تواجدُ وفود أمريكا في الصّحراء أصبحَ واضحاً وأمراً جليّاً، وهو ما يَظهرُ مع زيارة وفد من الكونغرس، يضمُّ مسؤولين من لجنة الدفاع والميزانية، إلى مخيّمات "تندوف"، والتي تأتي بهدفِ إجراءِ تقييم ميداني حول ما يجري بين الجزائر و"البوليساريو"، كما أنّها تأتي لتُكمّل الزيارة الأولى التي قامَ بها الوفدُ الأمريكي إلى الجزائر، ولقائه بالوزير الأول، أحمد أويحيى. وحلَّ الوفدُ الأمريكي، يتقدّمهُ السناتور جيمس إنهوف ومايكل إنزي، رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب، بمخيّمات الجبهة، حيثُ وجدَ في استقبالهِ الأمين العام لجبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، وذلك في إطار زيارة اطلاع على الوضع في مخيمات تندوف؛ وهي الزّيارة الثانية من نوعها التي يقوم بها السناتور الأمريكي، الذي زارَ المخيمات في الفترة نفسها من العام 2017. ومعروف أنَّ أمريكا تحاولُ النزولَ بثقلها في ملّف الصحراء، خاصة بعد تقدّمها بمذكرة إلى مجلس الأمن تحثُّ على "ضرورة التقدم السياسي في الملف"، منتقدة عمل بعثة المينورسو، ومتسائلة حول أدوارها ونتائجها منذ أن بدأت عملها في الصحراء. والشكل الذي تشتغلُ به المينورسو في الوقت الحالي لا يروقُ الإدارة الأمريكية، ويعرقل ويديم الوضع القائم في منطقة الصحراء، حسبها، وهو الانتقاد نفسهُ الذي حملهُ تصريحُ جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بشأنِ عملِ البعثة الأممية، ما سيجعلُ الدورة القادمة لمجلس الأمن محتدمة، وما إذا كانت الأممالمتحدة ستوافقُ على اقتراح نصب شرطة تابعة لها في الصحراء. ويقدّمُ الأستاذ الجامعي والباحث في العلاقات الدولية عبد الرحيم منار السليمي قراءات لهذه الزيارة، مرتبطة بمكونات الوفد الأمريكي، فالأمرُ، بحسبهِ، يشيرُ إلى ارتفاع أولوية منطقة شمال إفريقيا في السياسة الخارجية الأمريكية؛ إذ إن لجنة الدفاع في الكونغرس الأمريكي تقدم تقييمات للأهمية الإستراتيجية للمناطق التي تزورها أثناء نقاشاتها مع المسؤولين عن صناعة القرار في البيت الأبيض الأمريكي. أما القراءة الثانية فهي أنَّ الزيارة بدأت بالجزائر لما التقى الوفد الأمريكي بالوزير الأول اويحيى، وهو اللقاء الذي نُوقش فيه ملف الصحراء، ما يعْني أن الأمريكيين باتوا مقتنعين بأن الجزائر هي الطرف المباشر في نزاع الصحراء، وزيارتهم إلى مخيمات تندوف تدخل في إطار معاينة لوضعية كثيرا ما تحاول الجزائر إخفاءها رغم تشديد قرارات مجلس الأمن على ضرورة فتح المخيمات. وبشأنِ القراءة الثالثة التي يقدّمها السيلمي فهي أنَّ زيارة الوفد الأمريكي بمسؤولين من لجنة الدفاع والميزانية تأتي في وقت تتزايد النقاشات داخل مجلس الأمن حول قضية تمويل القوات الأممية لحفظ السلام؛ فالأمرُ يتعلق في هذه الزيارة بتقييم درجة المخاطر الموجودة قبل اجتماعات مجلس الأمن في الشهرين القادمين. ولعلَّ النقطة المفصلية في تنقّل الوفد الأمريكي إلى الأقاليم الجنوبية المغربية كونهُ يأتي بعد أيام قليلة على موافقة الإدارة والكونغرس الأمريكيين على تقديم مساعدات للمغرب تشمل أقاليمه الجنوبية؛ لذلك ستكون الزيارة معاينة للمشاريع التنموية المغربية في هذه الأقاليم. ويختمُ المحلل السياسي قائلاً: "هذه الزيارة ذات دلالة كبيرة، لكون السياق الذي تأتي فيه محكوم بثلاثة عوامل أساسية؛ أولها تغير صفة الجزائر في محادثات ملف الصحراء وتحولها إلى طرف مباشر في النزاع، ثانيها هو التهديدات الأمنية التي تعرضت لها القوات والبعثة الأممية في المنطقة العازلة. ويتمثل العامل الثالث في الدعم المالي الأمريكي للمغرب في أقاليمه الجنوبية".