لمْ يعدْ تحرُّك أمريكا في الصحراء يقْتصرُ على جمعِ المعطيات الميدانية وضبْطِ التّجاوزاتِ، بلْ امتدَّ دورها إلى تقديم الوعودِ لأتباع جبهة البوليساريو، وهوَ مَا يؤشّرُ على تقدّم الدّور الأمريكي في المنطقة، خُصوصاً بعدَ زيارة الوفد الأمريكي بقيادة رئيس لجنة الدفاع بالكونغرس، جيمس إنهوف، الذي أعْطى للزيارة التّفقدية للمخيّماتِ طابعاً "تضامنياً" مع الجبهة. ويظهرُ من هذه الزيارة "التفقدية" الميدانية التي جاءتْ ب 17 عضواً من الكونغرس والبرلمان الأمريكي، بقيادةِ رئيس لجنة الدفاع بالكونغرس، جيمس إنهوف، إلى مخيمات تندوف، أنَّ تحرّكات اللوبي الجزائري على المستوى الأمريكي باتتْ تأتي بنتائج، فقدْ أقرَّ إنهوف، عضو الكونغرس الأمريكي، والذي يصفهُ الإعلام الدولي بالسيناتور الأشد جنوناً، بأنَّ "زيارة الوفد الأمريكي إلى مخيّمات تندوف في سبيل الحرية". والإدارة الأمريكية غير واضحة في تعاطيها مع قضية الصّحراء، لكنّها كرّستْ مبدأ يعتمدُ على إرضاء كافة أطراف النزاع، ولا تريدُ إعطاء قراءة قطعية نهائية للصراع بوقوفها مع طرفٍ معيّنٍ؛ رغم أن التشريعات الأمريكية دفعَت الكونغرس مؤخراً إلى الاعتراف بأن الصحراء جزء من المغرب، الذي رحَّب بالخطوة واعتبرها تعزّز التعاطي الإيجابي للأمريكيين لدعم التوصل إلى حل تفاوضي للنزاع على أساس خطة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط. والزيارة التي يقوم بها السيناتور تؤكّد أن تحركا أمريكاً يلوحُ في أفق نزاع الصحراء، رغم أنَّ الإدارة الأمريكية لم تنزل بعدُ بكامل ثقلها في هذا الملف، مكتفيةً بوصف المقترح المغربي ب"الجدي والواقعي وذي المصداقية"، لكنْ دونَ اتخاذ إجراءات عملية أكبر لوضع حدّ لهذا النزاع. ويظهرُ ذلك جليا في تقديم الدعم لهورست كوهلر في طاولة النقاش الأولى بجنيف، والتي شاركت فيها الجزائر كطرف أساسي ومعني بشكل مباشر بالملف، كتعبير عن توجه جديد للأمم المتحدة تحت ضغط الإدارة الأمريكية، التي قلصت من تمويلها للبعثة الأممية في الصحراء. ويبيّنُ خطري الشرقي، مدير مركز الجنوب للدراسات والأبحاث، أنَّ "الوفد ضم كلا من رئيس لجنة الدفاع بالكونغرس انهوف جيمس، ورئيس لجنة الميزانية بالكونغرس، وأعضاء من الكونغرس والبرلمان"، مشيراً إلى أنَّ "هذه الزيارة هي الثانية من حيث نوعية الضيوف، إذ سبقَ أنْ قامَ بها وفد من الكونغرس برئاسة جوزيف بيتس سنة 2000". "الموقف الأمريكي دوما كان مرتبطا بالتوازنات الجيوسياسية التي تطرح المصالح الأمريكية كأولوية وضرورة أساسية من هذه النقطة"، يقول خطري، مؤكدا أن "تعاطي الساسة والإدارات الأمريكية المتعاقبة مع ملف الصحراء شهد تجاذبات بين استمرارية نفس التوجه الذي يدفع إلى حل متوافق عليه في إطار الأممالمتحدة دون ضغوط تذكر على طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر، وبين التغيير". وينطلقُ الخبير من تقرير منظمة كيندي الذي جاء في 37 صفحة مؤخرا وتوصيته الثانية الخاصة بالنزاع، والذي أوصى إدارة ترامب بتعزيز العلاقات والمصالح الاقتصادية والاعتماد على منطق التحالفات والتوافقات في القضايا الإقليمية والدولية. وزيارة الوفد الأمريكي، حسب خطري، تحمل رؤيتين؛ الأولى تتمثل في مبدأ التوازن الذي يحاول دوما الأمريكيون العمل عليه في إطار الحفاظ على مصالحهم مع جميع أطراف، سواء المغرب أو الجزائر التي تعيش لحظات صعبة مرتبطة بالحركات الاحتجاجية على العهدة الخامسة، والأمر نفسه بالنسبة لجبهة البوليساريو بعد توقيع اتفاقية الصيد والفلاحة مع اتحاد الأوربي ومصادقة الكونغرس على حزمة المساعدات مقدمة للمغرب تشمل الصحراء. ويضيفُ المتحدث ذاته: "زيارة هذا الوفد هي محاولة لإرضاء الطرف الجزائري، مع الإشارة إلى قوة نفوذ رئيس الوفد انهوف جيمس"، مسجلاً أن "هناك مصالح يسعى الأمريكيون إلى الحصول عليها في المنطقة، وخاصة بعد التجديد في مدة بعثة المينورسو من سنة إلى ستة أشهر". "المواقف الغربية الأخيرة من الاتحاد الأوروبي أو الإقليمية من الاتحاد الإفريقي تذهب في البحث عن مخرج أساسي للنزاع، وضمان السلم والأمن، مع وجود قضايا الإرهاب والهجرة وتجارة الأسلحة والجريمة العابرة للحدود"، يورد خطري في تصريحه لجريدة هسبريس. ويزيد: "الأمريكيون واعون بهذه القضايا، وخير دليل انخراطهم في مناورات الأسد الأفريقي العسكرية مع المغرب، لكن زيارة الوفد أمْلتها اعتبارات وحسابات جيوسياسية، خاصة لفريق ولاية أوكلاهوما ولوبي تجارة السلاح بالولايات المتحدةالأمريكية الذي يبحث عن رفع حجم مبيعاته في منطقة شمال إفريقيا بالدرجة الأولى".