من ضمن ما قيل في الكذب والكذابين أن الكذب أحلى صناعة عند المرأة .....دعوني أبتعد بقلمي عن نطاق الدفاع على قضية نون النسوة ولنخض في نوع آخر من أنواع الكذب الذي يخيل إلي أن امتداداته تشابه إلى حد بعيد الامتداد الزمني للإشعاع النووي. حتى لا أتيه بخيالك عزيزي القارئ فموضوع اهتمامي منحصر اليوم عند الكذب السياسي، وأول إفرازات هذا النوع الهدام من الكذب الالتفاف على تطلعات المواطن عبر استنساخ برامج تدغدغ أحلامه وتقزم دوره كناخب ولاعب محوري بالمسرح السياسي. وحتى لا نبتعد كثيرا عن المعادلة الصعبة التي تجمع بين السياسي والناخب ضمن مشروع كذبة مبنية على الخداع والتلاعب نأخذ كمثال عملية التواصل السياسي بين الأحزاب والناخبين طيلة الحملة الانتخابية الأخيرة فعلى امتداد هذه الفترة من النزال السياسي المحموم تم إقحام الحسابات الانتخابية الضيقة في التعاطي مع المواطن كما بدا واضحا في كل البرامج الانتخابية التي تشابهت بشكل صارخ أن ورقة (الخبز أولا) هي أسرع طريق للوصول إلى البرلمان والحقيقة أن التعامل مع الناخب المغربي وفق منطق التمويه هو حماقة سياسية فمن الصعب اختزال تطلعاتنا ومطالبنا كناخبين في الفقر والبطالة بل هي جملة مطالب تحكمها عوامل معقدة ومتشابكة يؤثر بعضها على بعض ما يجعلك يا أيتها الأحزاب المغربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعادة صياغة مفهوم التواصل السياسي معنا كمواطنين في المغرب اليوم مغرب ما بعد الخامس والعشرين من نونبر. وبما أن حمى الحملة وزمن الشعارات والاستخفاف بذكاء الناخب قد ولى وحل مكانه زمن المسائلة والحكم على النتائج العملية والأفعال الوطنية دعونا نلفت انتباه أحزابنا السياسية ممن خرجت مرفوعة الرأس من صناديق الاقتراع أنه أيا كان الثوب الذي قد تلتحف به مستقبلا ثوب الأغلبية أو المعارضة فإن أول واقع عليها التعاطي معه بجدية هو أن الناخب المغربي الذي أثبتت الوقائع والأرقام أنه تصالح مع صناديق الاقتراع أصبح مدركا لحد بعيد قيمة صوته وواعيا بسياق مصالحته السياسية مع الأحزاب ومستعدا قبل هذا وذاك لاستخدام حقه وواجبه كمواطن لمسائلة هذه الأحزاب وتقويم أدائها في تنزيل مضامين الدستور تلك الوثيقة التي ساهمت إلى حد بعيد في إحياء الأمل بالتغيير وإعادة الاعتبار للإرادة السياسية للمواطن. في اعتباري فإن أول خطوة لتصحيح صورة الأحزاب السياسية بعد استحقاق الخامس والعشرين من نونبر هي تطهير العمل السياسي من الفساد والمفسدين والنهوض بدور البرلمان كساحة لتفعيل الديمقراطية وتحصين العمل بالجسم الحكومي لكونه الحاضن لمبادئ الديمقراطية المنطلق الحقيقي للتنمية والإصلاح والتغيير...صحيح أن الشفافية ليست صافية عند أهل السياسة لكن المساءلة أصبحت واقعا ملموسا لاعتبارات بينها ما هو مرتبط بسياق عربي وإقليمي عنوانه الأبرز التحول نحو الديمقراطية أضف إلى ذلك أن ما يسمى في الأدبيات السياسية (برجل الشارع) هذا المكون الأساسي لمغرب التنمية البشرية لم يعد مهتما بلون الحزب الذي يمثله بقدر اهتمامه ببرامج واقعية تؤطرها التزامات واضحة حيال كل فئات الشعب وخصوصا فئة الشباب هذه القوة الصاعدة التي تبحث اليوم عن دور لها في غمرة الحراك الذي يكتنف المشهد السياسي المغربي فكل المؤشرات تدل على أن الشباب سئم وضعه على هامش المعادلة السياسية.... إن أهم ما ينتظره الشباب المغربي اليوم جراحة شاملة تعيد للعمل الحكومي بريقه و خطابا سياسيا هادئا يرقى بالجسم الحكومي عن مطبات الاهتزاز السياسي و وزراء ورجال دولة قادرين على صنع القرار السياسي..... الشباب المغربي يريد باختصار سياسيين ورجال دولة قادرين على تحمل تبعات الديمقراطية....