سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور سعيد لغزاوي ل " طنجة الأدبية ":
* للمشهد السياسي في المغرب تأثيره السيئ على الواقع الأدبي والثقافي
* مصطلح الأدب الإسلامي أوجد لنفسه مكانا في الساحة الأدبية والنقدية على المستوى الأكاديمي
*** رغم أن الأدب الإسلامي لم يعد مجرد ظاهرة ثقافية محدودة النطاق و الصدى، و بات اليوم ذا وفرة في الإنتاج و الإبداع في مختلف الأجناس الأدبية، و وفرة في الأسماء المبدعة الحاملة لعدد كبير من الجنسيات الممتدة من طنجة إلى جاكارتا، إلا أنه مازال عصي الاستيعاب و الفهم و الإيمان، لدى كثير من الأدباء العرب الذين لا يخفون رفضهم له، و حرصهم على مقاطعته، و مهاجمة دعوته، في هذا الصدد تستضيف مجلة " طنجة الأدبية " أحد النقاد المغاربة الذين وهبوا أنفسهم للتعريف بهذا الأدب و و الترويج لخطابه و تصوره و جماليته، في أفق إعداد ملف كامل حوله. – ما معنى الأدب الإسلامي ؟ و هل يمكن تصنيف الأدب إيديولوجيا ؟ - – بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين الذي جعله الله قدوة للأدباء بما أثر عنه من جوامع الكلم ، ومن أصول للنقد الإسلامي المأخوذ من نصحه للنقاد بتتبع البيان والحكمة . - وبعد ، أشكر لمجلتكم مجلة " طنجة الأدبية " عنايتها بالأدب عموما وبالأدب الإسلامي خصوصا . وأجيبكم عن السؤال الأول حول مفهوم الأدب الإسلامي بأنه الأدب المنطلق من مقومين اثنين هما مقوم الأدب أولا ومقوم الإسلام ثانيا . وهو ما ينفي عنه أدب المواعظ والوصايا ، ويدرجه في غمار الأدب شعره وقصته وروايته ومسرحه وكل فنون الأدب لكن انطلاقا من قيم الحق والخير والجمال الإسلامية . - ثم أنتقل إلى الشق الثاني من السؤال لأقول نعم يمكن التصنيف الإيديولوجي للأدب خلافا لما اتجه إليه أنصار الحداثة وأستحضر قولا جميلا للشاعر عبد الرحمن عبد الوافي " أما أنا فلا أعزل صاحبي " يعارض به محاولة إفراغ الأدب من بعده الإيديولوجي ، ومؤكدا على ضرورة استمداد الأدب رواءه وجوهره من الإيديولوجيا وهو هنا العقيدة الإسلامية التي تصون الأدب من كل هوى أو زيغ أو انحراف أو غواية كما وردت في سورة الشعراء " والشعراء يتبعهم الغاوون " . صورة بالجامعة الإسلامية بماليزيا في ندوة " إسلامية الدراسات اللغوية والأدبية وتطبيقاتها – ما هي أهم الأسس الجمالية للأدب الإسلامي ؟ و هل لهذا الأدب خصوصيات جمالية تميزه عن غيره ؟ – وإن كان النقاد الإسلاميون يركزون على الأسس الجمالية الإسلامية المستمدة من بلاغة القرآن والسنة وجمالية القصص القرآني ، إلا أنهم لا ينغلقون على أشكال قديمة يفرضونها على الأدباء ويلزمونهم بالتقيد بها ، بل يعتبرون الجمالية مساحة فسيحة يطلب من الأدباء أن يستلهموا منها التعابير والأشكال التي تلائم مضمونهم الإسلامي ، كما تدعوهم إلى خلق قوالب جديدة تلائم الحياة الجديدة التي نعيشها في الألفية الثالثة شريطة ألا تصادم الجوهر الإسلامي . فليست هناك شروط للشعر مثل عمود الشعر أو القصيدة العمودية ، فهناك شعراء إسلاميون معاصرون أجادوا في قصيدة التفعيلة أذكر منهم في المغرب حسن الأمراني وعلي الرباوي وعبد الرحمن عبد الوافي ومحمد المتقن وجلول دكداك والمرحومان فريد الأنصاري ومحمد بنعمارة وأمينة لمريني وغيرهم . وليست هناك شروط للقصة بالالتزام بالمقدمة ثم الحبكة ثم الخاتمة بالشكل التقليدي في القصة فهناك قصاصون إسلاميون أبدعوا في قوالب قصصية جديدة أذكر منهم أحمد رزيق والمرحوم فريد الأنصاري والحسين زروق ونبيلة عزوزي وأم سلمى وزبيدة هرماس وغيرهم كثير . ولا أبالغ إذا قلت إن هؤلاء قد تميز أدبهم بمسحة جمالية خاصة لأنها جمالية مستمدة من نور القرآن وهدي السنة النبوية المطهرة ، مما جعلها تجمع بين الجمال والجلال بعيدا عن كل إسفاف أو سقوط أخلاقي ينزع عن الأدب بعده الأخلاقي .
– وصف الأدب ب " الإسلامي " أليس معناه الانغلاق و رفض التلاقح و الانفتاح على تجارب إنسانية أخرى ؟ - أعتقد أن مصطلح الأدب الإسلامي قد أوجد له مكانا في الساحة الأدبية والنقدية على المستوى الأكاديمي ، حيث أنجزت حوله أطروحات جامعية وأصبح يدرس في بعض الجامعات . ونحن نودع المفكر عابد الجابري رحمة الله عليه ، أذكر للتاريخ أن المكتب الإقليمي للرابطة كان أجرى حوارا معه في تسعينيات القرن الماضي حول الأدب الإسلامي عموما ومصطلحه بشكل خاص ، شارك فيه حسن الأمراني بورقة نقدية تؤرخ للأدب الإسلامي وتبرر أسباب تبني هذا المصطلح وسط رواج الخلفية الإيديولوجية للأدب ، وخلص الجابري رحمة الله عليه بفكره الثاقب إلى قبوله بهذا البعد الإيديولوجي . لذلك أرى أن إثبات هذا المصطلح أصبح أمرا واقعا، تؤكده رابطة الأدب الإسلامي العالمية بروادها وأجيالها المتعاقبة منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى الألفية الثالثة بما تشهده من زخم فكري وتكنولوجي هائل . هو أدب إسلامي حقيقة لكنه منفتح على الآداب والإيديولوجيات المعاصرة يقبل منها ويرفض كما هو شأن كل الآداب والإيديولوجيات المعاصرة . صورة في جامعة الإسراء في ندوة " أبعاد غائبة في حوار الحضارات " – يكاد يجمع النقاد على " حقيقة " انحسار الأدب الإسلامي، و عدم قدرته على تقديم نماذج متميزة ( كما و كيفا ) سواء في الشعر أو القصة أو الرواية أو المسرح ؟ لماذا في نظركم ؟ – إذا كنتم تقصدون الألفية الثالثة أو ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ، فأعتقد أن العالم الإسلامي وقعت فيه صدمة جديدة تطلبت مراجعة جادة للأفكار والأطروحات ، وهو ما نلمسه في الحركات الإسلامية عموما والأدباء والنقاد الإسلاميين بشكل خاص ، وكنت دعوت في ندوة نظمتها جامعة الإسراء بالأردن في موضوع " أبعاد غائبة في حوار الحضارات " إلى مراجعة متجددة للفكر والخطاب مستلهما دعوة الجابري رحمه الله إلى تدوين جديد ومراجعة متجددة للفكر . وعندما نقول الفكر ينسحب القول على الأدب بما هو وعاء ورسول للفكر . وأنا أعتقد أن هذه الصدمة ستعود على الأدب الإسلامي بالنفع لأنها ستحتم عليه المراجعة والانفتاح ، وهما شرطان للتجديد والبقاء . – يمكن القول أن الأدب الإسلامي قد نجح في المغرب شعريا، بينما لم يتوفق في الكشف عن أسماء مبدعة في القصة أو الرواية أو أي جنس أدبي آخر ؟ لماذا ؟ – هو قول غير صحيح خصوصا في المغرب الذي عرف أدباؤه الإسلاميون نهضة شاملة شهد بها رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية الدكتور عبد القدوس أبو صالح . وعندما نظمت الملتقيات الدولية في المغرب احتفت بالشعر والنقد والرواية ، وكانت فرصة لظهور جيل جديد من الشعراء والقصاصين والروائيين الذين ذكرت أسماءهم في سؤال سابق . وربما يعود التقصير إلى قلة المتابعة وقلة رواج سوق الأدب عموما في المغرب . – لقد قمتم في كثير من أعمالكم النقدية بقراءة نصوص شعرية و نثرية لبعض الأدباء المغاربة.. في اعتقادكم ما هي طبيعة الأسباب التي تحرم الأدب المغربي من خاصيات الانتشار و الإقبال و التأثير ؟ – قدر النقاد أن يكون عددهم قليلا ، مما لا يمكنهم من متابعة الإنتاج الوافر في الأدب . خصوصا إذا كان الناقد بعيدا عن المجاملة ويقدر قيمة الكلمة المسؤولة التي تعتبر بمثابة شهادة في حق الأديب سيسأل عنها أمام خالقه . وينبغي لتدارك هذا التقصير توظيف التقنيات الحديثة في التواصل وربط الجسور بين الشرق العربي وغربه بملتقيات ومنتديات تسمح للأدب بالانتشار . صورة في جامعة الإسراء في ندوة " أبعاد غائبة في حوار الحضارات " – في أغلب الدراسات النقدية الأدبية التي تردنا من المشرق العربي، نلمس بقوة، و نلاحظ غياب أسماء و أعمال مغربية.. بماذا يتعلق الأمر ؟ بتهميش و إقصاء ؟ أم بأسباب موضوعية ترتبط بانعدام جودة الإبداع المغربي ؟ – لا أعتقد أن هذا الكلام صحيح في وضعنا الراهن . فمصداقية الأديب المغربي تؤكدها مشاركاته في المحافل والمنتديات ، وحصوله على الجوائز في المسابقات التي تنظم في المشرق العربي ، إلى درجة أصبحنا معها نلحظ نوعا من الحظوة للمغاربة عند المشارقة . جودة الإبداع المغربي موجودة ، ولا إقصاء ولاتهميش بل ترحاب واستقطاب . – ما هو تقييمكم للواقع الأدبي و الثقافي المغربيين.. في ظل غياب مؤسسة مستقلة تعنى برعايته و تنميته و الذود عنه ؟ و في ظل انحسار الإنتاج الشعري و الروائي و المسرحي ؟ و مقاطعة المتلقي لهذا الإبداع ؟ – ربما كان للمشهد السياسي في المغرب تأثيره السيئ على الواقع الأدبي والثقافي : وتتحمل النخبة السياسية مسؤولية هذا الواقع بما تكرسه من تدن أخلاقي وتسابق نحو المناصب دون أهلية ولا مصداقية . توجد مؤسسات تحظى بدعم لكنها لا تمثل الأديب ولا المثقف الذي يتحمل أمانة الكلمة . ولعل نموذج المرحومين الجابري والأنصاري وبنعمارة من الأموات والمهدي المنجرة وخناثة بنونة من الأحياء تعكس حقيقة ومرارة الواقع ، وتدعو إلى تأسيس مؤسسات لرعاية مثل هذه الأصوات الأبية التي لا تخنع ولاتركع ، ولذلك لاذت بالصمت أو ربما تكتب وتكدس إلى حين صعود طبقة سياسية جديدة تتحمل مسؤولية تغيير المشهد السياسي وإعادة النبض إلى الكلمة البانية كما أثرت عن الشاعر حسن الأمراني . وأنا أؤكد على ضرورة المتابعة النقدية والصحفية للإبداع : هل سمعتم بالدواوين الثلاثة التي صدرت للشاعر الرباوي ومنها ديوانه " دم كذب " سنة 2009 م ؟ . وهل سمعتم بالأديبة القصاصة زبيدة هرماس التي صدرت لها مجموعتان قصصيتان " كنز في تارودانت " و " لم أرحل إلى الضفة الأخرى "ورواية " فراشات مكة دعوها تحلق " بين سنتي 2008 و 2009 م ؟. هذا غيض من فيض الإبداع الإسلامي بالمغرب فلماذا نحكم عليه بالانحسار ؟ ولماذا نحكم على المتلقي بالمقاطعة ؟ . تحياتي لقراء مجلتكم " مجلة طنجة الأدبية " ، ولنتحمل جميعا مسؤولية نهضة أدبية جديدة توظف فيها معطيات العصر لبناء جيل جديد من المبدعين والمتلقين وطابت أيامكم وأوقاتكم .