فشل السلطة أو انهيارها لأي سبب كان هو فشل لمشروع التسوية السياسية ولنهج أوسلو وربما يُحسب كفشل للنخب السياسية التي راهنت على السلطة، ولكنه لا يعني فشل أو نهاية المشروع الوطني التحرري أو منظمة التحرير الفلسطينية، ربما أثر عليهما وأضعفهما ولكنه لا يعطي المبرر لمن يريد أن يطلق رصاصة الرحمة على المشروع الوطني والمنظمة مستغلا ضعف السلطة أو انهيارها أو حتى سوء ممارساتها. السلطة الفلسطينية ليست المشروع الوطني ولا منظمة التحرير، بل إحدى أدوات العمل السياسي لهما فرضتها ظروف قاهرة، وفشل الأداة لا يعني فشل الأصل أو مَن يستعمل هذه الأداة ما دام باستطاعته البحث عن أدوات أخرى. وهكذا وبجهل من البعض وبنية مبيتة خبيثة ومشبوهة من آخرين، يتم الخلط ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية من جانب والمشروع الوطني ومنظمة التحرير من جانب آخر، وهو خلط تترتب عليه مخرجات خطيرة من وجهة نظر هؤلاء، أهمها أن حل السلطة الوطنية بقرار من القيادة الفلسطينية أو فشلها وانهيارها نتيجة الممارسات الإسرائيلية والأمريكية معناه فشل المشروع الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير، وعليه المطلوب البحث عن بديل للسلطة ومنظمة التحرير، مما هو قائم من تشكيلات سياسية أو صناعة كيان جديد وإلباسه لباس المشروع الوطني. وللأسف تتقاطع واشنطن وتل أبيب مع حركة حماس وفصائل فلسطينية في الترويج لهذا الخلط وموقفهم المعادي للسلطة وللمشروع الوطني الذي تمثله منظمة التحرير حتى وإن اختلفوا في الأهداف النهائية والبديل المرغوب من كل طرف. في الفترة أو الأشهر الأخيرة، وعلى أرضية الخلط ما بين السلطة والمشروع الوطني يتبلور حلف غير رسمي من أعداء المشروع الوطني التحرري وأعداء الشعب الفلسطيني، يتشكل من إسرائيل وواشنطن وبعض الدول الغربية والعربية. وللأسف، فإن هذه الدول توظف المواقف الفلسطينية المعارضة للسلطة وللقيادة الفلسطينية، وبعضها من فصائل منظمة التحرير، لتبرر مواقفها وسياساتها المعادية للمشروع الوطني التحرري. لا شك أن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ليستا منزهتين عن الخطأ، بل نقول إن كثيرا من الأخطاء والخلل صاحبا مسيرتهما، سواء تعلق الأمر بإدارة الأمور الداخلية في مناطق السلطة ومع مكونات النظام السياسي أو في كيفية إدارة ملف المفاوضات والتعامل مع إسرائيل، ولكن ما آل إليه حال السلطة ومنظمة التحرير لا يعود للأخطاء الداخلية فقط، بل يمكن القول إن هذه الأخطاء كانت ثانوية إذا ما قارناها بتأثير المخطط الإسرائيلي والأمريكي للقضاء على منظمة التحرير وإفشال الدور الوطني للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى ممارسات قوى المعارضة الفلسطينية. نعم، إن ما آل إليه حال منظمة التحرير والسلطة الوطنية لا يسر أحدا، بل يثير استياء غالبية الشعب الفلسطيني، ولكن نُعيد التأكيد أن السلطة ليست المشروع الوطني، بل هي مشروع تسوية ونتاج لاتفاقية أوسلو وفشلها يعني فشل التسوية السياسية التي هي أصلا مشروع تسوية أمريكي توسع ليضم أربعة أطراف دولية (الرباعية الدولية) مع خطة خارطة الطريق 2002، فلماذا الآن نقول إن منظمة التحرير أو السلطة فشلت ولا نقول إن الرباعية وكل من تعامل وشارك في السلطة الفلسطينية يتحمل مسؤولية الفشل؟ نؤكد أن فشل السلطة ونهج التسوية السياسية الأوسلوي لا يعني فشل المشروع الوطني، ومن يقول بذلك إنما يفتأت على المشروع الوطني، لكن منظمة التحرير تتحمل درجة من المسؤولية نتيجة فشل رهانها على التسوية السياسية التي عنوانها اتفاقية اوسلو وسلطة الحكم الذاتي. فمنذ تأسيس السلطة ومراهنتان متعارضتان تتصارعان على السلطة: 1. المراهنة الأولى طرفاها الأساسيان إسرائيل والولايات المتحدة، حيث كانت مراهنتهما أن تكون السلطة أداة لتحقيق أمن إسرائيل وكبديل مطيع لهما لتحل محل منظمة التحرير والمشروع الوطني. 2. المراهنة الثانية فلسطينية ووطنية كانت تأمل أن تشكل السلطة قاعدة ومنطلقا للدولة الفلسطينية المنشودة من خلال عملية انتقال تدريجي من الاحتلال إلى سلطة حكم ذاتي ومنها إلى الدولة. لكن لم تجر الأمور بما تشتهي المراهنة الوطنية المنشودة، حيث وظفت إسرائيل وجود سلطة فلسطينية لتقوم بتكريس الاستيطان ومواصلته مع مناصبة السلطة العداء، وخصوصا بعد أن رفض الراحل أبو عمار في قمة كامب ديفيد 2 عام 2000 الخضوع للابتزاز الأمريكي ومن بعده الرئيس أبو مازن مع رفضه لآلية المفاوضة والمساومة على القدس وأساس التسوية السياسية القائم على الأرض مقابل السلام وحل الدولتين، وأخيرا رفضه التساوق مع صفقة القرن الأمريكية. ومع واشنطن وتل أبيب عملت حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى على إفشال السلطة، حيث إن حماس وطوال سنوات تأسيسها وهي تعمل كل ما من شأنه إعاقة عمل السلطة وتشويهها وتشويه منظمة التحرير والمشروع الوطني في مراهنة على أن تحل محل السلطة ومنظمة التحرير، دون أن نتجاهل أخطاء السلطة نفسها، سواء في الإدارة الداخلية أو في إدارة ملف المفاوضات. منذ سنوات ونحن نحذر من حل السلطة أو إنهائها لأي سبب كان قبل تهيئة البديل الوطني، سواء كان منظمة التحرير بعد استنهاضها واستيعابها للكل الوطني أو الدولة الفلسطينية كواقع وليس مجرد مشروع أو فكرة، واليوم فإن إسرائيل وواشنطن وأطراف أخرى، بما فيها فلسطينية، تقوض السلطة الفلسطينية دون وجود بديل وطني محل إجماع وطني. ما هو موجود اليوم هي منظمة التحرير الفلسطينية التي بالرغم من حالة الضعف التي تنتابها وفشل محاولات تطويرها واستيعابها للكل الوطني إلا أنها تمثل رسميا الشعب الفلسطيني ومحل اعتراف غالبية دول العالم بأنها عنوان للشعب الفلسطيني كما أن لها سفراء في غالبية دول العالم، فهل من صالح الشعب الفلسطيني التشويه والتشكيك بهذا العنوان والكيان المعنوي للشعب؟ أليس غريبا أن تلتقي المواقف الإسرائيلية والأمريكية من المنظمة والمشروع الوطني مع موقف أحزاب وفصائل فلسطينية؟! كان من الممكن تَفَهم موقف المعارضين والمشككين بالمنظمة والمشروع الوطني لو كان لديهم البديل أو كان مشروعهم يحقق إنجازات وانتصارات، ولكن والكل يلمس مأزق بل وفشل مشاريع كل من ناصب المنظمة والمشروع الوطني العداء أو طرح نفسه بديلا عنهما، فإن موقف المطالبين بتجاوز المنظمة والمشككين بالمشروع الوطني لن يخدم إلا دولة الاحتلال ولن يصب إلا في صالح الانفصال ومشروع دولة غزة، ولو استوعب معارضو المنظمة والسلطة بأن إسرائيل التي حاربت منظمة التحرير والسلطة وأفشلتهما في تحقيق الهدف الوطني هي نفسها التي تحاربهم وأفشلت مشروعهم، وإسرائيل وواشنطن لن تقبلا التعامل معهم، بل مجرد وجودهم، إلا بثمن أفدح مما قدمته المنظمة والسلطة، لو تفهموا ذلك لأعادوا النظر في مواقفهم من المنظمة والقيادة والمشروع الوطني لو كانت نواياهم وطنية صادقة. [email protected]