هل يهمنا المستقبل السياسي للجزائر؟ طبعا المغرب يهمه مستقبل الجزائر سياسيا وأمنيا ومؤسساتيا، ليس من باب التدخل في شؤونها لكن من باب الأخوة الموجودة بين الشعبين ومصيريهما المشترك، ومن باب أي انفجار دموي، كالذي عاشته في العشرية السوداء، قد يصيب المغرب ببعض تبعاته. إنه جزء من قدر بلدنا أن يتجاور مع بلد قيادته السياسية والعسكرية رافضة القيام بأي انتقال سياسي سلمي للسلطة والاستجابة لمطالب الشعب الجزائري الاجتماعية في تحقيق الرخاء وإعادة توزيع الخيرات بدل إنفاقها على التسليح وعلى نزاعات إقليمية لا علاقة له (الشعب الجزائري) بها، كالنزاع المفتعل حول الصحراء الذي صرفت عليه الجزائر منذ بدايته إلى الآن أكثر من 900 مليار دولار، ومطالبه السياسية المتمثلة في رغبته إنهاء تحكم العسكر في الحياة السياسية والحزبية من خلال حزب الدولة "الأفلان"، وقمع كل معارضة سياسية. فمسيرات اليوم التي انفجرت في الشارع الجزائري، والتي يقودها جيل جديد من الشباب مفصول تماما عن مرحلة الثمانينات والتسعينات خرج في مظاهرات عفوية فاجأت النظام الجزائري، قد أعلنت ليس فقط عن رفض العهدة الخامسة لبوتفليقة، لأن الجميع متيقن أن وضعه الصحي لا يسمح له بالتعبير عن موافقته أو رفضه الترشح، بل عن رفض التوافقات التي سبقت هذا الترشيح من أجل اقتسام السلطة والثروة بين الأجنحة المتصارعة على الحكم التي انتهت إلى صيغة بقاء بوتفليقة في الواجهة مع الاستمرار في اللعبة نفسها، لعبة اقتسام "الكعكة" بين المجموعات العسكرية المتحلقة حول الجنرال القايد صالح، والمجموعات المختبئة وراء سعيد بوتفليقة. رفض الشارع الجزائري لإعادة تنصيب بوتفليقة رئيسا على الجزائر هو رفض لهذه التوافقات التي اهتدت إليها الأطراف المتطاحنة على حساب مصالح الشعب الجزائري الذي يعيش حالة تدهور كبير في وضعيته الاجتماعية، إلى جانب حالة الاختناق السياسي الذي دخلت فيه البلاد حيث تم تهميش جل الأصوات المعارضة، وقمع ومنع الباقي منها. مسيرات اليوم التي لم تدّع أي حركة أنها وراءها لطابعها العفوي هي إعلان عن فشل نموذج الدولة التي بنيت بعد الانقلاب على بن بلة، ومؤسسها بومدين الذي بنى الدولة على عقيدتين: الأولى الولاء له وللعسكر من ورائه، والثانية وجود عدو خارجي هو المغرب. الجزائريون اليوم انتفضوا على هذا النموذج وأعلنوا عن فشله ونهايته لأنه لم يحقق أي رخاء اجتماعي أو اقتصادي، ولم يستطع بناء دولة جزائرية قوية، بل كل ما انتهت إليه في النهاية هو دولة منخورة داخليا متهالكة آيلة للسقوط والانهيار في حال عدم الاستجابة لمطالب الشعب الجزائري الراغب في الانعتاق والتحرر والاستفادة من الخيرات الكبيرة التي يتوفى عليها ولم تحقق سوى الاعتناء بالفئة المتحكمة في القرار السياسي، ولم يستفد منها سوى العسكر المسيطر والمتحكم في مداخيل أغلب شركات الغاز والنفط والعقار المتواجدة في الجزائر، مثلها مثل فنزويلا وجل البلدان الشمولية. الوضع في الجزائر مقلق ومحرج، ونحن نتابع ما يحدث هناك والتهديدات التي أطلقها قادة الأفلان في "حفل تقديم ترشيح" بوتفليقة بالعشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، لن نكون سعداء أمام أي انهيار للدولة الجزائرية، ولا مهللين لأي انفجار اجتماعي وسياسي رغم ما تسبب فيه هذا النظام من آلام للمغرب عند اختلاقه ورعايته للمشروع الانفصال على الأراضي الجزائرية، وللمغاربة، خاصة منهم الذين طردوا من الجزائر ذات صباح بارد دون سابق إنذار. طبعا لن نكون سعداء بأي اصطدام في الجارة لأنه في نهاية المطاف من سيدفع الثمن هو الشعب الجزائري وهو وحده من سيكون ضحيته، مع ما يحمل ذلك من تهديدات للمنطقة، خاصة ونحن لدينا سابقة في ليبيا القذافي الذي استعمل مليشيات البوليساريو ضد الشعب الليبي. في المقابل، ما نطمح إليه هو أن تتحرر الجزائر وتخطو خطوة جريئة نحو انتقال سياسي سلمي ديمقراطي للسلطة يعيد الأمل للجزائريين ويقضي على أية محاولة لإدخال البلاد في الفوضى، ويؤدي إلى بناء جزائر قوية بالديمقراطية، حيث يعود العسكر والجنرالات إلى الثكنات ويودعون الحياة السياسية وتتحرر المؤسسات الجزائرية من قبضتهم القوية. ويمكن الجزم في النهاية بأن أي تغيير وانتقال ديمقراطي في الجزائر سينعكس بالإيجاب على الوضع في المنطقة، خاصة على مستوى بناء الاتحاد المغاربي، لأن أي نظام ديمقراطي سيكون واع بأن أي تقدم لن يتحقق إلا بالتكامل الاقتصادي، وسيكون مقدمة لإنهاء نزاع الصحراء، لأن أي نظام وطني سيعي ألاّ معنى في الاستمرار في حشر الأنف في نزاع يعطل التنمية في الجزائر أو صرف أموال الشعب الجزائري على نزاع مفتعل كل مؤشرات الأممية تؤكد قرب حسمه لصالح المغرب.