تواصل السلطات المغربية التضييق على العدل والإحسان باستمرار منذ تأسيسها إلى غاية الآن، بحيث ما إن تبادر هاته الأخيرة إلى فتح نافذة من نوافذ التواصل والاتصال مع المجتمع في ظل الشرعية والمشروعية حتى تعترض سبيلها الأجهزة الأمنية والإدارية، باعتبارهما أهم أدرع الدولة، الخاضعين لتعليماتها وسياساتها القمعية، بغية التضييق على الجماعة وتشديد الخناق والحصار عليها في محاولة يائسة منها لعزلها وتحييدها عن المجتمع. هذا التضييق والحصار دام لمدة تجاوزت أربعين سنة، تميز في عشريتيه الأولى والثانية بفرض حصار شامل على الجماعة بمحاولة حلها واعتقال مرشدها وحصاره وبمحاكمة أعضاء مجلس إرشادها وقياداتها وتوقيف منابرها الإعلامية، في حين عرفت العشريتان الثالثة والرابعة حربا على الجامعات والمخيمات ومجالس الذكر والقران وما رافق حراك 20 فبراير من قمع ومحاكمات، وكذا هجوم كاسح على الحقوق والحريات والملكية الخاصة "تشميع البيوت" والقيم والأخلاق. اعتقال المرشد ومجلس الإرشاد وفرض الحصار الشامل دشنت الأجهزة الأمنية حملتها القمعية باعتقال المرشد المؤسس للجماعة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في بداية السبعينات من القرن الماضي، وأودعته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر بدون محاكمة، ثم أرسل بعد ذلك إلى مستشفى للأمراض العقلية على خلفية بعثه لرسالة الإسلام أو الطوفان على شكل نصيحة إلى ملك البلاد الحسن الثاني، لتحاصره فيما بعد لمدة عشر سنوات ببيته مانعة إياه من الاتصال والتواصل مع الأغيار، كما اعتقلت مجلس الإرشاد وأطر دعوية للجماعة بجل المدن المغربية، ومنعتهم من التواصل مع الأعضاء والأتباع وكذا الرأي العام، ظنا منها أنها باعتقالها للقيادة ستفصل رأس الجماعة عن جسدها وسيصاب هذا الأخير بالشلل التام ومن ثم يؤدي به إلى الانكماش والتفكك ثم الزوال، إلا أن مشيئة الله وإرادته وقدرته كانت للجماعة حفظا ووجاء. كما عمدت إلى إقبار باقي منابر التواصل فمنعت مجلة الجماعة وجريدة الصبح والخطاب والفتوة وصحيفة العدل والإحسان، وحاولت عدة مرات حجب المواقع الالكترونية للجماعة وقرصنة العديد من صفحات وحسابات التواصل الاجتماعي لأطرها ونشطائها ووجوهها الدعوية والسياسية البارزة. اضطهاد السلطة للعمل النقابي بالجامعات وبناء على دورية ثلاثية مشؤومة لوزارات الداخلية والعدل والتعليم العالي، اعتقلت مئات من طلبة العدل والإحسان وطردت العشرات وهشمت رؤوس العديد منهم وكسرت عظامهم دون رحمة أو شفقة، وذلك رغبة منها لكسر شوكة فصيل طلبة العدل والإحسان بالجامعات المغربية، على اعتبار أن هذا الأخير يقود الحركة الطلابية في تلك المرحلة الدقيقة ويشكل رمح الجماعة والخزان الكبير الذي يمدها بأطر مدربة ومؤهلة لتبليغ مشروعها المجتمعي، وبمثابة نافذة تطل من خلالها على الآخر. ولعل العنوان الكبير للعسف الممارس من قبل الدولة على فصيل طلبة العدل والإحسان، يظهر لنا جليا من خلال تقديم هذا الأخير شهيد كلية الطب بالبيضاء عبد الجليل فخيش وشهيد الحمراء أحمد أزوغار دفاعا عن الحرية وذودا عن الحقوق وصونا للكرامة، وكذا الحكم على إحدى عشرة طالبا بشرق المغرب في تسعينات القرن الماضي بالحبس النافذ لمدة مجموعها 220 سنة، قضوا منها جميعا قرنين من الزمن وراء القضبان من أجل جنح وجنايات ملفقة لا يد لهم فيها، والحكم ظلما وعسفا على السيد عمر محب بفاس ب 10 سنوات حبسا نافذا، كل ذلك يدخل في إطار مساومة للجماعة والضغط عليها لتليين من مواقفها السياسية تجاه النظام الحاكم. اعتقالات 10 دجنبر وسعيا منها لرفع الظلم والحيف الممارسين عليها من طرف الأجهزة الأمنية، أعلنت الجماعة يوم 10 دجنبر من سنة 2000 تنظيم وقفات احتجاجية على مسلسل القمع الذي تنهجه الدولة إزاءها واختارت اليوم العالمي لحقوق الإنسان مناسبة لذلك، حتى تتمكن من إبراز مظلوميتها وكشف زيف ادعاءات وشعارات العهد الجديد وطي صفحة الماضي. غير أن السلطات أبت إلا أن يشهد العالم في هذا اليوم العالمي عن حقيقتها القمعية ومعدنها الاستبدادي، حيث تدخلت القوات الأمنية بعنف وهمجية دموية لمنع تنظيم الوقفات السلمية التي صرّحت الجماعة بتنظيمها في ثماني مدن هي: الرباط، الدارالبيضاء، الجديدة، مراكش، أكادير، تطوان، فاس، ووجدة، وقد خلف هذا التدخل القمعي الدموي إصابات كثيرة، بعضها خطير، في صفوف أعضاء الجماعة المسالمين، رجالهم ونسائهم، فضلا عن اعتقال المئات من الأشخاص، حيث تجاوز عددهم في يوم واحد 1100 موقوف، من بينهم أفراد من أسرة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، وبعض أعضاء مجلس الإرشاد، وقد قُدم من هؤلاء المعتقلين إلى المحاكمة 126 عضوا. منع المخيمات وأمام النجاح الكبير لمخيمات العدل والإحسان الصيفية أواخر التسعينات وبداية الألفية الثانية، وكذا الإقبال الملفت للنظر على هاته الأخيرة من لدن عموم الشعب المغربي، بسبب جودة البرامج التربوية والترفيهية والثقافية التي كان يستفيد منها المصطافون، وإحساسهم بالأمن والأمان بين أحضان مخيمات الجماعة، لجأت الدولة إلى منع هاته المخيمات بدون مسوغ قانوني وذلك باستعمال القوة والعنف وكذا اعتقال العشرات من أطر الجماعة ومحاكمتهم وحجز أمتعتهم ومصادرة الأجهزة التي كانوا يستعملونها في المخيمات، ونذكر في هذا الصدد مخيم أبونعايم نواحي مدينة أزمور الذي وصل عدد مصطافيه إلى مائة ألف مصطاف على مدار شهر بكامله. وتجدر الإشارة إلى أن الدولة لم تكتف بمنع المخيمات الخاصة للجماعة، بل عمدت إلى منع أعضائها وأطفالهم من حقهم الإنساني والدستوري في التخييم، سواء في الشواطئ العامة أو في المخيمات التي تنظمها وزارة الشبيبة والرياضة وكذا الجمعيات المحسوبة على العدل والإحسان، كان من بينها المنع الذي طال مخيم أيت أورير بضاحية مدينة مراكش لفائدة 300 طفل، الذي كان تحت إشراف جمعية المنظمة المغربية لمكافحة الهدر المدرسي والتنشيط السوسيو-ثقافي، القادمين من مدينة تمارة بتاريخ 02 غشت 2015، وكذا المنع الذي طال مخيما لفائدة 150 طفلا قادمين من مدينة وجدة في اتجاه مدينة الحسيمة، المنظم من طرف جمعية التربية والتكوين بتاريخ 20 يوليوز 2015. التضييق على الأبواب المفتوحة وأمام الإقبال الكبير على الأبواب المفتوحة التي نظمتها جماعة العدل والإحسان، والتي استفاد منها عشرات الآلاف، صدرت دورية عن وزير الداخلية الأسبق شكيب بنموسى بتاريخ 24 ماي 2006، جاء في مطلعها "إن جماعة العدل والإحسان بتكثيفها لأنشطتها تكون قد خرجت عن نطاق القانون"، الأمر الذي دفع الأجهزة الأمنية والقضائية إلى شن حملة تضييق واعتقالات ومحاكمات في حق أعضاء الجماعة استمرت إلى غاية انطلاق شرارة الربيع العربي وبروز حركة 20 فبراير بالمغرب سنة 2011. وخلفت هاته الحملة الظالمة على جماعة العدل والإحسان مأساة حقوقية بامتياز؛ إذ في ظرف خمس سنوات وصل عدد الأعضاء الذين زج بهم في مخافر الشرطة وسجون البلاد إلى 7232 عضوا، من بينهم 1167 موقوفة من نساء العدل والإحسان، ناهيك عن الطلبة والأطفال القاصرين، ليصل مجموع المتابعين منهم إلى 1288 شخصا، كان من أبرزهم ملف المختطفين السبعة الذي اختطفتهم أجهزة المخابرات المغربية من بيوتهم بفاس بتاريخ 28 يونيو 2010، واقتادتهم إلى مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمدينة البيضاء، ليخضعوا إلى تعذيب وحشي وبشع دام لمدة ثلاثة أيام، قبل أن تبرئهم الغرفة الابتدائية لمحكمة الاستئناف بفاس بعد 6 أشهر من الاعتقال الظالم، غير أن الغرفة الاستئنافية عدلت الحكم وحكمت عليهم بما قضوا من حبس احتياطي. هذه الحرب الشعواء على العدل والإحسان لم تكتف بالأحكام السالبة للحرية لأعضائها وأطرها وقياداتها والتضييق عليهم في أرزاقهم، بل اتخذت منحا آخر، وهو تلفيق تهم لا أخلاقية لأعضائها ونشطائها، ومنع أنشطة جمعياتها ومحاكمة ومحاصرة مفكريها وأدبائها، وعلى رأسهم الأستاذة نادية ياسين والشاعر منير الركراكي، وكذا تشميع بيوت أعضائها، وحرمان بعض قياديها من الحصول على جوازات السفر وإثقال كاهل الجماعة بغرامات مالية ظالمة وقاسية وصلت خلال الفترة المذكورة أعلاه إلى مبلغ 5527215.00 درهم، وكل ذلك بغاية تجفيف المنابع الدعوية والتربوية والإشعاعية والمادية للجماعة، بهدف كبح جماحها وفرملة تغلغلها وسط المجتمع وإضعافها في أفق إخضاعها لإرادتها. الجماعة وضحايا حراك 20 فبراير وينبغي التنبيه من جهة أخرى إلى أن العدل والإحسان كان لها النصيب الأوفر من قمع الدولة لنشطاء حركة 20 فبراير، بحيث إنه استنادا إلى تقرير أولي أعدته رابطة محاميي العدل والإحسان عن الفترة الممتدة من 20 فبراير 2011 إلى غاية 24 نونبر من السنة ذاتها، وصل عدد الذين زج بهم في مخافر الشرطة إلى 1193 ناشطا، من بينهم 355 عضوا من العدل والإحسان، ووصل عدد الذين أصيبوا بكسور وجروح ورضوض إلى 595 شخصا، من بينهم 340 من الجماعة. في حين وصل عدد الذين توبعوا قضائيا إلى 277 ناشط، منهم 36 عضوا من العدل والإحسان، دون أن نغفل أن هاته الأخيرة قدمت للوطن شهيدين إبان حراك 20 فبراير، كمال عماري وعبد الوهاب زيدون، وكلاهما ثم حفظ ملفيهما من طرف الأجهزة القضائية رغم ثبوت مسؤولية الدولة في الحادثين. وارتباطا بالحراك نفسه، اعتقلت السلطات المغربية، في إطار خوضها لحملة اعتقالات واسعة في صفوف دعاة مقاطعة الانتخابات التشريعية التي نظمت يوم الجمعة 25 نونبر 2011، ما يزيد عن 133 معتقلا، ضمنهم 58 عضوا من جماعة العدل والإحسان. انتهاك حرمة المساجد والمقابر والبيوت والحق في الوظيفة العمومية ومن أغرب الانتهاكات التي مارستها السلطات على العدل والإحسان، حربها على سنة الاعتكاف بالمساجد؛ حيث ثم طرد المئات من المعتكفين خلال شهر رمضان الفضيل من عشرات المساجد المغربية بعدما داست أحذية الأجهزة الأمنية حرمة بيوت الله، وحرمان بعض أعضاء الجماعة من أداء مناسك الحج والعمرة، وطرد خطبائها ووعاظها وأئمتها من وظائفهم، بل وصلت بهم الجرأة على دين الله وأعراف البلد وتقاليده وهويته إلى محاولة منع دفن زوجة الإمام عبد السلام ياسين، السيدة خديجة المالكي، بمقبرة الشهداء بالرباط، بجانب زوجها خلال شهر مارس من سنة 2015، حيث تمت عسكرة المقبرة المذكورة وحوصر الموكب الجنائزي لمدة ناهزت 6 ساعات تحت ألسنة الشمس الحارقة، وعنف المشيعون وانتهكت حرمة الأموات وديست القبور بأقدام العسكر وقوات التدخل السريع. وكذا تضييقها على مجالس القرآن ومجالس النصيحة وتشميع البيوت التي كانت تحتضنها، ومن بينها بيت الأمين العام للجماعة الأستاذ محمد عبادي الذي مر على تشميعه 13 سنة، وما يزال إلى حد الآن مشمعا بمقتضى تعليمات أمنية. ناهيك عن إقدامها بتاريخ 05 فبراير 2019 على اقتحام ثلاثة بيوت لأعضاء من الجماعة، بكل من الدارالبيضاء والقنيطرة وانزكان، لتنضاف إلى لائحة أخرى من البيوت المشمعة التي انتهكت حرمتها وأغلقت بدون موجب حق، بناء على قرارات إدارية تعسفية مخالفة للقانون المغربي الذي لا يسمح للسلطات الإدارية بإغلاق المساكن المعتمرة على الإطلاق، على اعتبار أن الإغلاق تدبير وقائي قضائي من اختصاص السلطة القضائية لوحدها. دون إغفال الإشارة إلى الانتهاك الجسيم الذي طال عشرات الأطر المحسوبة على جماعة العدل والإحسان وذلك بإعفائهم من مهام بالوظيفة العمومية، في مخالفة لكل المبادئ والحقوق المفترض أنها محمية بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية. ختاما على الرغم من حجم التضييق والعسف الممارس من قبل السلطات في حق تنظيم العدل والإحسان ومؤسسها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله على مدار ما يربو عن الأربعين سنة، فإن ذلك لم يفت في عضدها شيئا، ولم يجعلها تحيد عن مبادئها أو تتراجع عن مواقفها، بل زادها صلابة وقوة وتماسكا ووهجا وأملا في مستقبل يسوده العدل والحرية والكرامة، ودولة تقطع مع ماضي الفساد والاستبداد والتحكم. "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" صدق الله العظيم.