صدر عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال بمراكش- المغرب – ضمن إصداراتها الجديدة أواخر سنة 2017م، وضمن منشورات النادي الأدبي بمراكش كتاب جديد في أطروحته، نفيس في جهود جبارة بدلها كاتبه في أمد طويل عزز بتفرد طرحه اليوم النادي الأدبي بمراكش أحد اهتماماته؛ وهو مضاعفة كم إصداراته الأدبية والنقدية والعلمية والفكرية المتميزة؛ وتم ذلك في طبعة أولى أنيقة ومعتنى بتفاصيلها الشكلية، وهي من أربعمائة وستة عشر صفحة (416 صفحة) تحت عنوان" الشعر الإسلامي في المغرب: التزامه وفنيته:(دراسة نقدية لنماذج من الشعر الإسلامي في المغرب على عهد المرابطين، والموحدين، والمرينيين)؛ والكتاب من تأليف أحد أعضاء النادي الأدبي وأحد أركانه الأساسية الدكتور الباحث والناقد محمد ويلالي. صدَّر المؤلف كتابه بنصوص مقتضبة من النثر والشعر قوت من تصويب انتباه القارئ نحو موضوع الكتاب؛ وهي: حديث شريف من مرويات الدارقطني في السنن، وأبيات للشاعرين؛ شاعر الرسول الأعظم حسان بن ثابت الأنصاري، والشاعر المغربي التدلاوي الجراوي من ديوانيهما. وكلها تدعو إلى التصالح مع الشعر في الخطاب الديني، ولعل فيه الرد عمن ازور عن التعامل مع ديوان الشعر في هذا المجال الحيوي(الخطاب الديني)؛ فمن الوعي بعمق هذه الحقيقة سيتوجه المؤلف إلى التبشير بما انتهى إليه البحث في الموضوع، وأطلق عليه" مشروع نظرية الشعر الإسلامي ونقده " من خلال التعرض للجذور التاريخية والعقدية للأمة وبحثا في الدوافع، ومن تأكيد وجود علاقة تربط بقوة بين الدين والشعر بما يسمح بقراءة تنطلق من ضبط المفهوم، يعقبه تحديد الدوافع، وبسط شروط التنظير لهذا النوع من الشعر والصدع بأسسه في ارتباطها بجذورها؛ وهي: 1 – القرآن الكريم- كلام الله – قمة البلاغة، ونهاية البيان والفصاحة. 2 – السنة النبوية الشريفة وبما حوت من شتى ضروب البيان البشري. 3 – أشعار الصحابة من مثل الشعراء: حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنابغة الجعدي، وغيرهم. 4 – كتب السيرة والتاريخ والتراجم والأدب… 5 – سلسلة الإبداعات التي عرفها تاريخ الإسلام والمسلمين إلى عصرنا هذا. ومما عرض له الكتاب أنه شرع في خلخلة حركة التأريخ لظهور مصطلح" الأدب الإسلامي " فعمق البحث فيها من خلال علاقته بالأدب العربي، وبأصناف من الاجتهادات الفردية التي ساعدت على الارتياح لواقعية مدلول المصطلح دون غيره مما أورده المؤلف من المصطلحات؛ منها" أدب الدعوة الإسلامية " الذي اعتبره مكونا من مكونات الأدب الإسلامي، و"الاتجاه الإسلامي في الأدب" الذي شدد على انحرافه عن القصد كما مفهوم" الأدب المسلم "، أما"الأدب الديني" فهو و" أدب العقيدة " عند المؤلف يعتبران جزء من الأدب الإسلامي ليس إلا… ومما عرض له الكتاب علاقة الشعر الإسلامي بمفهوم"الالتزام" الذي مهد له المؤلف بتحديد دلالته عبر التاريخ الإنساني إلى حدود علاقته بالأدب الإسلامي؛ أي وفق تصور الشاعر المسلم له وهو أن الشاعر المسلم(يعي المسؤولية العظمى التي وُكِّل بها، وأن عليه أن يحفظ الله في لسانه وقلمه)(ص: 85)، وبصفة أشمل يتجلى في(ارتباط الأديب بقيمه ومبادئه)(ص: 86)، ومما تعرض له المؤلف وأجاد أنه عرض لمجموعة من الاعتراضات حول مفهوم الالتزام ورد عليها. أما في إطار معالجة الشق الثاني من عنوان الكتاب الشعر الإسلامي و"الفنية" فإن المؤلف انطلق- بمهارة اللغوي الحاذق – من التحديد اللغوي لمصطلح" الفنية"؛ من خلال استدعاء مجموعة من معاجم اللغة فأجاد في تحديد الدلالة وفي تحليلها. ثم تولى تحديد جانبها الاصطلاحي في الفكر الفلسفي الأرسطي، وفي الفلسفة الواقعية، والواقعية الاشتراكية، وعند دعاة الفنية الخالصة من النقاد والأدباء الغربيين في اتجاه وضع نظرية في علم الجمال(الاستطيقا)، وأتبع المؤلف ذلك بما حدث في أوربا أواخر القرن التاسع عشر وبخاصة في فرنسا التي سيظهر بين شعرائها اتجاه جمالي بحث لا يعبأ بالمضامين، وانتهى المؤلف إلى متضمن ما انتهت إليه النظرة الغربية للفن والجمال وهو ظهور اتجاه" الفن للفن ". هنا سيتجه المؤلف إلى استدعاء الفن والجمال في الأدب الإسلامي من خلال ألفاظ القرآن الكريم، ومن ألفاظ السنة النبوية المطهرة، وكذا مما حضر في القول الأدبي المؤثر من شعر القدماء المسخر لخدمة قضايا الإسلام والمسلمين.. ولم يخل هذا الجانب عنده من إبطال تصورات بعض النقاد حول توهمهم تعارض الفن والأخلاق في الشعر، ناهيك عن حدود الشعرية من خلال الصياغة والمضمون مما انتهى معه المؤلف إلى أن الشعر(صياغة فنية معلومة، لمضامين جليل) ومن سديد ما عرض له المؤلف موقف الإسلام من شعر الرفث وروايته، سواء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية أم في موقف الصحابة والعلماء والنقاد منهم، ولم يتشدد أخيراً في روايته متى ما توفرت ضوابط إباحته. ثم عرض المؤلف للمنهج الإسلامي في نقد الإبداع باعتباره قراءة تصحيحية للإبداع، ولدور الناقد الإسلامي باعتباره يقوم الإبداع ويميز جيده من رديئه، ويبرز ما فيه من العيوب، وهو ما يعني أن النقد قراءة تصحيحية للأدب… وأعاد المؤلف ما أطلق عليه(الأدب الصناعي) المؤسس على الزخرفة والتنميق وبهلوانيات الصناعة البديعية وكذا المضامين التافهة إلى الجادة لما وضح أنه نشاز وعمل على احتلال مكان( الأدب الطبيعي) بمضامينه الحية البناءة لكياني الأمة والإنسان، ولم يفته أن يتعرض بالتحليل والاستقصاء لاختلال بعض معايير الشعر الجيد في النقد العربي القديم، مهد بذكرها حتى يعرض لخصائص النقد الإسلامي، وحصر تلك المعايير في: المعيار الزمني، والذوق، والكم الشعري، وفي شرف الشاعر، والمعيار الفني. أما خصائص النقد الإسلامي فحددها في مجموعة من الخصائص بعضها ذاتي نفسي، وبعضها أخلاقي وموضوعي فني تنوعت فأكسبت النقد التوازن والعموم، وحددها في سلامة القصد، وتقويم النص الفني، وحضور البعد الأخلاقي والفني في العملية النقدية، ناهيك عن الوضوح النقدي، والتزام حدود الحق والصدق، والوسطية الذاتية والموضوعية، والشمولية في التعامل مع النص الأدبي. في القسم الثاني من هذا الكتاب سيعرض المؤلف للشعر الإسلامي في المغرب محاولا رد الاعتبار له واستجلاء حقيقته، والعوامل المؤثرة فيه، والوقوف على بعض مكامن القوة فيه، وكأني بالمؤلف يردنا إلى قضية سبق أن أثارها الكاتب والباحث المغربي عبد الله كنون خلفية في مقدمة كتابه" النبوغ المغربي في الأدب العربي"؛ أي تحامل بعض المبدعين والنقاد المشارقة على الأدب المغربي ومجاراة بعض المغاربة لهم؛ إذ عمد المؤلف إلى الاستشهادات ومقارعة الحجة بالدليل على نبوغ شعراء كبار، والسعي لتأكيد حقيقة مؤداها: أن الأدب المغربي بعامة، والشعر بصفة خاصة، والإبداع بصفة أخص جميعها في أمس الحاجة إلى البحث والدراسة المعمقين على ضوء المقاييس والضوابط الإسلامية لأن النتائج ستكون مبهرة. هنا سيفتح المؤلف نافذة عريضة فتحها على التنبيه على" أثر الدين في نفوس المغاربة وفي الشعر المغربي " من خلال عملية مسترسلة تضافرت فيها آليات التحليل والتمثيل من ديوان الشعر المغربي، وكذا الجرد التاريخي الواقعي لحياة المغاربة في عصور المرابطين والموحدين و في العصر المريني. ومما عزز به المؤلف أطروحته عن الشعر الإسلامي في المغرب، ومدى التزامه وما حوى من مقومات الفن أنه انتقى ثلاثة نماذج مما توفر له- وهو كثير – من النماذج الشعرية تعددت أغراضها وأحجامها وبحورها ولها علاقة بالتحقيب السابق(المرابطين- الموحدين- المرينيين)؛ وهذه القصائد هي: قصيدة" وصف الربيع " لأبي الحسن بن زنباع، وقصيدة"رحلة"الشوق" للقاضي عياض، وقصيدة" الفتح العظيم " لأبي العباس الجراوي، وقصيدة"هو القضاء أبا بكر" لميمون الخطابي(ابن خبَّازة)، وقصيدة"خدعة زواج" لمالك بن المرحل، وقد عرض المؤلف في تحليله لهذه القصائد وفق استراتيجية واحدة؛ إذ تناول النصوص من خارجها كما تناولها من الداخل؛ حسب خطة تختلف في مكوناتها؛ لكن ما يجمع بينها هو تثبيت القصيدة أولا، فترجمة الشاعر، وإبراز مضمونها الإسلامي، وتناول عناصر من شكلها الفني العام… وختم المؤلف كتابه بالتشديد على أن هذا البحث ما هو إلا إسهام في صياغة"مشروع نظرية الشعر الإسلامي" وهو لبنة من لبناتها تنتظر توسيع دائرة البحث فيها؛ كما أنها تستدعي جهود المهتمين لغاية بناء صرح شامخ واضح المعالم لما أطلق عليه المؤلف" الشعر الإسلامي في المغرب ". إن قراءة هذا الكتاب ومتابعة جهود صاحبه فيه بما توفر له من حس نقدي مائز، ومن ثقافة أدبية موسوعية، ومن حس ديني صادق، وثقافة لغوية أثيلة، واطلاع عميق ومتابعة لكل ما كتب عن الأدب الإسلامي على يد أقطابه الكبار في العالم الإسلامي؛ ومنهم المغاربة، وقد لعب هؤلاء جميعا دور الموجه للمؤلف فيما انتهى إليه من الخلاصات والنتائج، بفضل حرصه على الإفادة في هذا الكتاب، وبفضل ما توفر له من كتبهم ودراساتهم، ومنشوراتهم المطبوعة داخل المغرب وخارجه، والتي كانت موضع استشارة رجع إليها المؤلف، ناهيك عن الكتب المغربية والدراسات التي لها علاقة بالموضوع في الأدب المغربي بعامة.