يوضّح عبد العالي مجذوب، باحث مغربي، في أولى صفحات كتابه "أدب عربي أم أدب إسلامي؟"، الصادر عن دار مجد للإنتاج والنشر، انطلاقه من تصوّر أنّ "الدين لا ينفكّ عن حياة الإنسان مؤمنا كان أم غير مؤمن، لأنه في قلب الحياة بكلّ ما يتفاعل فيها من تصوّرات ومعتقدات واقتناعات... وعنصرٌ جوهريّ في الحياة آمن به من آمن وكفر به من كفر، وشأن يخصّ من ألحد وجحد به ولا يخصّ أحدا غيره"، بينما الأمر المرفوض، حسب المصدر نفسه، هو "سعي الملحد محاربة الإسلام بالباطل وكلّ ما يمتّ له بصلة من بهتان ومغالطات وتلبيسات وتمويهات". وإذا كان الجحود بالدين، حسب مجذوب، جحودا بالحياة، فإن "الأدب الحقيقيّ، لا الأدب المزوّر، تجلٍّ من تجلّيات الحياة ومعبّر عن تقلّباتها وتلوّناتها ونشاطها وخمولِها، وقبحها وجمالها، وسموِّها وانحطاطها، بمختلف أشكاله وأساليبه وصوره وفنونه"، بينما "رفض الأدب الإسلامي ونسبة أنصاره، مفكّرين وأدباء ونقّادا، إلى الجهل والتطرّف والادّعاء هو التّحكّم بعينه، وسلوك طبيعيّ من أناس يعانون تشوّهات خطيرة على مستوى الوعي، وانحرافات حادة على مستوى التصوّر والفهم، أورثتهم عاهة مزمنة في تصرّفاتهم تجاه الآخر "الإسلامي"، وموقفا آليا يرى أن الأدب لن يكون له أبدا نسب بالدين". وانتقد الكتاب مجموعة من "شعراء الحداثة"، من بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، محمد بنيس، أكاديمي شاعر مغربي، على ما ورد في كتابه "الحداثة المعطوبة" الذي سمّى فيه دعاة الأدب الإسلامي "أولياء بدون ولاية" وقدّمهم على أنهم "من مظاهر المرحلة الحالية في الثقافة العربية التي تتخلّى عن القيم الكبرى للحداثة"، واصفا الدعوة إلى الأدب الإسلامي بأنّها "ردّ فعل جاهل بالأدب، وبالأدب العربي، وبالثقافة العربية"، ووسم أهلها بالخارجين عن الأدب، بل سمّاهم "أهل اللا أدب"، مشيرا هنا إلى ما أسماه ب"الجرأة في الحكم على الآخر، والتّعالم والأستاذية المزيّفة في النّظر إلى مخالفيه". في المقابل، أشاد الكاتب بصنف المعترضين على تسمية "الأدب الإسلامي" الذين يشهد خطابهم ولغتهم في النّقاش والحجاج بأنّ الحوار والتّواصل معهم ممكن لأن اعتراضهم لا ينتج عن "منطلق إيديولوجي أعمى، وموقف لا ديني جاحد"، إنما هو "قائم على اعتبارات منها ما هو شرعي وتاريخي ومنها ما هو أدبي ونقدي"، ذاكرا منهم، على سبيل المثال لا الحصر، الأكاديمي بن تنباك الذي رأى في مصطلح الأدب الإسلامي "خروجا على كلّ ما أقرّته الأمّة الإسلامية وقبلته من فنون الآداب دون مسوّغ شرعي أو نقدي... وإعلانا لأسس الطائفيّة والمذهبية في الأدب... وقتل ملَكات الإبداع لدى الشباب بما يسمّى بالالتزام، وتضييق دائرة المباح أمام الناس، والتشويش على الماضي الذي لا يوافق منهجهم"، وذكّر ب"إثبات التجربة الإبداعية عند أدباء هذا المنهج فشلها، وتحجّر معانيها، وضعف قدرتها على القيام بأدنى درجات القبول الفني...". أدب ملتزم استشهد الكاتب في تعريف الأدب بمجموعة من التعاريف، من بينها ما ورد في "تاج العروس من جواهر القاموس" حول كون "الأديب من النّاس (من) يأدِب الناسَ إلى المحامد وينهاهم عن المقابح"، وما جاء في "شرح أدب الكاتب" للجواليقي حول أن "الأدب الذي كانت تعرفه العرب هو ما يحسّن من الأخلاق وفعل المكارم". ويعمّ المفهوم العقدي الرسالي للوصف الإسلامي للأدب، حسب مجذوب، الزمنَ الإسلامي منذ فجر الإسلام إلى اليوم دونَ انقطاع، ويتميّز بتركيزه على النسبة الإسلامية بما هي إحالة على الإسلام-الرسالة، والإسلام-الاعتقاد، والإيمان والالتزام والأخلاق، لا على الإسلام-الثقافة التي تشمل المؤمنين وغير المؤمنين، ولا فرق في ظلّها بين الملتزمين وغير الملتزمين؛ وبالتالي يكون الأدب الإسلامي بهذا المفهوم "أدبا يصدر عن اعتقاد ورسالة"؛ بمعنى أنّه أدب "ملتزم" يراعي مقتضيات الإسلام العقديّة والأخلاقية إيمانا وفكرا وأحكاما وعاطفة ورؤية وسلوكا. وستتوطّد وتنتشر إسلامية الأدب، بالمفهوم الذي يحيل على رسالة الإسلام وعقائده وأحكامه وأخلاقه عبر "رابطة الأدب الإسلامي العالمية"، التي تأسّست سنة 1984، وعملت على تكريس إسلامية الأدب بالمفهوم العقدي الديني إيمانا وسلوكا وأخلاقا، مع المفهوم الرسالي دعوة وتربية وتعليما ونشرا، حسب الكاتب. ويبدو جليّا، يضيف مجذوب، قصدُ الرابطة في تعريفها الأدب الإسلامي بكونه: "التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة"، وإيرادها ضمن أهدافها "تعزيز عالمية الأدب الإسلامي، وتوثيق الصلات بين الأدباء الإسلاميين وإقامة التعاون بينهم، وجمع كلمتهم على الحق وفق منهج الوسط والاعتدال، والبعد عن الغلو والتطرّف... وإسهام الأدب الإسلامي في تنشئة الأجيال المؤمنة، وصياغة الشخصيّة الإسلامية المعتزّة بدينها القويم وتراثها العظيم"، انطلاقا من مبادئ من بينها أن "الأدب الإسلامي ريادة للأمّة، ومسؤولية أمام الله عزّوجل"، وأنّ "الأديب الإسلامي مؤتمن على فكر الأمّة ومشاعرها، ولا يستطيع أن ينهض بهذه الأمانة إلا إذا كان تصوّره العقديّ صحيحا، ومعارفه الإسلامية كافية". وينسَب "الأدب الإسلامي" إلى "المضمون الذي ينطلق من منطلق عقدي هو التّصور الإسلامي الصحيح"، حسب استشهاد للكاتب بقول عبد القدّوس أبي صالح، رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، كما يستحضر، في السياق نفسه، رؤية حسن الأمراني، شاعر مغربي، أن الأدب الإسلامي "باعتباره أدباً، أدبُ جمال بالدرجة الأولى (و)حين يفقد الأدب صفة الجمال، يفقد أدبيّته، أي يفقد جوهره". كما استشهد بدعوة محمد قطب في كتابه "منهج الفن الإسلامي" إلى الانفتاح على الآداب التي توافق روح التصور الإسلامي، ولكنّها غير صادرة عن أديب مسلم، وتلتقي معه ولو التقاء جزئيا فتصلح بذلك "أن تسير مع المنهج الإسلامي للفن في هذه الحدود"، ليوضّح عبد العالي مجذوب سلوكه مذهب من يعتبرون الأدب الإسلامي "كلّ أدب رائق بديع لا يعارض مضمونه مبدأ من مبادئ التّصور الإسلامي، وإن لم يكن صادرا عن مسلم". أدب عربي أم أدب إسلامي؟ يذكر الكاتب أن عبارتي "الأدب العربي" و"الأدب الإسلامي" كلاهما مستحدثَتَان ولم ينطق بهما القدماء، ثم يوضّح أن العبارة التي يمكن أن تتقوّى بالتاريخ لإثبات شرعيّتها هي "الأدب الإسلامي" لما لها، كنسبة، من رسوخ في "تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا وآدابنا، ولما للإسلام من شرعية ثابتة وسلطة معنويّة عميقة في معتقداتنا وفكرنا ووعيِنا وثقافتنا وأخلاقنا". وإن كان المشترك بين العبارتين، حسب مجذوب، هو الأدب "الحقيقي" في جوهره الفنيّ الجمالي الإبداعيّ، فإن الأدب العربيّ لسانُهُ العربية، بينما لسان الأدب الإسلاميّ العربيّة وغيرها من لغات الشعوب والقوميّات الإسلامية، في حين كان حديث القدماء مطلقا عن الأدب من غير نعت ولا تحديد ولا تمييز ولا نسبة إلى دين أو قومية "نابعا من عدم حاجتهم إلى ذلك". يرى مجدوب أنّ الصفة الدينية "لا تعني في أي حال من الأحوال أن لشعر شاعر ميزة وفضلا؛ فأن يكون للشاعر انتماء ديني حقيقي بالقلب والسلوك، أو شكلي بالاسم والثقافة، لا يفيد بأي صورة من الصور أنه بارع في شعره، ومبدع في فنّه"، مردّدا ما قاله القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني من أن "الدين بمعزل عن الشعر"، لأنه "ليست الآراء والاعتقادات في الدين مما يقدح في جودة الشعر ولا رداءته، لأن كلا منفرد عن صاحبه"، قبل أن يستدرك في فقرة لاحقة مؤكّدا رؤيته أنّ "المضمون-الرسالة مكوّن أساس في العمل الأدبي، وأنّ الأدب بلا مضمون هو، بحقّ، جسم بلا روح"، شارحا في أخرى أنّ القصد من قول إن "الدين بمعزل عن الشعر... تأكيد أنَّ فنيّةَ الشعر ليست مرتبطة بالمعتقدات، وإنما هي مرتبطة ببراعة الفنّان وقدرته على اختراع التعبير الجميل، والتصوير البديع". تمحوُرُ النّقد القديم على أدب لغته هي العربية، يفهم في إطاره عدم استعمال تسميّة الأدب العربي عند القدامى، حسب مجذوب؛ لأنهم لم يكونوا يهتمّون بأدب غير عربي لِيحتاجوا تمييزَه من أدبهم العربي، كما لم تكن حاجة إلى تخصيص أدبهم بنسبته إلى الإسلام، لأنهم كانوا يعيشون في مجتمع تظلّه الثقافة الإسلامية بمختلف مِيزاتها العقدية والعلمية والأدبية والنقديّة، و"كلّ حديث عن الأدب إنما كان حديثا لازما عن أدب ينتمي إلى هذه الحضارة؛ سواء صدر عن مسلم بالإيمان والاعتقاد والالتزام، أو عن مواطن منتم للحضارة الإسلامية وإن لم يكن مسلما"، واستشهد مجذوب في هذا السياق بتصنيف الشاعر الأموي الأخطل في الطبقة الأولى من الإسلاميين، من طبقات الجمحي، مع جرير والفرزدق والراعي، رغم أنّه نصراني، وإيمان السياسي المصري مكرم عبيد بأنّه "مسيحيّ دينا ومسلم وطنا". أدب إسلامي الحديث عن زمن الإسلاميين على أنّه فترة زمنيّة قد انتهت، وتدريس ذلك، حسب مجذوب، في كثير من أقسام الأدب بمادّة "الأدب الإسلامي"، "حديث لا معنى له لأن الإسلام إنّما كان ليستمرّ ويتواصل، وقصرُه على فترة زمنيّة محدّدة خللٌ واضطراب يفرض التقويم والتصحيح"، مذكّرا باستعمال مصطفى صادق الرافعي، الأديب المصري، الوصف الإسلامي بالمفهوم الحضاري الشامل، حيث توحي كتاباته، حسب الكاتب، بأنّ "تاريخ الأدب عندنا على مدى ثلاثة عشر قرنا لم يكن إلا تاريخ الأدب الإسلامي". ويدعو الكاتب المغربي إلى تصحيح "التداخل والاختلاط" الذي خلّفه تصنيف طبقات الشعراء، بدافع الحاجة إلى الوثوق بصفاء عربيّة الشاعر ومتانتها، إلى أربع؛ جاهليين ومخضرَمين وإسلاميّين ومحدَثين، بالرجوع إلى تصنيف ابن سلام الأصلي وتقسيم زمن الشعراء، على ضوئه، إلى قسمين: زمن الجاهليين وزمن الإسلاميين، ثم بعد الرجوع إلى هذا الأصل واستيعابه يمكن، حسب الكاتب، أن يبنى عليه وينظر إلى الإسلاميين فيقسّموا إلى متقدّمين ومتأخّرين، فيكون الأُوَلُ الإسلاميون المتقدّمون الذين يلتقي زمانهم بزمن المخضرمين، مثل: الفرزدق، وجرير، والأخطل ومن في طبقتهم، ويكون الإسلاميّون المتأخّرون من يبتدئ زمانهم ببشار بن برد، ثم يمكن تقسيمهم إلى طبقات على التدريج، وصولا إلى العصر الحديث. وينفي مجذوب أن يكون من شأن النقد الأدبي الخوض فيما لا يعنيه، خاصة عندما يتعلّق الأمر بإصدار أحكام على عقائد الناس وما تنطوي عليه قلوبهم، لأن الشأن في النّقد الأدبي هو الحكم على النص الأدبي، ومباشرةُ نقد العمل المنجز والشّكل الظاهر المعلَن، لا الرّجم بالغيب في موضوع الحكم على عقائد الناس المخفيّة، التي لا يملك أصلا المقوّمات التي تفتح مغاليقها وتكشف مستورها، ف"الحقيقة التي لها وجود فعلي بين يدي الناقد الأدبي هي النص الأدبي، ولا شيء غير النّص". ويوضّح الكاتب أنّ المقصود بالمرجعية الإسلامية في نقد الأدب والفكر والفلسفة والعلوم وباقي النشاطات الإنسانية هو التصوّرات الكليّة، التي تُعنى بشأن الإنسان والكون والمجتمع والدنيا والآخرة والشر والخير وغيرها من الموضوعات والقيم والأفكار، فيما لا بدّ أن يُرجع للبتّ في جزئيات الإبداع الأدبي إلى القواعد الفنيّة والتقنيات الجمالية التي تتعلّق باللغة والصياغة والتركيب والتشكيل والتخييل والموسيقى والإيقاع، وغير ذلك من الأدوات والصفات التي تمتاز بها صناعة الأدب عن غيرها من الصناعات. وإذا كان لا شأن للدين بخصوصيات الأدب بوصفه فنّا من فنون التعبير، حسب مجذوب، فإن الأديب مسؤول أمام قوانين المجتمع وشرائعه وآدابه وأعرافه قبل أن يكون مسؤولا أمام قوانين الفن والجمال، وخاصيّاتُه التي تصنّفه في دائرة الفنّانين لا تعفيه من واجباته، ولا تشفع له إذا قصّر في أداء المهمّة المنوطة به، بوصفه عضوا حيّا في جسم اجتماعي بشري، فإذا سلك سلوكا يجرّمه القانون ويتعارض مع مصلحة المجتمع، فإن "الدولة-السلطان، وليس الناقد الأدبي، هي المسؤولة عن معالجته زجرا أو نفيا أو حبسا أو بغير ذلك من أحكام القانون". ويرى مجذوب أنّ "الأدب الإسلامي" يطرح قضايا "تحتاج حوارا ونقاشا ومعالجة أدبيّة نقدية صريحة ومعمّقة، تعتمد التصوّر الإسلامي في مبادئه وأصوله وكلّيّاته، وتنأى عن أيّ وصاية دينية متزمّتة، وأيّ اجتهاد فقهيّ جاف في موضوع قوامه الفنّ والجمال والإبداع". كما يذكر أنّ من بين التحدّيات التي تواجه الأدب الإسلامي الحديث، قضيّة الإبداع وصناعة الجمال على مستوى العمل والإنشاء لا على مستوى الكلام والتنظير والتمنّي، قبل أن يستدرك قائلا إن هذا تحدّ يعمّ الأدب الحديث كلّه، "وخاصة في صورته الحداثية المتطرّفة التي أسقطت الحدود بين الأجناس الأدبية، وأبعدت المضامين من أن يكون لها شأن في قيمة الإبداع، بل وفرضت الغموض واللامعنى واللعب بالعبارات مطلبا من مطالب الأدب الحديث". وراهن مجدوب في ختام كتابه "أدب عربي أم أدب إسلامي" على التربية الفردية والجماعية، التي يرى أنّها هي "الكفيلة بتزويد المرء بالأدوات الفعّالة القادرة على وزن الأعمال وتقديرها والحكم عليها... ونشر هذا الإبداع، وفرض مقاييس للإبداع الرفيع، والعمل الفني الجميل، وفضح ما سواه مما هو انتحال وتزوير وعبث وسخف".