رحمك الله أيها الأبيّ أبي ها قد انصرمَت وانقضَت على قضاء الله وقدره سنتان كاملتان، أبي أيها الأبيّ... ها قد مرّت سبعمائة وثلاثون يوما على رحيلك، يا "سيف بن ذي يزن" بطل الأسطورة البديعة "الأزلية".. يا من تخلّقت بدماثة "بن شداد" في مسلسل "العنترية".. ويا مَن عن قوّةِ اعتقاد بدين الأجداد برعت في شخصية أبي جهل الرسالة للشهيد مصطفى العقاد... ويا من بشهامة وكرامة وإباء وأنفة العرب الأقحاح جسّدت ما سلب لبّ العرب مشرقيا وخليجيا، بل واتفقا على ما اختلفا عليه سياسيا كل من الرئيسين الراحلين - حسن البكر وصدام حسين - بإعجابهما الكبير بتشخيصك يا محمد حسن "الدجندي" باللكنة العراقية الجميلة، لشخصية صخر الأخ الأكبر للفنانة الكبيرة منى واصف في مسلسل الخنساء، حتى أن الأول قال: "ما أروع هذا الممثل الأردني"، فصححوا له وقالوا بل هو مغربي أمازيغي لسانه عربي فصيح يا فخامة الرئيس.. رحمك الله، يا مَن جلجل صوته العذب في مسلسل الصخر عندما ينطق، مع تيسير فهمي ومحسنة توفيق بشخصية هيرودوس في البتراء... ويا مَن مِن فرط إعجاب الفنانة المناضلة نضال الأشقر بك، جلبتك لتكون زوجها الملك الصالح في مسلسل شجرة الدر.. أمطرك العزيز، أيها الوفيّ، بشآبيب رحمته. يا مَن بأشعار الشاعر العربي الفلسطيني المرحوم معين بسيسو والمخرج العملاق صلاح أبو هنود صدحَتْ حبال صوتك، ورنّمتَ بها أيها الأشدق المفوّه مسامع وأنظار المشاهدين عبر العالم في رسائل إلى العالم.. أسكَنكَ الوهاب الفردوس الأعلى، يا مَن عكَستَ نخوة أمتنا العربية في شخصية المهلب بن أبي صفرة، في المسلسل الذي حمل عنوان الشخصية ذاتها للرائع المخرج عدنان الرمحي.. ويا مَن كنت أحد قائدَيْ معركة فيلم "القادسية" لمخرج الروائع صلاح أبو سيف، رستم فرخزاد في مواجهة سعد بن أبي وقاص.. ويا "كسرى" في "النعمان الأخير" والفارس شواس في" آخر الفرسان" مع المحنك نجدة إسماعيل أنزور... رحمك الرحمان الرحيم، يا مَن أبدعت في شخصية "عطيل" أمام الفنان العالمي البريطاني الأردني نديم صوالحة "ياغو"، بمسرح "شارلز ويليام" بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس هيئة الإذاعة البريطانية BBC بلندن... اللهم، يا منعم، أنعم بنعيم جلالك مَن مِن خلال أمواج الإذاعة، بتعليمات من المغفور له الحسن الثاني، جسّد شخصية شهريار في "ألف ليلة وليلة" بأحد أستوديوهات نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية، تلك التحفة الفنية الأدبية التي أهداها بحكمته وتبصّره وبُعد نظره الحسن الثاني رحمه الله تعالى، لعدة ملوك ورؤساء الأمة العربية لما تحمله من عِبر ومواعظ تخص الحُكم والقيادة.. جعلك العفو الغفور مع الأخيار الأبرار، يا مَن شاركت نور الشريف وأمينة رزق وصفية العمري والممثلتين الأمريكية والإيطالية: بن كورنيس ودانييلا سلفيريو في الفيلم العالمي الضخم: "خيط أبيض خيط أسود" للمخرج المغربي الإيطالي بوغالب بوريكي، والمتطرق للاضطهاد الذي تعرّض له الأشقاء الفلسطينيون... ذلكم الشريط الذي اختفى في ظروف غامضة مباشرة بعد الانتهاء من تصويره وقبيل عرضه الأول... شَملك الكريم الحليم العليم بألطافه النورانية، يا بطل مسرحياتٍ وتمثيليات ومسلسلات وأفلام عديدة ألّفتها وأخرجتها ومثلت فيها؛ ومن ضمنها: الحقيقة ماتت- الموسيقار المجنون - ابنة العم - عدو المجتمع -محفوظ - شقيق الهموم - سر الانتحار -بائعة الخبز - الفلاح - عطلة في مراكش - ماقلّ ودلّ - خالتي راضية - أربعين ورقة -القضية - الكنز المخفي - أنا وشامة - أخو البنات - الحادثة - رضا الله - الجهاد الأكبر - الوفاء - طبول النار - منار - مواكب النصر - هنا بغداد - مطاوع وبهية عن اتفاقية "كامب دايفيد" - العهد 1-2-3 - بلاط الشهداء - فارس بني مروان - صقر قريش - أفغانستان لماذا؟ - ظل فرعون - بامو - ثورة ملك وشعب - شاعر الحمراء - المتنبي في جامع الفنا - جمال الدرة - بهجة لبهوج -نفحات من ذاكرة مراكش .... مراكش!! مراكش أعزائي، قراءَ سطوري... آهٍ يا مراكش ... وآهٍ يا إذاعتنا الوطنية.... ألا يستحق بالله عليكما هذا الفنان الرائع، الذي كفّى ووَفّى، وفاءً منه وإخلاصاً لكما أن يُؤرخ اسمه كواحد ممَن أعطوا هذا العطاء الغزير، بتسمية أستوديو أو مؤسسة تعليمية أو شارع أو زقاق أو حتى "دريبة" في مسقط رأسه هو المراكشي الوطني الأمازيغي العربي الأبي؟ ألا يرقى لذلك هذا الطود الأطلسي الشامخ، الذي مثّل وألّف وأخرج بل ولحّن وغنّى، طيلة ستين سنة بكل تفانٍ وجد وكدّ دون استراحة "الجندي المقاتل".. صدقوني إني أشعر بحزن وغبن ما عليهما من مزيد طيلة هاتين السنتين، وكانت حسرتي ستستمر – وإخوتي .. ولا اللقاء الأخير الذي عقدناه مع السيد وزير الثقافة والاتصال، الدكتور محمد الأعرج، أنا وأختي هاجر (في غياب أخي حسن، كونه قد أجرى عملية جراحية شفاه الله تعالى) فتم في هذا الاجتماع، وضمن المواضيع الأخرى التي أصلا قابلنا السيد الوزير من أجلها، إنصاف المرحوم باقتراح معاليه لتسمية أحد المركبات الثقافية قريباً باسم الوالد "محمد حسن الجندي" تغمده المولى بواسع رحمته. وأستطيع القول، الآن، إني تنفست الصعداء بهذا الوعد المُبشر.. أبي، أيها الأبيّ، محمد حسن الجندي، عسى أن تُقبل دعواتي وأن أكون بفضل المولى سبحانه ولداً صالحاً أدعو لك ولأمي فاطمة بنمزيان، جعلكما الله في أعلى علّيين.. محبكما أنور الجندي