بعد الانتصار الدبلوماسي على المستوى الأوروبي بمصادقة البرلمان على اتفاقية الفلاحة، واللجنة بالنسبة لاتفاقية الصيد البحري، قام السفير المغربي الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة، عمر هلال، بإبلاغ المنتدى الدولي، خاصة الأمين العام انطونيو غوتيريس، وأعضاء مجلس الأمن، بهذه الانجازات المهمة التي حققها المغرب، عبر رسائل دبلوماسية يوم 24 يناير 2019. لتؤسس بذلك لقواعد قانونية تؤخذ بعين الاعتبار في حل ملف قضيتنا الوطنية الأولى، خاصة وأن التصويت على الاتفاق الفلاحي أيده 444 صوتا، وعارضه 168، وامتنع عن التصويت 68 صوت. وللإشارة، فإن معرض الفلاحة الدولي بمكناس سيستوعب أكثر من مليون زائر خلال هذه السنة، و1500 عارض، ومشاركة 72 دولة. وقد تزامن هذا مع تعزيز التعاون المغربي الروسي والتعاون الاقتصادي والصناعي، وركز وزير خارجية روسيا، سيرجي لا فروف، على أن مشكل الصحراء متوقف على حل توافقي متناغم مع قرارات مجلس الأمن. كما أكدت أنقرة أن الاندماج الترابي للمملكة المغربية وأمنها واستقرارها أولية استراتيجية بالنسبة لتركيا. وقد استفاد المغرب من الخط الائتماني الثالث بقيمة 3.47 ملايير دولار، والعلة في ذلك أنه انطلق في إصلاح التقاعد العام، وإحداث معاش للمهن الحرة والمستقلين سنة 2017، كما تم توسيع نطاق تقلب الدرهم، 2.5 في المئة زيادة ونقصانا، مع تحقيق مرونة في سعر الصرف ابتداء من يناير 2018. أما علاقة المغرب بإفريقيا، فهي خيار استراتيجي يقوده جلالة الملك، ويكفي أن نؤكد أن جلالته قام بأكثر من 50 زيارة إلى 25 دولة إفريقية، والاشراف على توقيع أكثر من 1000 اتفاقية. وللمغرب 100 مقاولة في 42 دولة إفريقية، مما أدى إلى تضاعف حجم المبادلات التجارية ب8 في المئة، وقدرت استثماراته خلال 15 سنة بإفريقيا بحوالي 40 مليار درهم. ورغم كل هذا، يبقى السؤال العريض لماذا عمّر مشكل الصحراء المغربية أكثر من خمس وثلاثين سنة؟ ولماذا لم تتخذ الفوارق المجالية موقعها الطبيعي رغم المجهودات المبذولة دبلوماسيا وتنمويا؟ وعلى المستوى المالي، تم تخصيص مشروع مستقى من القانون المالي 2019 متعلق بالأحكام الجبائية، المتعلقة بقواعد الوعاء الضريبي، والرقابة والتحصيل، والضريبة على الدخل، والضريبة على القيمة المضافة، وكذا رسوم التسجيل. إضافة إلى أمثلة توضيحية ومعالجة الحالات الفردية، وأخيرا رسوم عقود التأمين. والسؤال، هل المناظرة المرتقبة حول الجبايات قمينة بعلاج مجموعة من المشاكل في هذا الإطار؟ ومن أجل تفعيل هذه الدينامية، قام الجهاز الحكومي، تحت إشراف رئيس الحكومة، بزيارات إلى الجهات في إطار الديمقراطية التشاركية، والهدف هو البحث عن حلول مشتركة من أجل التقليص من التفاوتات بين الجهات، والاتفاق على تحيين التوجهات العامة لسياسة إعداد التراب الوطني في أفق 2050، من خلال تجديد المجال الترابي والحضري والتناغم مع النمو الديمغرافي، والتحول الاقتصادي. وللإشارة، فقد انطلق هذا المفهوم ابتداء من 2001، ووضع تصميم وطني في 2004 إلى 2025، ثم وضعت التصاميم الجهوية لإعداد التراب، كل هذا يتيح المساهمة في القرار العمومي. ونظرا للتحولات المعاصر، هناك ضرورة لإعادة النظر في الأهداف والتوجهات والأولويات والانسجام في الأداء العمومي انطلاقا من مرجعيات الدستور والرسائل الملكية والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نحو الجهات التي ركزت على التماسك والتجديد ووضع سياسات ترابية حضريا وقرويا وضمان استدامة الموارد الطبيعية، خاصة الماء، والالتقائية بين السياسات العمومية والتتبع بهدف تحقيق الجاذبية المجالية، والاستشراف والترشيد والتوازن والتكيف والتأقلم، وتقليص الفجوة بين الجهات والمجالات والأحياء والمناطق. وفي هذا المقام، لا بد أن نستحضر الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الذي سيصاحب الجهوية المتقدمة وتنمية التراب، وتفعيل المخطط المديري رقم 2.19.40، والمرسوم 2.17.618. فهل فعلا سيساهم هذا الميثاق في تفعيل اللاتمركز الإداري وتوضيح دور المركز والجهات؟ إن المطلوب هو التقويم والتأهيل والتتبع والتناغم بين السياسات العمومية وتحويلها إلى برامج ومشاريع، ودعم وتقوية الجماعات الترابية. وفي هذا الإطار، سينعقد المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بعد غياب دام 4 سنوات. وهذا يتجاوز الإطار التشريعي إلى توفر الإرادة القوية للتغيير. ومن القطاعات التي انصب عليها الاهتمام التربية والتكوين، حيث تطرح إشكالات متعددة؛ إذ نتساءل متى ستكون المؤسسة التعليمية فضاء للعيش الحقيقي يشعر فيه المتعلم بأريحية وطمأنينة؟ ما نصيب اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية من مشروع الإصلاح؟ هل نرتب اللغات الأجنبية حسب الأولوية العلمية عالميا أم بناء على إكراهات سياسية؟ ما نصيب مؤسساتنا التعليمية من الطفرة التكنولوجية العالمية؟ إننا في حاجة إلى إدماج المواطنات والمواطنين من أجل التغيير؛ فلا يعقل أن يسجل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية خلال سنة 2018 حجز وإتلاف ما مجموعه 5441 طنا من المنتجات الغذائية غير الصالحة للاستهلاك على مستوى التراب الوطني، وغيرها من السلوكيات غير الحضارية التي تساهم في الهدم بدل البناء، وبالتالي تخدش مبدأ المواطنة الذي يعني التلازم والتناغم بين الحقوق والواجبات. ولنا عودة إلى منطق الإخفاق والانتصار على مستوى حكامة التدبير العام.