكَ جمود تام بسبب طبيعة الأنظمة السياسية التي عطَّلتْ هذه الثورة بتحالفها مع الفقهاء الذكور". وزادَ رفيقي قائلا إنّ "هؤلاء الفقهاء أنتجوا فقها كبيراً جدا مليئا بالأحكام التي تكرس الميز ضد المرأة، والمخالفة للقيم التي جاء بها الإسلام"، مشيراً إلى أن "تاريخ الإسلام مضى في منحنى تنازلي على المستوى التخلف العلمي والسياسي، وهو ما ساهم في تأخر وضع المرأة". "أما خلال بداية القرن العشرين فقد شهد العالم الإسلامي حركة نهضوية لتغيير هذا الواقع، إلا أن كتابات هؤلاء الإصلاحيين أنفسهم لم تتعدَّ الدفاع، حيثُ كانوا يعارضون أفكارَ الغرب ويصفونه بالمخالف للدين، وأن الإسلام سبق الغرب في عدد من الحقائق، وقدْ بقي المجهود محصوراً في هذا الأمر في سياق جعل مرافعاتهم محدودة في رد عاطفي مقارن للأطروحة الغربية التي بدأت تدخل البلاد الإسلامية في ذلك الوقت"، يضيف أبو حفص، مشيرا إلى أنَّ "التعصيب في الإرث نظام قبلي عرفي ليست له مرجعية دينية، ولا يتماشى مع الواقع الذي نعيشه اليوم من خروج المرأة إلى العمل وإنفاقها على 20 بالمائة على الأسر المغربية"، داعياً إلى تعديله في سياق مراجعة مضامين مدونة الأسرة.