يكتنف الغموض مصير الأوضاع في مصر في ظل حالة "ارتباك" تسود المشهد السياسي وعمليات استقطاب "غير مسبوقة" بين قوى سياسية وتكتلات ثورية يسعى كل منها لفرض أجندته على مجريات الأمور في البلاد. وتجلت حالة الانقسام هاته فور الإعلان عن تكليف المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة للسيد كمال الجنزوري بتشكيل الحكومة الجديدة; حيث تباينت ردود الفعل ما بين رافضين له من الثوار في ميدان التحرير، باعتباره من رموز النظام البائد وسبق أن عمل وزيرا ورئيسا للوزراء لأكثر من عشر سنوات في ظل حكم حسني مبارك. وتمسك هؤلاء الثوار بموقفهم، ودعوا إلى تنظيم مليونية الأحد لتأكيد رفضهم لتعيين الجنزوري واقترحوا أسماء أخرى من بينها محمد البرادعي. وفي المقابل، كان هناك في نفس التوقيت الآلاف من المؤيدين للجنزوري يحتشدون في ميدان العباسية بالقاهرة يرون أنه الأنسب للمرحلة الحالية نظرا لخبراته الاقتصادية ونزاهته وقدرته على ضبط الأمور "المنفلتة" في الشارع المصري. وعزز موقف هؤلاء قوى وتيارات دينية لا ترى غضاضة في تولي الجنزوري لهذا المنصب ومنها جماعة "الاخوان المسلمين" وبعض القوى السلفية التي ترى أن الأهم من الشخصيات، الصلاحيات التي ستخول لها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما طال الجدل الموقف من الانتخابات التشريعية التي ستنطلق أولى مراحلها الاثنين، اذ طفت على السطح أراء تطالب بتأجيلها إلى حين استقرار الوضع الأمني وإتاحة الفرصة أمام قوى الثورة للمشاركة فيها بفاعلية، وهو ما رفضته أحزاب وقوى أخرى على رأسها ممثلو التيار الديني من "الإخوان المسلمين" والجماعة الإسلامية والحركة السلفية. لكن ربما يكون من أبرز مظاهر حالة الاستقطاب الجارية في مصر ذلك السجال حول وضعية المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ شهر فبراير الماضي بعد تصاعد المطالبات بعودة الجيش الى ثكناته وتسليم زمام الأمور الى سلطة مدنية من خلال مجلس رئاسي يتولى تصريف الأمور خلال المرحلة الانتقالية. فبعد أن كان الحديث على استحياء عن "فشل" المجلس العسكري في إدارة الفترة الانتقالية، باتت المطالبة ب"رحيل" المشير طنطاوي تتصدر شعارات وهتافات المتظاهرين في ميدان التحرير، خاصة بعدما أعلن طنطاوي إمكانية تخلي المجلس العسكري عن السلطة، لكن من خلال استفتاء شعبي. اللافت في المشهد السياسي المصري، أنه لا توافق على "خارطة طريق" بين القوى والتيارات السياسية لتدبير شؤون البلاد خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يهدد باستمرار الخلافات ويكرس حالة "الفوضى" التي تتصدر المشهد في مصر في الوقت الراهن.